وأوضح المصدر أنّ مصلحتي الأمن العام والسجون كانتا قد أعدتا في البداية قائمة تقارب في عددها قائمة المشمولين بالعفو بمناسبة ذكرى عيد الشرطة وثورة يناير في 25 يناير/كانون الثاني الماضي، وتتمحور حول 2500 شخص، لكن وزارة الداخلية وجهت بزيادة عدد المشمولين بالعفو، وتخفيف مسألة مطابقة الشروط المنصوص عليها في القرار الجمهوري، بهدف زيادة العدد.
وأضاف المصدر أنّ الهدف الأول من هذا الإجراء، تخفيف وطأة التدابير التي تتخذ في السجون حالياً لمنع انتشار فيروس كورونا إلى إدارات السجون ذاتها، والتي تتبع منذ شهر ونصف الشهر إجراءات غير معتادة في ما يتعلق بتقليل الإجازات والكشف الطبي المستمر على السجناء والضباط وأفراد الشرطة، فضلاً عن منع الزيارات تماماً.
وكشف المصدر أنّ السجناء المُعفى عنهم يتوزعون على جميع السجون تقريباً، ولكن النسبة الأعلى خرجت من السجون التي ليس فيها محبوسون في قضايا عسكرية أو قضايا ذات طابع سياسي، نظراً لعدم اشتمال العفو الرئاسي الأخير أو الإفراج الشرطي على هذه النوعية من القضايا. إلى جانب عدم سريان هذا العفو بطبيعته على المحكوم عليهم في عدد من الجرائم، من بينها الجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة من الخارج والداخل، والمفرقعات والرشوة، وجنايات التزوير، والجرائم الخاصة بتعطيل المواصلات، والجنايات المنصوص عليها في قانون الأسلحة والذخائر، وجنايات المخدرات والاتجار فيها، وجنايات الكسب غير المشروع، والجرائم المنصوص عليها بقانون البناء.
وذكر المصدر أنّ هناك اتجاهاً سياسياً، أعلى من إرادة الداخلية، لعدم الإفصاح في الإعلام عن سبب الإفراج عن هذا العدد الكبير من السجناء، حتى لا يبدو النظام الحاكم في موقف الاستجابة لمطالبات ومناشدات المنظمات الحقوقية العالمية، وحتى لا يفتح الباب لضغوط أكبر للإفراج عن السجناء السياسيين والمحبوسين احتياطياً، والذين لم يتم الإفراج في ظلّ الجائحة الحالية إلا عن 15 منهم في 18 مارس/آذار الماضي. وهؤلاء هم: أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة، الناشط البارز شادي الغزالي حرب، حازم عبد العظيم أحد أعضاء حملة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الانتخابية عام 2014، الناشطة اليسارية عبير الصفتي، القيادي الناصري عبد العزيز الحسيني، فضلاً عن كريم عباس، جمال فاضل، أحمد الرسام، هلال سمير، رمضان رجب، أمير عيسى، خالد سويدة، وائل عبد الحافظ، أحمد السقا، وعمرو حسوبة، وهم من النشطاء الحزبيين غير المعروفين.
وأوضح المصدر أنّ الأمن الوطني رفض بشدة الإفراج عن قائمة مكونة من 20 من المحبوسين احتياطياً البارزين على ذمة قضايا سياسية الشهر الماضي، بينما استمرّ حبس آلاف آخرين، وفتح قضايا جديدة للعشرات منهم كما حدث أخيراً مع معتقلي قضية "خلية الأمل"، وملاحقة المزيد من النشطاء والمواطنين بسبب كتاباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
ونشرت وزارة الداخلية الأسبوع الماضي صوراً لكشوف صحية تجريها على نزلاء السجون المختلفة، ومنهم نشطاء سياسيون محبوسون احتياطياً في سجن المزرعة بطره، كدليل على إجراءات الوقاية المتبعة. وظهر في الصور الصحافي خالد داود والناشط أحمد دومة، وهما يجريان تحليل "pcr" الخاص بفيروس كورونا.
وسبق أن كشفت مصادر دبلوماسية أوروبية في القاهرة لـ"العربي الجديد"، عن إجراء بعض السفارات الغربية، خلال الأسبوع الماضي، اتصالات بالسلطات الأمنية والقضائية المصرية، للمطالبة بإخلاء سبيل السجناء المدانين والنشطاء المحبوسين احتياطياً على ذمة قضايا ذات طابع سياسي، لإنقاذهم من الأوضاع التي لا يمكن التنبؤ بمستقبلها داخل السجون. لا سيما مع استمرار اتخاذ تدابير تزيد من عزلة السجناء بمنع الزيارة عنهم، وتقليل فرص اللقاء بدفاعهم، فضلاً عن وقف خروجهم من محبسهم لحضور جلسات نظر تجديد الحبس، خصوصاً مع انتفاء مبررات الحبس الاحتياطي بشكل عام في مصر حالياً، نظراً لعدم إمكانية مغادرة البلاد وسهولة تعقب المتهمين في تدابير حظر التجول المعمول بها.
وبحسب تقرير نشرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" في 16 مارس/ آذار الماضي، بعنوان "لماذا على مصر الإفراج عن السجناء المحتجزين ظلماً الآن؟"، فإنّ "السجون المصرية تشتهر باكتظاظها وقذارتها ومخالفتها لقواعد النظافة والصحة". وفيما تضمّنت التوصيات العالمية لاحتواء الفيروس ومنع وصوله إلى السجناء، التي جمعتها منظمة "ديغنيتي"(Dignity) في ملف واحد، إلزام الدول باحترام حق السجناء في الحصول على الرعاية الصحية، توفي خمسة سجناء ومعتقلين في السجون ومقار الاحتجاز المصرية في مارس الماضي وحده، بخلاف خمسة آخرين توفوا في فبراير/شباط الماضي، إلى جانب وفاة سبعة معتقلين آخرين في يناير/كانون الثاني الماضي، نتيجة الإهمال الطبي المتعمد. بينما توفي 449 سجيناً في أماكن الاحتجاز خلال الفترة ما بين يونيو/حزيران 2014 وحتى نهاية 2018. وقد ارتفع هذا العدد ليصل إلى 917 سجيناً (في الفترة بين يونيو/حزيران 2013 وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 2019)، بزيادة مفرطة خلال عام 2019، بحسب آخر تحديث حقوقي، بينهم 677 نتيجة الإهمال الطبي، و136 نتيجة التعذيب.
وفيما تشدّد التوصيات العالمية على ضمان النظافة الصحیة المناسبة للموظفین والمحتجزين، وتوافر وإمكانیة الوصول إلى لوازم النظافة، منعت إدارات بعض السجون إدخال منظفات ومعقمات للسجناء والمعتقلين، كما حدث مع المحامي الحقوقي المعتقل محمد الباقر، وفقاً لرواية زوجته.
ومن ضمن التوصيات العالمية أيضاً النظر في استراتیجیات بدیلة للزیارات (مثل التواصل الإلكتروني، وزیادة الوقت المتاح لاستخدام الهاتف). لكن العديد من أهالي المعتقلين السياسيين لا يزالون يشكون من عدم قدرتهم على الاطمئنان على ذويهم من المعتقلين منذ قرار منع الزيارات الصادر في 10 مارس/آذار الماضي. وهو ما ينطبق على أسرة الناشط السياسي البارز علاء عبد الفتاح.
ولا تعرف على وجه التحديد أعداد السجناء في مصر، إذ لا تعلن أي من وزارتي الداخلية أو العدل أي أرقام بشأنهم، لكن منظمات حقوقية تشير إلى أن هناك نحو 60 ألف محبوس احتياطياً، ومثلهم من السجناء. وتزايدت خلال الأشهر الأخيرة المطالبات بإطلاق سراح آلاف السجناء المعرضين للخطر بسبب تفشي فيروس كورونا، كما طالبت جمعيات حقوقية بإنهاء ملف المحبوسين احتياطياً، والذي يضم مئات المخالفات للقانون المصري باستمرار حبس المئات لأكثر من المدة المقررة للجنايات التي يعاقب عليها بالإعدام والسجن المؤبد وأقصاها سنتان.
ويبلغ عدد السجون في مصر 68 سجناً، أُنشِئ 26 منها بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013. وعلاوة على هذه السجون، هناك 382 مقر احتجاز داخل أقسام ومراكز الشرطة في مختلف المحافظات، إضافةً إلى السجون السرية في المعسكرات، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن "المنظمة المصرية لحقوق الإنسان".