عقلاء السويداء يتصدون للفتنة ولمشروع روسيا والنظام تغيير ديمغرافيتها

22 اغسطس 2018
يحاول النظام إيجاد مبرر لإدخال قواته للمحافظة(أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -
تعيش محافظة السويداء، ذات الغالبية من الموحدين الدروز، أجواء توتر طائفي يغذيها النظام السوري منذ مجزرة 25 يوليو/ تموز الماضي على يد تنظيم "داعش"، وتُترجم بأعمال انتقامية بحق عشائر وبدو قرى ريف السويداء من العرب السنّة، وقد تطورت حدّتها ليبرر النظام وروسيا من خلالها مشروع تغيير ديمغرافي، يروّجان له بين أوساط فعاليات السويداء التي رفضت غالبيتها حتى الآن أي تغيير طائفي في تلك المنطقة من جبل حوران، على قاعدة أن مسلحي "داعش" لا يمثّلون لا عشائر البادية ولا أهلها، بل إن عدداً كبيراً من مجرمي التنظيم نقلهم النظام من مناطق في دمشق إلى البادية عقب حرب اليرموك والحجر الأسود وببلا في شهر مايو/ أيار الماضي.

وبعد مضي أقل من شهر على المجزرة التي ارتكبها "داعش" بحق المدنيين في عدد من القرى المحاذية للبادية الشرقية للسويداء، التي راح ضحيتها نحو 250 قتيلاً ومئات الجرحى، وخطف نحو 30 مدنياً جلهم من الأطفال والنساء، تستمر الحوادث الأمنية الانتقامية في المنطقة ويكبر حجمها، وسط غياب قد يكون مقصوداً من قوات النظام والمليشيات الموالية لها. ومنذ المجزرة، يروّج الموالون للنظام أن الجريمة ارتُكبت بمساعدة البدو المنتشرين على قرى الأطراف الشرقية للمحافظة السورية الجنوبية، وهم بسبب التجاور الجغرافي كانت بينهم وبين القرى الدرزية علاقات توتر متقطعة كان يغذيها النظام مثلما حصل عام 2000، حين تدخّل النظام لصالح البدو وقتل وجرح العشرات من الشبان الذين ينتمون للطائفة الدرزية.

ويسود في بعض أوساط السويداء حكم مسبق يغذيه النظام بأبواقه الإعلامية، مفاده أن "داعش من البدو، والبدو من داعش"، وهي بروباغندا معروف أنها كاذبة تماماً، ذلك أن مقاتلي "داعش" في بادية السويداء، وعددهم يناهز الألفين، معظمهم ليسوا من بدو المنطقة، وقد تم استقدام 1200 منهم من الحجر الأسود واليرموك بعد معركة جنوب دمشق (مايو/ أيار الماضي) ثم نقل النظام نحو ألف مسلح منهم من منطقة حوض اليرموك في يوليو/ تموز الماضي. أكثر من ذلك، معروف أنه قبل عام 2017،لم يكن هناك أي وجود لـ"داعش" في بادية السويداء، لأن المعارضة المسلحة كانت تسيطر على المنطقة قبل أن يسحقها النظام ليحلّ "داعش" مكانها.

وقالت مصادر محلية من السويداء، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "صدمة المجزرة، خصوصاً أن السويداء حيّدت نفسها بشكل كبير طوال السنوات السبع الماضية، جعلتها تغلي كالبركان، إذ أصبح هناك توجه كبير للتسلح بين الشباب الدروز جراء طغيان الشعور بفقدان الأمن، والخذلان من النظام". وأضافت أنه "مع غياب النظام ومؤسسات الدولة عن متابعة خلفية المجزرة وأدواتها، تصدّت فصائل مسلحة للأمر، فراحت تنشر الحواجز والدوريات وتعتقل المشتبه بهم وتحقق معهم، وحتى إنها نشرت بعض الفيديوهات تتضمن اعترافات، لكن عدم وضوح الجهة وآلية التحقيق وانتزاع تلك الاعترافات، وتركّز الاعتقالات بين صفوف البدو وشمولها النساء، أدى إلى توتر في العلاقة بين عشائر البدو والدروز، وخرجت مناشدات لضبط هذه التصرفات وعدم أخذ البدو جميعاً بتهمة التعامل مع داعش".


وحاولت روسيا استغلال الحادثة بإجراء عملية تغيير ديمغرافي في المنطقة، فأرسلت مندوباً من قاعدة حميميم التقى بـ"مشايخ الكرامة" الذين كان يتزعمهم الشيخ الراحل وحيد البلعوس، وعرض المندوب عليهم أن يتم تهجير كل البدو من محافظة السويداء وتوطينهم في محافظة درعا. إلا أن العرض الروسي قوبل بالرفض من قبل المرجعيات الدرزية، التي قالت بوضوح للمندوب الروسي إن البدو هم جزء من المكوّن السكاني للمحافظة، وإن تعامل بعض البدو مع تنظيم "داعش"، إن حصل، فهو لا يعني تعميم هذا الأمر على كل البدو.

وعلم "العربي الجديد" أن لقاءات عدة حصلت بين عدد من مشايخ عشائر البدو ومشايخ عقل طائفة الموحدين الدروز، لبحث سبل وأد الفتنة، بعدما ازداد الاحتقان في الشارع، ما هدد بحدوث اقتتال طائفي قد لا ينحصر في السويداء، بما أن السوريين الدروز منتشرون في عدد من المناطق السورية، من إدلب إلى دمشق وأريافها.

مصادر إعلامية محلية من البدو، تحدثت عن أن رد فعل الدروز على المجزرة تُرجم بخطف نساء ورجال ونهب مواشٍ وحرق بيوت عشائر أهل الجبل، منهم من المساعيد والشرفات والعظامات والشنابله والحسن وغيرهم، بذريعة تعاون البدو مع "داعش".
ووجّهت عشائر أهل الجبل في الأردن مناشدة "للمرجعيات الدرزية والعقلاء من الدروز والقيادات العشائرية الدرزية والمثقفين" لوضع حد لتلك الممارسات. كما ناشدت أجهزة النظام التي بقيت عاملة في المحافظة بأن تتدخل وتتولّى التحقيق في ذلك الأمر، والعمل من كل الجهات على إطلاق سراح كل من لم يكن له شأن بالذي حصل.

من جهته، أرسل قائد "جيش العشائر"، راكان الخضير، المدعوم من الأردن وعشائر البدو فيها، تسجيلاً صوتياً إلى العديد من الناشطين في السويداء، وطلب نشره وإيصاله إلى جميع الفاعلين في المحافظة، حصل "العربي الجديد" عليه، وقد جاء فيه: "أريد أن أوجه نداء إلى شرفاء الجبل، إن ما يحدث من فتنة بين أبناء البدو وأبناء الدروز لا يخدم مصلحة الطرفين"، مضيفاً: "لقد عشنا طوال السنوات الماضية ولم يكن بيننا أي مشكلة، لكن الوضع يتأزم وبقينا على تواصل مع شرفاء الجبل لوأد الفتنة، لكن للأسف هي تكبر، ونحن صبرنا ينفد". وتابع: "نحن جيران وأهل ولا يجوز هدّ البيوت واعتقال النساء، ونحن لا ننكر أن هناك أشخاصاً سيئين بيننا كما لديكم سيئين، والعمل أصبح يتجه نحو التهجير والتغيير الديمغرافي للمنطقة، وهذا لا يخدمنا، فنحن جيران وأهل، بل أكثر من أهل". وذكّر الخضير في تسجيله الصوتي أن عشائر الجبل كانوا أول من حارب "داعش"، و"لدينا 250 شهيداً على يد داعش، ونحن وأنتم يداً بيد لمحاربة داعش لكن ليس بهذه الطريقة، وليس كل البدو دواعش".

وتحدث عدد من الناشطين الاجتماعيين والسياسيين من السويداء، لـ"العربي الجديد"، عن "وجود توجّه عام لإدانة أي اعتداء على البدو والتمسك بالعيش المشترك والسلم الأهالي"، موضحين أن "سبب هذا التوتر هو تغييب النظام للمؤسسات المعنية بحفظ أمن المحافظة وكشف المتورطين بالمجزرة، ما أجبر بعض الفصائل لأخذ الأمر على عاتقها، في حين يوجد طرف ثالث يستغل الأمر لإشعال المحافظة". وأعرب هؤلاء عن اعتقادهم بأن "المحافظة لن تهدأ طالما أن ملف المخطوفين لم يجد طريقه للحل، في ظل تهرب روسيا من الملف، ربما بهدف تفجير المحافظة في محاولة لترتيبها من جديد بحسب مقتضيات المصلحة الدولية".

وأشار المتحدثون إلى العديد من السيناريوهات، منها "الرغبة بتفجير اقتتال داخلي مع البدو، ليكون هناك مبرر لدخول جيش النظام وفرض سيطرته على المحافظة، كما فعل في عام 2000، وبالتالي تجنيد شباب المحافظة ضمن قواته لزجّهم في معاركه في الشمال، وآخر تحدث عن عسكرة السويداء لقتال البدو وترحيلهم من المنطقة، لأن ليس لديهم ولاء واضح للنظام، ومنهم من ذهب إلى اعتبار أن هناك مؤامرة على الدروز للضغط عليهم وتهجيرهم إلى الحدود مع الجولان السوري المحتل".