رئاسيات بولندا: ولاية ثانية مرجحة لدودا

08 يونيو 2020
يحاول دودا الاستفادة من مشاريع الاستثمارات الاقتصادية (Getty)
+ الخط -
تحوّلت الانتخابات الرئاسية المقررة في بولندا في دورتها الأولى في 28 يونيو/ حزيران الحالي إلى مادة تجاذب كبير بين الرئيس الحالي، المرشح الأقوى، القومي اليميني المحافظ أندريه دودا، وخصومه الذين أخذوا عليه محاولته الاستفادة من تفشي وباء كورونا، للفوز بالرئاسيات لولاية ثانية، ولفرض شروطه السياسية، وخصوصاً في ما يتعلق بالعلاقة مع الأميركيين، واحتمال نشر المزيد من القوات الأميركية في وارسو. ولم يكن العام الحالي مريحاً لخصوم دودا، فعلى الرغم من محاولاتهم للاقتراب منه، إلا أنهم وقعوا في سلسلة أخطاء، لعلّ أبرزها انسحاب مرشحة المعارضة الرئيسية، مالغوجاتا كيداوا بلونسكا من الانتخابات التي كانت مقررة سابقاً في 10 مايو/ أيار الماضي، بحجة كورونا. ضرب الانسحاب عملياً في شهر إبريل/ نيسان الماضي فرص المعارضة في مواجهة دودا، إذ اضطر الائتلاف المدني إلى ترشيح عمدة وارسو، رافال ترزاسكوفسكي، قبل تعيين موعد جديد للانتخابات. حاول المرشح الجديد اللحاق بدودا، مع تكثيف حضوره في مختلف المدن الرئيسية، وآخرها في كراكوفيا، لكن مختلف استطلاعات الرأي، ومنها مركز "بولستر"، تمنح دودا تقدماً مريحاً في الجولة الأولى، بل تراوح أرقامه بين 40 و42 في المائة من نيات التصويت، في المقابل ينال ترزاسكوفسكي نحو 28 في المائة، حداً أقصى. مع ذلك، فإن الفوز في الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى يقتضي تجاوز عتبة الـ50 في المائة، وإلا تُفرض جولة ثانية في 12 يوليو/ تموز المقبل.

عملياً، كُشف عن "خطة دودا" في ستالوفا فولا، حسبما كشف الكاتب في صحيفة "لوموند" الفرنسية، رومان سو، وهي عبارة عن إعادة تجميع للمبادرات الحكومية بشكل فعّال، وتعهّد بتقديم "مليون وظيفة جديدة" بفضل الاستثمارات في أربعة مجالات: المشاريع الاستراتيجية، والبنى التحتية المحلية، والصحة، والبيئة، بما في ذلك تحسين جودة الهواء وإنشاء خزانات المياه، بعد الجفاف الذي ضرب البلاد. ورافق عملية التمهيد لهذه الخطة، خطوة رئيس الوزراء ماتيوش مورافيكي، الموالي للرئيس، الذي طلب الثقة من البرلمان لحكومته يوم الخميس الماضي، وبعد أن حصل عليها، ألقى خطاباً حيّا فيه دودا ووصفه بأنه "مصدر إلهام" للمشاريع الاستثمارية الكبرى مثل بناء مطار مركزي كبير، يبعد نحو 40 كيلومتراً جنوبي غرب العاصمة، وإنشاء قناة في نهر فيستولا.
وأعاد رئيس الحكومة التذكير بخطر "شلل المؤسسات" الذي قد ينجم عن الخلاف بين هيئات صنع القرار في محاربة كورونا، داعياً إلى وحدة القرار في مواجهة الوباء. ثم اتهم ترزاسكوفسكي بـ"العمل ضد العائلات"، في إشارة إلى اعتماد مجلس مدينة وارسو في عام 2019 ميثاقاً لتعزيز التربية الجنسية ومكافحة رهاب المثلية. وللعمل على تمتين المحافظين واليمينيين خلف دودا، خرج رئيس نقابة "التضامن" في مدينة غدانسك الساحلية، بيوتر دودا (لا تربطه علاقة بالرئيس)، لاتهام ترزاسكوفسكي بـ"الترويج لفكر المثليين"، معتبراً أنه "إذا فاز مرشح غير أندريه دودا في الانتخابات، فلن يتمكن من فعل أي شيء في غياب الأغلبية البرلمانية"، على اعتبار أن حزب الرئيس، "العدالة والقانون" القومي، يهيمن على البرلمان والحكومة. وأضاف النقابي دودا أنه "خلال فترة ولايته، أظهر أندريه دودا أنه يفي بوعوده بخفض سنّ التقاعد ورفع الحد الأدنى للأجور".

مع العلم أن الرئيس وعد بمنح "قسيمة عطلة" بقيمة 500 زلوتي (127 دولار) لكل طفل بسبب كورونا، في استنساخ لبرنامج الإعانات العائلية "+ 500" الذي نفّذه الحزب في عام 2016. وعلى الرغم من أن النظام البرلماني البولندي يكرّس قوة رئيس الوزراء، إلا أن لرئيس الجمهورية الحق بالمبادرة وعرقلة قوانين. وكان دودا قد اكتسب دعماً من فئات عدة، خصوصاً الشباب، بعد تأديته أغنية "راب" من أجل مساندة أفراد الطواقم الطبية البولندية ودعمهم، لمواجهة فيروس كورونا.

أما الهدف الأبرز لدودا وحزبه، فهو استقطاب المزيد من الجنود الأميركيين إلى وارسو، بعد إعلان مورافيكي، مطلع الشهر الحالي، أن وارسو تأمل استضافة جزء من الجنود الأميركيين المتمركزين حالياً في ألمانيا، الذين يسعى الرئيس دونالد ترامب إلى تقليص وجودهم بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال". وقال مورافيكي لقناة "أر أم أف" الخاصة: "آمل حقاً أنه بنتيجة المحادثات الكثيرة التي أجريناها، وبعدما أظهرنا تضامننا كشركاء في حلف شمال الأطلسي، سينتقل إلى بولندا عدد من العسكريين المتمركزين حالياً في ألمانيا، الذين ستسحبهم الولايات المتحدة" (أكثر من 9 آلاف جندي). وبما يوحي بخشية بولندية من روسيا، وقبلها الاتحاد السوفييتي، أضاف مورافيكي أن "الخطر الحقيقي يكمن عند الحدود الشرقية، كذلك إن نقل القوات الأميركية إلى الجبهة الشرقية (لحلف شمال الأطلسي) من شأنه تعزيز أمن أوروبا بمجملها" (من روسيا). مع العلم أنه خلال السنة الماضية، زاد ترامب عديد قواته الموجودة في بولندا، في إطار عمليات المداورة إلى 5500 عنصر. وتعتبر وارسو منذ زمن بعيد الولايات المتحدة الضامن الرئيسي لأمنها في حلف شمال الأطلسي. مع العلم أن المباحثات البولندية مع ترامب في العامين الماضيين، تمحورت حول إنشاء قاعدة عسكرية أميركية، يُطلق عليها اسم "فورت ترامب". وتكمن الخشية البولندية من جيب كالينينغراد الروسي، الواقع على حدودها الشرقية، بعد كشف تقارير في العامين الماضيين عن تحديث روسيا مخبأً لتخزين الأسلحة النووية هناك، فضلاً عن نشر اتحاد العلماء الأميركيين، صور أقمار اصطناعية أظهرت وجود منشأة تخزين عميقة، مغطاة بسقف خرساني جديد في منطقة بساحل بحر البلطيق بين بولندا وليتوانيا. وقال في حينه، مدير مشروع المعلومات النووية في منظمة اتحاد العلماء الأميركيين هانز كريستنسن: "يحمل الموقع جميع بصمات مواقع تخزين الأسلحة النووية الروسية النموذجية".

(العربي الجديد)

دلالات