خلافات بين دوائر السيسي حول "لجنة شباب المحبوسين"

02 نوفمبر 2016
تشكيك واسع بتنفيذ توصيات المؤتمر (عمر عبدالرحمن/الأناضول)
+ الخط -
تشهد دوائر نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلافات حول اللجنة التي أعلن تشكيلها لفحص ملفات الشباب المحبوسين احتياطياً على ذمة قضايا في ختام المؤتمر الوطني اﻷول للشباب في مصر مساء الخميس الماضي. وتستهدف كل دائرة وكل جهة تواصلت معها الرئاسة للمشاركة في اللجنة أمراً مختلفاً عن الدائرة الأخرى، ما يعكس غياب التخطيط وعشوائية اتخاذ هذا القرار بهدف مغازلة الرأي العام وتهدئة الشباب الغاضب وشغلهم عن التظاهرات المرتقبة ضد النظام في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي.

وتقول مصادر سياسية لـ"العربي الجديد"، إن هناك خلافاً مبدئياً بين الدائرة الاستخبارية-الرقابية التي يرأسها مدير مكتب السيسي، اللواء عباس كامل، وبين أعضاء في المجلس القومي لحقوق الإنسان، حول الأسماء المختارة لعضوية اللجنة التي ستتولى فحص الملفات.
ويميل أعضاء المجلس القومي إلى اختيار شخصيات من بينهم أو من المحسوبة على التيار الليبرالي أو اليساري. في المقابل تتعمد دائرة السيسي اختيار شخصيات غير عسكرية وغير استخبارية، لكنها، في الوقت ذاته، تابعة تماماً للدائرة وتأتمر بتعليماتها، وتحديداً من الشخصيات المعروفة إعلامياً بتأييدها المطلق للسيسي، على غرار عضوة المجلس القومي للمرأة، نشوى الحوفي، والعضو السابق في حركة 6 أبريل النائب الحالي، طارق الخولي، وكذلك بعض الإعلاميين من حركة "اسمعونا" المقربة بشدة لكامل، والتي تروج أنها كانت خلف قراري العفو اللذين أصدرهما السيسي، العام الماضي، عن عشرات السجناء.


كما يطالب المجلس القومي لحقوق الإنسان بضم عدد من الحقوقيين المستقلين الناشطين في مجال الدفاع عن السجناء وأصحاب الخبرة في إعداد قوائم الشباب المحبوسين بما لهم من اتصالات واسعة بالتيارات السياسية المعارضة بمختلف المحافظات. إلاّ أن دائرة السيسي تتحفظ على ذلك وترشّح بدلاً منهم مجموعة من قيادات جهاز الأمن العام وجهاز الأمن الوطني ومصلحة السجون على أن يكون لممثلي هذه الجهات الشرطية أصوات معدودة لدى اتخاذ القرارات بشأن المحبوسين، مما يساهم في تحديد خروجهم من عدمه.


في المقابل، يرى عدد من المستشارين القانونيين للحكومة، أنه لا يوجد نص يحظر صدور عفو خاص من رئيس الجمهورية عن السجين في أي مرحلة من مراحل التقاضي أو الحبس ما يسمح أن تترجم أعمال لجنة فحص الملفات إلى قرارات جمهورية بالإفراج عن أي عدد من المحبوسين سواء من هم قيد التحقيق أو المحاكمة.ويفضل بعض أعضاء المجلس القومي، وفي مقدمتهم رئيسه محمد فائق، أن تتم الاستعانة بممثلي الأجهزة الشرطية استرشادياً فقط، من دون أن يساهموا في اتخاذ القرارات، لكن هذا المقترح لا يزال محل بحث من قبل دائرة السيسي.
وتوضح المصادر نفسها، التي تحدثت إلى "العربي الجديد"، أن الرئاسة خاطبت رسمياً النائب العام لترشيح النيابة العامة ممثلين لها وقضاة آخرين لانتدابهم في اللجنة، باعتبار أن النيابة هي المصدر الأساسي لملفات القضايا التي لا تزال محل تحقيق أو أحيلت للمحاكمة ولم يفصل فيها حتى الآن.
وإلى جانب مشاكل العضوية، يظهر خلاف آخر حول طريقة العمل. وبينما يرى بعض أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان أن يتم جمع قوائم الشباب المحبوسين من المراكز الحقوقية أولاً ثم مطابقتها بالملفات التي في حوزة النيابة العامة، ترغب شخصيات نافذة حول السيسي في أن تقدم القوائم من مصلحة السجون ثم تطابق في مرحلة لاحقة بأي قوائم أعدتها جهات مستقلة، وذلك باعتبار أن الاختيار سيكون في النهاية من بين المحبوسين الذين لا تمانع مصلحة السجون أو الأمن العام في خروجهم.
كما يبرز خلاف آخر، بحسب المصادر، حول شكل قرار العفو أو الإفراج عن المحبوسين الذين سيتم اختيارهم. ويعترض النائب العام على إصدار قرار جمهوري بالعفو أو إلغاء الاتهام ضد أي محبوس على ذمة قضايا باعتبار أن هذا الأمر مسند إلى النائب العام أو وكلائه أو المحاكم فقط بموجب الدستور.

أما الرأي الثالث، والذي يعتنقه المستشار الأمني للسيسي، أحمد جمال الدين، فيتمثل في اتباع الإجراءات التي تمت سابقاً في حالات الإفراج وإخلاء سبيل المتظاهرين في قضية تظاهرات تيران وصنافير، التي اندلعت احتجاجاً على نتائج اتفاقية ترسيم الحدود بين السعودية ومصر. يومها كان السيسي قد أعلن أنه سيصدر قراراً بالعفو عن بعض السجناء، وبدلاً من ذلك صدرت قرارات قضائية من المحاكم والنيابات بالإفراج وإخلاء السبيل بإيعاز من السلطة التنفيذية.

وتشير المصادر إلى أن "التخوف الوحيد من رأي جمال الدين هو تكريس صورة تبعية القضاء للحكومة أمام الدول الغربية، وهو ما يؤدي إلى إحراج بالغ للمسؤولين المصريين خلال مناقشة الموضوعات المرتبطة بالمحاكم، وعلى رأسها قضية مقتل الطالب الإيطالي، جوليو ريجيني، بالقاهرة في فبراير/ شباط الماضي والتي لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات بين النيابة العامة المصرية ونظيرتها الإيطالية".
في غضون ذلك، تستمر أصداء المؤتمر الوطني اﻷول للشباب في مصر، الذي عقد تحت رعاية السيسي، لا سيما مع استمرار عمليات التشكيك في مخرجات هذا المؤتمر. ووفقاً لشباب أحزاب التيار الديمقراطي، فإن المؤتمر ما هو إلا محاولة لتحسين صورة النظام الحالي، وبالتالي فإن المشاركة فيه كانت مرفوضة منعاً لاستغلال وجود المعارضة إعلامياً لاستكمال ما وصفوه بـ "الديكور".
وتشكك مجموعات شبابية في تنفيذ ما جاء خلال جلسات المؤتمر، تحديداً لجهة الإفراج عن الشباب المسجون على خلفية قضايا سياسية، وهو ما أشار إليه أمين شباب حزب الكرامة، أحمد عيدراوس، في مؤتمر صحافي عقد للتعليق على مخرجات وتوصيات المؤتمر الوطني، إذ أوضح أن رفض المشاركة في مؤتمر الشباب جاء لعدم استغلال هذا اﻷمر كنوع من الديكور الذي يحاول النظام الحالي صناعته. وبحسب عيدراوس، فإن جميع التجارب مع النظام الحالي في عمل حوار حقيقي فشلت، متسائلاً: "ما الجديد هذه المرة؟". كما أشار إلى تقديم مقترحات سابقة لتعديل قانون التظاهر، فضلاً عن قائمة بأسماء المعتقلين من دون جدوى. أما بالنسبة إلى حسام مؤنس، وهو أحد شباب التيار الشعبي، فإنه لا يمكن فصل الإصلاح الاقتصادي عن الحريات، مستغرباً من إجراء حوار مع الشباب وهناك اﻵﻻف في السجون. وهو ما دفعه إلى التشكيك في توصيات مؤتمر الشباب لافتاً إلى أن السيسي قطع وعوداً عدة على نفسه بإصدار عفو رئاسي عن الشباب ولم يتحقق أي منها بل على العكس الاعتقالات تزيد. كما لم يتردد في المطالبة بضمانات لتنفيذ توصيات المؤتمر الشبابي، لكي يمكن التأسيس عليه للمشاركة في حوارات مقبلة مع السلطة.
في المقابل، لم يتأخر شباب الأحزاب المشاركين في مؤتمر شرم الشيخ، في إعلان دعمهم للتوصيات التي خرجت تحت شعار "ابدع ... انطلق". وطالب شباب اﻷحزاب، في بيان مشترك، تزامناً مع مؤتمر صحافي لمعارضي النظام، الوزراء والمسؤولين بتنفيذ قرارات وتوصيات المؤتمر وسرعة الاستجابة لها. ولفتوا إلى المتابعة عن قرب تنفيذ تلك القرارات، من دون التغاضي عن أي تقصير أو تعمد لوقف تحقيق ما وعد به السيسي شباب مصر. وأعلنوا عقد مؤتمر لعرض ومناقشة برامج وسياسات تعزز ثقافة العمل التطوعي، يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي في مقر حزب التجمع، مع دعوة وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي ووزير الشباب خالد عبدالعزيز. ووقّع على البيان أمناء مجلس شباب أحزاب المصريين الأحرار، ومستقبل وطن، وحماة الوطن، والمؤتمر، والتجمع.

في غضون ذلك، يعتبر الخبير السياسي، محمد عز، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مؤتمر الشباب محاولة من السلطة للقفز على جميع اﻷخطاء خلال الفترة الماضية، مع تصدير صورة جديدة بأن النظام الحالي يريد جديّاً إصلاح علاقته مع الشباب. ووفقاً لعز، فإن التشكيك في مخرجات وتوصيات مؤتمر الشباب طبيعي ومنطقي، لا سيما مع عدم وجود بادرة حسنة من النظام لتنفيذ وعوده السابقة، بشأن فتح صفحة جديدة مع الشباب، والإفراج عنهم من السجون، ودمجهم في مؤسسات الدولة، وغيرها من الوعود التي لم يتحقق منها شيء. وبالنسبة إليه، فإن السيسي لو كان يريد حل المشكلات الخاصة بالشباب لفعل، ولا يحتاج إلى عقد مؤتمر لتحسين الصورة، لا سيما أن المشكلات تحدث عنها السيسي من قبل ووعد بحلها، وبالتالي هو لا يحتاج إلى توصيات جديدة للتنفيذ.