ما وراء تكامل الجهود المصرية الإسرائيلية لإنجاز التهدئة مع "حماس"؟

25 أكتوبر 2018
وقف حراك العودة مقابل الخدمات الرئيسية بغزة(عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -


على الرغم من الزيارات المكثفة التي يقوم بها كبار قادة جهاز الاستخبارات العامة المصرية لقطاع غزة بهدف دفع الجهود الرامية للتوافق على مسار تهدئة بين حركة "حماس" وإسرائيل قدماً، إلا أن كل المؤشرات تدلل على أن تل أبيب باتت تضطلع بالدور الرئيس في محاولة تذليل العقبات التي تحول دون إنجاز هذا الهدف.

وتبين بشكل واضح أن إسرائيل ونظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يحرصان حالياً على نسق تكاملي من الجهود الهادفة لإنجاز مسار التهدئة، تتصدى فيه تل أبيب للمهمة الأكثر صعوبة. ويبدو بشكل واضح أن الوفد الأمني المصري، الذي يقوده مسؤول الملف الفلسطيني في الجهاز، أحمد عبد الخالق، الذي بدأ زيارة جديدة إلى القطاع، هي الثالثة له في غضون أيام، يركز خلال لقاءاته مع قيادات "حماس"، بينها رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، في غزة على دفع الحركة نحو التوافق مع الشروط التي يضعها رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، لإنجاز المصالحة، وذلك لسحب الذرائع منه، وتقليص قدرته على فرض المزيد من العقوبات على غزة رداً على مسار التهدئة. وعلى الرغم من إدراكها أنه يكاد بكون من المستحيل جسر الهوة بين مواقف حركتي "فتح" و"حماس" من المصالحة، إلا أن القاهرة تسعى إلى دفع "حماس" لتقديم تنازلات تسهم في نزع الشرعية عن أية عقوبات يمكن أن يقدم عليها عباس ضد غزة.

وفي المقابل، فإن تل أبيب لم تعد واثقة بقدرة الجانب المصري على إقناع عباس بعدم اتخاذ خطوات عقابية ضد القطاع تُفشل أي مسار تهدئة يمكن التوافق عليه بين إسرائيل والحركة، وهو ما دفعها للتحرك بشكل مباشر في محاولة لثنيه عن القيام بذلك. وتعي تل أبيب أن مدير الاستخبارات العامة المصرية، عباس كامل، قد ألغى الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها لإسرائيل ورام الله وغزة لأن قيادة السلطة أوضحت بشكل لا يقبل التأويل أن محاولاته إقناع عباس بالعدول عن فرض إجراءات عقابية، رداً على أي مسار تهدئة بين "حماس" وإسرائيل لن يكتب لها النجاح. ولم تكتف السلطة بالتأكيد على رفض التجاوب مع المسعى المصري، بل إن عدداً من كبار مسؤوليها لم يترددوا في توجيه الانتقادات العلنية لسياسات القاهرة واتهامها بالتحيز إلى "حماس". فقد عمدت إسرائيل إلى التلويح بالعصا والجزرة من أجل محاولة إقناع عباس بعدم إحباط مسار التهدئة. فمن ناحية أرسل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مدير جهاز الاستخبارات العامة "الشاباك"، نداف أرغمان، للقاء عباس، في منزله الأسبوع الماضي، لحثه على عدم إحباط التهدئة من خلال فرض قائمة جديدة من العقوبات على القطاع.



وفي الوقت ذاته، فقد لوحت تل أبيب لعباس بالعصا، إذ حرص ديوان نتنياهو على تسريب خبر مفاده بأن إسرائيل تدرس إمكانية اقتطاع جزء من عوائد الضرائب، التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة، وتحويلها لدفع رواتب موظفي غزة وتغطية نفقات وموازنات المؤسسات الخدماتية في القطاع، وذلك عبر الأمم المتحدة، التي ستقوم بالإشراف على تنفيذ البنود الاقتصادية والمالية في أي مسار التهدئة. وعلى الرغم من أن السلطة ردت بالتهديد بوقف التعاون الأمني مع إسرائيل في حال تم اقتطاع أي مبلغ من عوائد الضرائب وتحويله للقطاع، إلا أن صناع القرار في تل أبيب يفترضون أن هذه التهديدات غير جادة، على اعتبار أن انفجار الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية لن يخدم مصالح قيادة السلطة، لأنه سيحرمها ورقتها الأهم المتمثلة في الوظيفة الأمنية. وفي إسرائيل يثقون بأن عباس يعي تماماً بأنه في حال انفجرت الأوضاع الأمنية بسبب توقف التعاون الأمني، فإنه قد يجد نفس المصير الذي انتهى إليه سلفه الراحل ياسر عرفات بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، إذ قامت إسرائيل باستهداف السلطة وأعادت احتلال المدن في الضفة بشكل مباشر وحاصرت مقر الرئاسة حتى تم التخلص من عرفات.

من ناحية ثانية، فقد عمدت إسرائيل إلى بعث رسائل غير مباشرة لحركة "حماس" تؤكد رغبتها في إنجاز مسار التهدئة، إذ عمد نتنياهو إلى تقليص قدرة وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، على تخريب الجهود الهادفة للتوصل لهذا المسار، من خلال دفع المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن لإصدار قرار يلزم ليبرمان بعدم إصدار الأوامر بوقف إمدادات الغاز والوقود وإغلاق المعابر التجارية إلا بعد الحصول على إذن المجلس. إلى جانب ذلك، فقد حرص نتنياهو وعدد كبير من وزراء "الليكود" على محاولة إقناع الرأي العام الداخلي بأن إسرائيل تتجه للتهدئة من منطلق القوة، من خلال التأكيد على أن قوة الردع في مواجهة "حماس" لا تزال قائمة، وأن الحركة عمدت إلى تقليص نشاطات حراك العودة، الجمعة الماضي، بسبب الخوف من ردة الفعل الإسرائيلية المحتملة. وما يحسن من فرص التوصل إلى تهدئة حقيقة أن مركبات مسار التهدئة المقترح حالياً باتت أكثر تواضعاً مما كان يدور الحديث بشأنه في الماضي. فمقابل التزام الجانب الفلسطيني بوقف نشاطات حراك العودة على الحدود البحرية والبرية، يتم تأمين دفع رواتب الموظفين وتأمين الموازنات التشغيلية للوزارات والمؤسسات إلى جانب فتح المعابر الحدودية وتحسين القدرة على توفير الخدمات الرئيسية، خصوصاً الكهرباء والمياه.