100 يوم من حصار قطر: نجاح الدوحة بإدارة الأزمة يربك محور التصعيد

12 سبتمبر 2017
نجحت الدوحة في تطويق تداعيات الحصار الاقتصادية (Getty)
+ الخط -
دخل الحصار على قطر، أمس الاثنين، يومه المائة، وسط تمسك دول الحصار في التصعيد ضد الدوحة، وإحباط جميع مساعي احتواء الأزمة المفتعلة، بما في ذلك الجهود المتعددة التي يقودها أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، والمحاولة الأخيرة التي أجراها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قبل أيام، والتي تجاوب معها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قبل أن تطيح بها السعودية عبر المسارعة إلى سحب موافقتها على مباشرة حوار ثنائي مع دولة قطر لحل الخلافات، مؤكدة أنها ماضية في "الإجراءات" ضد قطر، في انعكاس للرغبة في إدامة الأزمة على الرغم من الفشل الذي منيت به دول الحصار طوال الفترة الماضية.

ولم تتردد دول الحصار في استخدام جميع الأدوات السياسيّة والإعلاميّة والإلكترونيّة وحتى الفنية المتاحة أمامها مدفوعة برغبتها في إنجاح حملتها، بشكل سريع، ضد قطر، بما في ذلك لجوؤها إلى الفبركة والتزوير لتحقيق هذا الهدف. 

 


نجاح قطر في إدارة الأزمة

في المقابل، كانت قطر، التي أدركت منذ اللحظة الأولى لإعلان السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع العلاقات معها في 5 يونيو/ حزيران المنصرم بعد أيام من اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية ونشر تصريحات مفبركة لأمير قطر، أن الأزمة مفتعلة ضدها ولا يوجد ما يبررها، ولذلك اختارت نهجاً ثابتاً في التعاطي مع التطورات يقوم على عدد من المرتكزات بعيداً عن أي انجرار إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة تحت وطأة ضغط الأزمة.

دبلوماسياً، أعلنت قطر، مراراً طوال الفترة الماضية، تمسكها بثوابتها لجهة استعدادها لبحث أي خلافات على طاولة الحوار مقابل رفض أي محاولة لفرض إملاءات عليها أو المسّ باستقلالية سيادتها الوطنية وسياستها الخليجية، وهو ما أدى إلى تجاوبها مع مختلف الجهود التي طرحت لتفكيك الأزمة، من بينها تحرك ترامب الأخير، مقابل رفضها أي محاولة لفرض تبعية عليها بما في ذلك رفضها لقائمة الإملاءات الـ13.

وبالتزامن مع ذلك، كثّفت قطر من تحركاتها الدبلوماسية لكسر الحصار من جهة، ودحض ادعاءات دول الحصار ضد الدوحة، تحديداً في ما يتعلق بمزاعم دعم الإرهاب.

وقاد وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الجزء الأكبر من هذه الجهود، إن من خلال عرض الموقف القطري أمام المسؤولين الدوليين الذين زاروا الدوحة، أو من خلال سلسلة الزيارات المكوكية التي قام بها في عدد من أبرز العواصم الغربية، بما في ذلك مشاركته، أمس الاثنين، في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، والتي أكد فيها على أن إجراءات دول الحصار، ومنها إغلاق المنافذ البرية مع قطر، كانت انتهاكا واضحاً للقوانين الدولية.

واستفادت قطر، خلال إدارتها للأزمة، من اصطدام مساعي دول الحصار في التحريض ضدها في المحافل الدولية بمواقف دولية وإقليمية وعربية عدة رافضة للأزمة المفتعلة والإجراءات التي اتخذتها دول الحصار بوصفها غير مبررة وغير منطقية. وفي السياق، كانت الأزمة كاشفة لاستراتيجية تحريض غير مسبوقة معتمدة من قبل دول الحصار، تحديداً من الإمارات، قائمة على استخدام أبوظبي لشبكة علاقات واسعة في العاصمة الأميركية، وفي دوائر السياسة والإعلام ومراكز التحليل.

وقد أظهرت مضامين البريد الإلكتروني المسرب للسفير الإماراتي لدى واشنطن منذ عام 2008، يوسف العتيبة، جزءاً من استراتيجية التحريض التي قادها العتيبة الذي كان بمثابة "اليد اليمنى" لولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، ومسؤول الشؤون الخارجية في مكتبه، وكيف يحرك اللوبي الأميركي، فيما حاولت دول الحصار نقل هذه الاستراتيجية إلى بريطانيا ودول أخرى، من دون أن تحقق نجاحات تذكر.

ولم تكتف الدوحة بالتحركات الدبلوماسية لإدراكها أن التصدي للحملة ضدها يتطلب تكاملاً بين الجهود السياسية والقانونية وحتى الاقتصادية. وفيما كانت المؤسسات الحقوقية القطرية تتحرك لدى مختلف المنظمات الحقوقية الدولية لعرض تداعيات الحصار على المواطنين القطريين والمقيمين التي تم رصدها تباعاً، كانت السلطات تعمل، ضمن خطة منسقة، على كسر الحصار الاقتصادي واحتواء تداعياته، مستفيدة من عدد من الأوراق الاقتصادية التي تملكها، بما في ذلك ميناء حمد الدولي الذي تم افتتاحه رسمياً قبل أيام وأسطولها العملاق في النقل الجوي.

 

فشل دول الحصار

في مقابل ذلك، تعرضت تحركات دول الحصار إلى الفشل من دون أن يمنعها ذلك من الاستمرار في تصعيد الأزمة بأشكال عدة. وعقدت دول الحصار على مدى الفترة الماضية اجتماعات عدة وخرجت ببيانات ومطالب وقوائم إرهاب، في محاولة للضغط على الدوحة وترهيبها، من دون أن تتمكن من تمرير أي من خططها.

ولم تكتف دول الحصار بالضغط السياسي والاقتصادي على الدوحة أو على الدول التي تمتلك علاقات مع قطر، بل لجأت إلى إشهار ورقة تسييس الحج عبر حرمان القطريين من أداء المناسك ومن ثم محاولة السعودية التلويح بـ"وجود بدائل"، وهمية في الحقيقة، في قطر، وهو ما ترجم بإبراز عبد الله بن علي، ومحاولة الترويج له عبر الأذرع الإلكترونية أو عبر التلويح بما يسمى "مؤتمر المعارضة القطرية" المقرّر تنظيمه في 14 سبتمبر/ أيلول الحالي في لندن، من دون أن تثمر مساعي الرياض عن أي نجاح نظراً لإدراكها قبل غيرها أن  الأشخاص المغمورين الذين تحاول الترويج لهم لا يملكون أي حيثية شعبية داخل قطر، الأمر الذي ظهر بوضوح من خلال مواقف شعبية صريحة تنتقدهم وترفض أي محاولة تواطؤ مع دول الحصار.

وإن كانت الحملات السياسية أبرز الأدوات التي استخدمتها دول الحصار ضد قطر، إلا أنها لم تكن الوحيدة. فقد كان من أحدث علامات إفلاس دول الحصار اللجوء قبل أيام إلى عدد من الفنانين الخليجيين للتحريض ضدّ دولة قطر عبر أغنية "علّم قطر"، التي كتب كلماتها  المستشار في الديوان الملكي، الكاتب السعودي تركي آل الشيخ، وأصدرتها قناة "روتانا" السعوديّة، وهاجمت فيها مجموعة من الفنانين السعوديين دولة قطر.

وفي دلالة إضافية على مدى الغضب من فشل استراتيجيتها في حصار قطر، انتقلت دول الحصار، التي سبق أن أصدرت قرارات تعتبر فيها أن مجرد التعاطف مع قطر على مواقع التواصل الاجتماعي يمثل جريمة يعاقب عليها، إلى حد ترهيب من اختاروا رفض المشاركة في الحملة ضد قطر، بعد إلقاء القبض على الدعاة سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري، وذلك بعد يومين من إعلان المغرد السعودي مجتهد عن اعتقال الأمير السعودي عبدالعزيز بن فهد ووضعه تحت الإقامة الجبريّة، مشيراً إلى أن "خطة (ولي العهد السعودي) محمد بن سلمان أن لا تساهل مع المعارضين في الأسرة، والجميع إلى السجون ولا حصانة لأحد حتى لو كان المعارض ممن تبقى من أبناء عبدالعزيز".

المساهمون