سورية: مجزرة وادي بردى لنسف التهدئة

16 يناير 2017
من قصف للنظام على إدلب يوم السبت (أحمد معمر/الأناضول)
+ الخط -



لم يوقف النظام السوري و"حزب الله"، منذ التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في سورية أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، محاولتهما لنسف هذا الاتفاق، وسعيهما للاستمرار بالضغط ميدانياً على المعارضة السورية. هذه المحاولات التي كانت متقطعة منذ نحو الأسبوعين، شهدت منذ مساء أول من أمس السبت وطوال يوم أمس الأحد فصلها الأعنف، مع اغتيال اللواء المتقاعد أحمد حسن الغضبان، والذي كان يشرف من طرف النظام على اتفاق للتهدئة في وادي بردى، إضافة إلى ارتكاب مجزرة بحق المدنيين في قرية دير قانون في الوادي راح ضحيتها أكثر من 30 قتيلاً وجريحاً. ولا ينفصل هذا التصعيد عن مخطط النظام وحلفائه لتهجير كامل منطقة ريف دمشق، وهو ما كانت تركيا قد حذرت المعارضة منه خلال اجتماعات أنقرة التشاورية، ما يدل على أن النظام يصرّ على السيطرة على منطقة ريف دمشق لما لها من أهمية بالنسبة لمخططه. مع العلم أن النظام كان قد حاول استثناءها من اتفاق وقف النار، إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل. هذه التطورات الميدانية تتزامن مع استمرار مشاورات أنقرة بين المعارضة ومسؤولين أتراك، بغية حسم تصور المعارضة وطرحها لمؤتمر أستانة التفاوضي المقرر في 23 يناير/كانون الثاني الحالي، مع بروز دعوات للمعارضة بالإعلان عن فشل العملية السياسية وعدم التوجّه إلى أستانة بعد خروقات النظام وحلفائه في وادي بردى.

مجزرة بحق المدنيين
وارتكبت قوات النظام السوري مجزرة بحق المدنيين في منطقة وادي بردى، الواقعة على بُعد نحو 15 كيلومتراً شمال غرب دمشق، في سياق محاولاتها للسيطرة عليها. وجاء ذلك بعدما نسفت هذه القوات اتفاق تهدئة في المنطقة كانت قد توصّلت إليه المعارضة والنظام، بعد قتلها اللواء المتقاعد أحمد حسن الغضبان، والذي كان يشرف على الاتفاق، مع تأكيد مصادر في المعارضة أن النظام و"حزب الله" يقفان وراء هذا الحادث، للسيطرة على كامل الوادي وتهجير سكانه.
وأكدت الهيئة الإعلامية في وادي بردى أمس الأحد، مقتل أكثر من 12 مدنياً وإصابة 20 آخرين في قرية دير قانون، إثر استهداف دبابة تابعة لقوات النظام تجمّعاً للمدنيين. وبحسب الهيئة الإعلامية في وادي بردى، استهدف القصف مركز تجمّع للنازحين في القرية. وهذه الحصيلة من الضحايا هي الأعلى خلال يوم واحد في المنطقة منذ بدء الهدنة أوائل الشهر الحالي. وجاءت المجزرة، بعد ساعات من سيطرة قوات النظام و"حزب الله" على قرية عين الخضراء، الواقعة بين قريتي بسّيم وعين الفيجة أبرز قرى الوادي، حيث يقع نبع المياه الشهير، والذي يغذي العاصمة دمشق بنحو 70 في المائة من احتياجاتها من مياه الشرب.
ووضعت قوات النظام مع "حزب الله" ثقلهما العسكري للسيطرة على قرية عين الفيجة، إذ يضغطان في الوقت ذاته على قريتي كفير الزيت ودير مقرن، لتضييق الخيارات العسكرية أمام فصائل المعارضة المسلحة. وذكر ناشطون محليون أن فصائل المعارضة تتصدّى لمحاولات قوات النظام و"حزب الله" التقدم على محور عين الفيجة، بالتزامن مع قصف مدفعي عنيف تتعرض له القرية والمناطق المحيطة بها.
وبرز، مساء السبت، تطور أدى إلى تعطيل اتفاق أُبرم بين فصائل المعارضة والنظام يوم الجمعة، وأكد نيّة النظام وإيران الحسم العسكري في المنطقة، وإجبار المعارضة على توقيع اتفاق يتيح لهما فرض هيمنة مطلقة على خاصرة دمشق الشمالية الغربية. فقد اغتيل اللواء المتقاعد أحمد حسن الغضبان على يد ضابط في الحرس الجمهوري التابع للنظام، غداة التوصل لاتفاق بين قوات النظام والفصائل المعارضة، ويسمح بدخول ورش الصيانة لبدء عملية إصلاح الأضرار التي لحقت بمنشأة نبع الفيجة.
وقال المحامي فؤاد أبو حطب، وهو المفوّض عن الفعاليات المدنية لوادي بردى في الخارج، لـ"العربي الجديد"، إن "حزب الله" أفشل بمقتل الغضبان الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع النظام. وأضاف أن "توقيع الاتفاق بين الفعاليات في وادي بردى، وبين ممثل عن النظام في مكتب الأمن الوطني الذي يتزعمه اللواء علي مملوك، تضمّن وقف إطلاق النار، بالتزامن مع دخول ورشات إصلاح لنبع عين الفيجة، من دون أن ينصّ على دخول قوات النظام وحزب الله إلى المنطقة".
ولفت إلى أن قوات النظام وحزب الله لم تلتزم بالاتفاق، واستمرت بالقصف، مع محاولات الاقتحام البري، فذهب وفد وادي بردى برئاسة الغضبان، وهو وفق الاتفاق مكلف من قبل بشار الأسد شخصياً بإدارة المنطقة أمنياً وعسكرياً، لمقابلة العميد قيس فروة المسؤول عن العمليات العسكرية في قوات النظام بالوادي عند حاجز قرية دير قانون، لوضعه في صورة خروقات الاتفاق، وفوجئ الجميع بقيام ضابط من الحرس الجمهوري بإطلاق رصاصتين على اللواء الغضبان ما أدى إلى مقتله. وأشار أبو حطب إلى أن إطلاق النار جاء بناء على تحريض من "حزب الله" الذي ليس من صالحه تطبيق الاتفاق، فهو يريد السيطرة على منطقة وادي بردى عسكرياً، لاستكمال المشروع الإيراني بالسيطرة الكاملة على ريف دمشق.


واعتبرت الفعاليات المدنية في وادي بردى أن اغتيال الغضبان بمثابة قضاء على "كل أمل في حل سلمي يحقن الدماء"، مطالبة قادة الفصائل المجتمعين في العاصمة التركية أنقرة منذ أيام للتحضير لمؤتمر أستانة بـ"الإعلان بشكل واضح عن انهيار العملية السياسية، وعدم التوجه إلى أستانة". كذلك طالبت الفعاليات تركيا كونها طرفاً ضامناً لاتفاق وقف إطلاق النار، بـ"تحمّل مسؤولياتها"، و"الدفع باتجاه إدخال مراقبين أممين إلى وادي بردى، لمراقبة وقف إطلاق النار، وانسحاب قوات النظام وحزب الله من المناطق التي سيطرت عليها بعد بدء تنفيذ الاتفاق". كذلك قال المتحدث الرسمي باسم "الهيئة الإعلامية في وادي بردى" عمر الشامي لوكالة "فرانس برس" إن "الاتفاق يُعتبر ملغى منذ صباح اليوم (أمس) بعد خرقه من النظام مرات عدة، خصوصاً بعد مقتل الغضبان".
من جهته، ذكر الصحافي محمد فارس، وهو من أبناء منطقة وادي بردى، أن مقتل الغضبان لا يقلّ خطراً عن تدمير منشأة نبع الفيجة، مشيراً إلى أن الغضبان "كان مقبولاً من كل الأطراف في الوادي"، موضحاً في الوقت عينه أن النظام وحزب الله "تخلّصا من شخصية كان لها ثقل تفاوضي، وتتمتع بالشجاعة، ووجوده كان يؤدي دوراً مهماً في إفشال مخطط إخضاع المنطقة، وتسليمها لحزب الله".
في المقابل، قدّم النظام رواية مختلفة للاغتيال، إذ قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام إن "إرهابيين أطلقوا النار" على الغضبان "بعد خروجه من اجتماع مع متزعمي المجموعات الإرهابية المسلحة في قرية عين الفيجة".

محاولات لاستمرار التقدّم
وضرب النظام وحليفته إيران بعرض الحائط اتفاق وقف إطلاق في سورية، والذي دخل حيّز التنفيذ في الثلاثين من الشهر الماضي بضمانة روسية تركية، إذ استمرا في محاولة تطويع القرى التي تسيطر عليها المعارضة في منطقة وادي بردى، مغلقين باب أمل فُتح بتوقيع الاتفاق، لإيجاد حل سياسي في سورية.
ويصر النظام وحلفاؤه على الحسم العسكري، خلافاً لإرادة دولية تبدو عاجزة عن وقف نزيف الدم السوري، وعمليات التهجير واسعة النطاق التي يقوم بها النظام وإيران، بمساعدة روسية مباشرة، خصوصاً في دمشق ومحيطها، وصولاً إلى منطقة القلمون الغربي، في توجّه واضح لفرض السيطرة العسكرية والديمغرافية على الجغرافيا الممتدة من جنوب سورية إلى الساحل السوري، مروراً بمدينة حمص وريفها الغربي، لتأمين السيطرة على "سورية المفيدة".
ويدرك النظام وحلفاؤه أن المعارضة السورية باتت في وضع لا يسمح لها بتخفيف الضغط عن المناطق التي يهاجمها النظام في منطقة وادي بردى، إذ باتت فصائل المعارضة المسلحة "قليلة الحيلة"، خصوصاً بعد خسارتها معاقلها في مدينة حلب، وهذا ما يفسّر استمرار الهجوم على قرى الوادي، على الرغم من كل المحاولات التي بُذلت لاحتواء الموقف خشية أن يفضي إلى "تفجير" اتفاق وقف النار، وهو ما سيؤدي إلى تبعات كارثية على المشهد السوري برمته.
وكانت قوات النظام ومليشيات موالية فضلاً عن حزب الله قد بدأت في الواحد والعشرين من الشهر الماضي حملة عسكرية واسعة النطاق أدت إلى مقتل وإصابة المئات من المدنيين، وتهجير عدة آلاف، وغايتها السيطرة على عشر قرى تسيطر عليها المعارضة في وادي بردى منذ عام 2012، وهي: بسّيمة، وعين الخضراء، وعين الفيجة، ودير مقرن، وكفير الزيت، ودير قانون، والحسينية، وكفر العواميد، وبرهليا، وسوق وادي بردى، وتتوزع هذه القرى على ضفتي نهر بردى الذي ينبع من منطقة الزبداني.
وتعرضت منشأة ومبنى نبع الفيجة في 25 من الشهر الماضي لقصف بالبراميل المتفجرة من مروحيات النظام، وهو ما أدى، وفق مصادر المعارضة، إلى خروج المنشأة عن الخدمة، وتسرّب كميات كبيرة قُدرت بـ"الثلث" من مياه النبع، وغورها في الأرض، وهو ما هدد المصدر المائي المغذي للملايين في العاصمة دمشق.
وتتعرض قرى الوادي منذ بدء الحملة لحملات قصف مستمرة بمختلف أنواع الأسلحة، بما فيها الصواريخ الفراغية والموجّهة، والبراميل المتفجرة، وهو ما أدى إلى تدمير واسع النطاق طاول كل القرى، خصوصاً بسّيمة، وعين الفيجة.
وأكدت مصادر في المعارضة أن الفرقة الرابعة التابعة لـ"الحرس الجمهوري" ويقودها فعلياً ماهر الأسد شقيق رئيس النظام بشار الأسد "تشكّل رأس حربة" في الحملة العسكرية على منطقة الوادي. وتُعد هذه الفرقة من أشرس فرق قوات النظام، وارتكبت العديد من المجازر في دمشق وريفها خلال سنوات الثورة، وتقع منطقة الوادي إلى الشمال من مقراتها الرئيسية شمال وشمال غربي العاصمة دمشق.

مفاوضات أستانة مهددة
في غضون ذلك، لم تخرج المباحثات "التشاورية" في أنقرة بين قادة فصائل وشخصيات معارضة سورية ومسؤولين أتراك بنتائج واضحة، لجهة المشاركة في مؤتمر أستانة المرتقب، إذ يلعب خرق اتفاق وقف إطلاق النار في وادي بردى دوراً محورياً في تردد المعارضة حيال حسم قرارها بالمشاركة، وتشكيل وفدها المفاوض.
ومن المتوقع أن تلقي الأحداث المتسارعة في منطقة وادي بردى بظلالها على المساعي التركية الروسية، من أجل جمع المعارضة والنظام على طاولة تفاوض جديدة في العاصمة الكازاخية أستانة في الثالث والعشرين من الشهر الحالي، من أجل تثبيت وقف إطلاق النار، في خطوة تسبق مفاوضات للتوصل إلى تسوية سياسية.
وأشار مصدر رفيع المستوى في الهيئة العليا للمفاوضات إلى أن خرق اتفاق وقف إطلاق النار في وادي بردى دليل على عدم جدية الروس في مساعي الوصول إلى تسوية وفق قرارات الشرعية الدولية، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "الأيام المقبلة صعبة"، موضحاً أن "الجميع تخلوا عن السوريين وبدأوا يبحثون عن مصالحهم"، وفق المصدر.
وفي سياق مساعي موسكو لترسيخ وجودها في سورية، نقلت وكالة أنباء "إنترفاكس" الروسية أمس عن مصدر لم تسمه أن موسكو تنوي تطوير وتوسيع قواعدها البحرية والجوية في سورية. وقال المصدر للوكالة إن روسيا ستبدأ بإصلاح مدرج ثانٍ في قاعدة حميميم الجوية قرب مدينة اللاذقية، في حين سيتم تطوير قاعدة طرطوس البحرية لتتمكن من استقبال سفن أكبر مثل الطرادات. وقال المصدر إن روسيا ستنشر أنظمة صواريخ دفاعية أرض-جو من طراز "إس-300" فضلاً عن قاذفات صواريخ "باستيون" في طرطوس.