خفايا لقاءات السراج في باريس... والتموضع الجزائري حيال ليبيا

02 أكتوبر 2016
ارتفعت وتيرة المعارك أخيراً (فابيو بوتشياريللي/فرانس برس)
+ الخط -
رفعت فرنسا من سقف حراكها في الوضع الليبي، بعد إعلانها عن استضافتها، غداً الاثنين في باريس، لقاءً دولياً حول ليبيا، من دون تحديد الدول المشاركة فيه. ويتخذ اللقاء مساراً مفصلياً، كونه يأتي بعيد اقتحام قوات خليفة حفتر الموانئ النفطية، الشهر الماضي، في ظلّ حراك دولي عام لتوحيد رؤية المجتمع الدولي تجاه ليبيا، وسط استقطاب عنيف بين دول عدة، تمثله الأطراف المتنازعة على الأرض. في هذا السياق، زار رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، دولاً عدة الأسبوع الماضي، من بينها فرنسا، قبل المشاركة في اجتماع وزاري دولي في نيويورك، دعا إليه وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والإيطالي باولو جنتيلوني.

وقد وصف مصدر رفيع المستوى مقرّب من المجلس الرئاسي، زيارة السراج لباريس بـ"المخيبة للآمال"، لأنه لم يتلقّ من الجانب الفرنسي سوى وعود بدعم حكومته، بينما رفضت باريس الإفصاح بشكل جلي عن علاقتها بحفتر، وخصوصاً تحرّكاته العسكرية الأخيرة بالهلال النفطي.

وكشف المصدر قائلاً إن "السرّاج كان يعوّل كثيراً على زيارة باريس، رغبة منه في تليين موقف حفتر وداعميه في برلمان طبرق، لكن فرنسا صدمته بموقفها الباهت معه". وأضاف أن "السراج لم يتلقّ أي شيء من باريس، سوى حثها على ضرورة السعي للوفاق الوطني واستعدادها لدعمه".

وكشف أن "السراج تعرّض للتوبيخ من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، خلال ردّ الأخير على طلب رئيس المجلس الرئاسي تسليح الجيش الليبي"، مضيفاً أن "هولاند قال للسراج يبدو أنك لم تسمع بأن في بلدك جيشين، فأيهما تقصد؟". وتابع "كان موقف السراج ضعيفاً جداً عندما طُلب منه إحضار وزير دفاعه، المهدي البرغثي، للقاء وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لو دريان، بغية الحديث عن قضايا التعاون العسكري، فعقّب أحد المسؤولين الفرنسيين قائلاً: معلوماتنا تفيد بأن البرغثي غائب عن حكومتك بسبب انحياز قبيلته لطرف جيش حفتر". وأشار المصدر إلى أن "المستشار السياسي للسراج حاول لملمة الأمر بالقول إننا أطلقنا مبادرة للسلام لجمع كلمة الليبيين، ما حدا بالسراج إلى تكرار الإعلان عن مبادرته من باريس، وهي ذاتها التي أعلن عنها قبل أيام في نيويورك".




وبحسب المصدر، فإن "السراج حاول الضغط على باريس بضرورة توضيح موقفها حيال وجود قوات لها شرق البلاد، لكن الفرنسيين ردوا بأنهم لم يشاركوا في القتال، وأن قواتهم موجودة مع قوات دولية أخرى هناك لأعمال مخابراتية، تخصّ ملف الإرهاب الذي يهدد أمن بلادهم، وفقاً لهم". وتعكس تصريحات السراج في باريس تواضع نتائج زيارته، إذ ركّز على دعوة حفتر للانضواء تحت شرعية حكومة الوفاق ضمن حديث عن قرب إطلاقه لمبادرة المصالحة الوطنية الشاملة. وبيّن المصدر أنه "رغم سعي الولايات المتحدة للملمة شتات الخلاف الدولي حول ليبيا، إلا أن داعمي حفتر الإقليميين والدوليين بدوا أكثر تغوّلاً". ولفت إلى أن "سيطرة مسلحي حفتر على منطقة الهلال النفطي، حسّنت شروطهم التفاوضية، إذ لم تخف الإمارات التي زارها السراج نهاية الأسبوع الماضي، احتجاجها على شكل الاتفاق السياسي الأخير، مطالبة بالعودة إلى المسودة الرابعة التي تقضي بتشكيل مجلس رئاسي برئيس ونائبين فقط". وذكر بأن "أبوظبي كانت أكثر صراحة عندما طلبت من السراج أن يكون مقر قيادة الجيش شرق البلاد"، في إشارة إلى تولي حفتر قيادة مؤسسة الجيش.

وأفاد المصدر بأن "الخلاف الفرنسي الإيطالي حول ليبيا عاد من جديد، فباريس تريد استغلال انشغال واشنطن بحملات مسؤوليها الانتخابية، لتؤدي دوراً أكثر تأثيراً بحكم انتصارات حليفها حفتر العسكرية الأخيرة، بينما أعلنت إيطاليا عن إرسالها 200 جندي إلى مصراته، تحت مظلة حماية فريق طبي إيطالي، وصلوا أخيراً إلى المدينة لعلاج جرحى البنيان المرصوص، في خطوة تحمل تهديداً ضمنياً إذا فكر حفتر في التوجه غرباً".

وأشار المصدر إلى أن "طرفاً جديداً بات في قلب الأزمة، بشكل أكثر وضوحاً: الجزائر، التي أبلغت فرنسا عدم رغبتها في تقدم قوات حفتر، ومن ورائها مصر، باتجاه قاعدة الجفرة العسكرية القريبة من الحدود الشرقية للجزائر. ذلك لأن قوات موالية لحفتر تعسكر بالقرب من قاعدة الجفرة، بنية السيطرة عليها، وبالتالي استيلاد إمكانية السيطرة على حقول النفط الموجودة بحوض غدامس، أقصى غرب البلاد". وأشار المصدر إلى أن "الإعلانات المتكررة للجانب الجزائري، التي تشير إلى تكثيف تواجدها العسكري على حدودها مع ليبيا، لا سيما في منفذ غدامس الحدودي، تتضمن رسائل واضحة عن رفضها لوجود مصر من خلال قوات حفتر بالمنطقة".

وعن دور روسيا، قال: "رغم الحديث عن وقوفها خلف حفتر، إلا أنها أكثر الدول تحفظاً بشأن الموقف في ليبيا، وإن دعمت حفتر سياسياً، فإقدامها على الاستجابة لطلبه بدعمه عسكرياً، شيء مستبعد في الوقت الحالي". وختم المصدر المقرّب من المجلس الرئاسي، قائلاً: "من المؤكد أن الوضع الليبي سيبقى محل تجاذبات دولية، حتى تتحدد القيادة الأميركية الجديدة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ففوز الديمقراطيين يعني استمرار واشنطن في مساعيها لتوحيد الموقف الدولي من ليبيا، ولكن فوز الجمهوريين سيقلب الوضع ويزيد من الأزمة، بحكم ميولهم لرئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، الساعي الأول لعسكرة ليبيا".