المقدسيون ينتصرون على الاحتلال: فتح باب الرحمة بالقوة

23 فبراير 2019
فلسطينيون على مدخل باب الرحمة أمس (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

لم يجد المقدسيون إلا أجسادهم للوقوف بوجه قوات الاحتلال الإسرائيلي، وإعادة فتح باب الرحمة بالقوة بعد نحو 16 سنة من إغلاقه، في تكرار لانتصارهم في معركة البوابات الإلكترونية قبل نحو عامين، والتي كانت إسرائيل تهدف من خلفها إلى زيادة التضييق على أهالي القدس المحتلة. ولم تنفع محاولات الاحتلال الاستباقية، عبر اعتقال العشرات من المقدسيين، وتحويل المدينة إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، عبر نصب عشرات الحواجز، في إدخال الخوف في نفوس المقدسيين الذين أجبروا، في المقابل، قوة الاحتلال التي تسيطر على باب الرحمة على الانسحاب.

ووصف مسؤولون فلسطينيون اقتحام جموع من المصلين لباب الرحمة، المغلق منذ عام 2003، من قبل الاحتلال الإسرائيل قبيل صلاة الجمعة، أمس، بأنه عهد جديد من مواجهة الاحتلال الذي يحاول فرض أمر واقع جديد في المسجد الأقصى، محذرين من أنهم سيكررون ما قاموا به في حال أقدمت سلطات الاحتلال على إعادة إغلاق باب الرحمة ومحاولة الاحتلال والمستوطنين السيطرة على هذا المكان من المسجد الأقصى واقتطاعه لتلبية مطامع المستوطنين في إقامة كنيس لهم هناك.

ويعكس فتح مئات المصلين، الذين استطاعوا الوصول إلى القدس المحتلة والمسجد الأقصى، رغم القبضة الأمنية التي فرضها الاحتلال على القدس منذ مساء أول من أمس، فشلاً أمنياً إسرائيلياً كبيراً، إذ لم تردع عشرات الحواجز التي نصبها الاحتلال حول المدينة، وفي الطرق المؤدية للأقصى، فضلاً عن اعتقال نحو 60 فلسطينياً، من اقتحام الفلسطينيين لباب الرحمة وفتحه قسراً، لتنسحب قوة الاحتلال التي تسيطر على الباب تاركة المكان للفلسطينيين. وكانت قد سادت منذ يوم الخميس الماضي أجواء من التوتر على خلفية  تشديد شرطة الاحتلال الإسرائيلي في القدس إغلاق باب الرحمة، وهو أحد أبواب المسجد الأقصى، بسلاسل وأقفال، وسط تحذيرات من أطماع ومخططات للاحتلال في المكان.



وفي تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، أكد رئيس مجلس الأوقاف الإسلامية في القدس الشيخ عبد العظيم سلهب، الذي تقدم صفوف الغاضبين الذين فتحوا بالقوة الباب المغلق لمبنى باب الرحمة، أن القرار بإعادة فتح الباب يلغي عملياً إجراء الاحتلال الظالم بحق المكان. وأضاف "كان قرارنا أن نعيد فتحه، وساندنا المواطنون والمرابطون من أهل بيت المقدس والداخل الفلسطيني المحتل في عام 1948، في خطوة أولى تتيح للأوقاف إعادة ترميم المبنى وصيانته وفتحه أمام المصلين". وتابع "أي خطوة حمقاء من قبل الاحتلال تعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل اليوم (أمس) سنواجهها كما واجهناه في معركة البوابات الإلكترونية قبل نحو عامين". وأعلن القيادي في حركة "فتح" وعضو الهيئة الإسلامية العليا حاتم عبد القادر، لـ"العربي الجديد"، أن "ما جرى ليس نهاية الطريق في مقاومة الاحتلال ومستوطنيه، بل هو الخطوة الأولى في كنس الاحتلال والمستوطنين منه وتطهيره من دنسهم". ووصف المشهد بأنه "انتصار للمقدسيين المرابطين في أقصاهم والمدافعين عنه نيابة عن الأمتين العربية والإسلامية". وأضاف "كنا وما زلنا نقول إن المسجد الأقصى، بجميع مبانيه وأروقته وساحاته وقبابه، ملك للمسلمين وحدهم لا يشاركهم فيه أحد". وتوقع عبد القادر المزيد من مواقف الصمود والرباط والمواجهة مع الاحتلال الذي لن يعجبه ما حدث، وكان حريصاً على عدم وقوع صدام مع الجموع الغاضبة "التي أكدت أنها حية، ولن تسمح بالاندحار أمام مخططات الاحتلال الظالمة بحق الأقصى والمقدسات".

وفيما عجت ساحة باب الرحمة بالآلاف، اعتلى العشرات سطح المبنى وقبابه، وكذلك نقطة المراقبة العسكرية التي انسحب الاحتلال منها، حيث تم رفع علم فلسطين فوقها، وسط هتاف "بالروح بالدم نفديك يا أقصى". وقال مسؤول العلاقات العامة والإعلام في دائرة الأوقاف، فراس الدبس، إن "فتح باب مبنى الرحمة رسالة واضحة للاحتلال بأن إجراءاته الحمقاء بحق الأقصى لن تمر، وأن كل هذه الممارسات لن تغير من الحقيقة القائلة بأن الأقصى هو وقف إسلامي، وإن المرابطين من أهل المقدس والداخل الفلسطيني الذين توافدوا للدفاع عن مسجدهم سيوجهون الصفعات دوماً لهذا الاحتلال". في هذا الوقت، كان مدير نادي الأسير في القدس، ناصر قوس، الذي أصيب قبل يومين في اعتداء جنود الاحتلال على المرابطين في منطقة باب الرحمة، يتابع مع طاقم المحامين عملية الإفراج عن عشرات النشطاء المقدسيين الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال. ووصف قوس، لـ"العربي الجديد"، هذه الاعتقالات "بالقرارات الغبية من قبل الاحتلال"، موضحاً أن هذا الأمر لن يثني أهل القدس عن الدفاع عن مقدساتهم. وتوقع أن تتم إحالة جزء من المعتقلين إلى محاكم الاحتلال غداً الأحد، وربما تصدر بحقهم أوامر إبعاد عن الأقصى وفرض غرامات مالية.

وكان خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري قد أعلن، في خطبة صلاة الجمعة، رفض "المسلمين أي مساومة على المسجد وحقوق المسلمين فيه في أية مفاوضات قد تجري". وشدّد على أن "الأقصى لن يكون ورقة رابحة لأي طرف في الانتخابات الإسرائيلية". وطالب مواطنون بمقاومة أي إجراء يحاول الاحتلال القيام به للسيطرة مجدداً على باب الرحمة. وقال محمد الزعتري "على الأوقاف أن تقف بحزم ضد ما يجري من استهداف للأقصى. نحن لن نتردد في افتدائه بأرواحنا". في حين قالت ميسر الخطيب، من كفركنا في الداخل الفلسطيني المحتل، "كلما قمعوا زاد إصرارنا، وما حدث في باب الرحمة يمكن أن يتكرر كل يوم، ونحن لن نسمح بتدنيس أقصانا".

ولم يمنع استباق سلطات الاحتلال أحداث الجمعة عبر اعتقالها أكثر من 60 ناشطاً مقدسياً، وتحذيرها، في بيان، من اتخاذ إجراءات صارمة بحق المحتجين، من تدفق عشرات الآلاف إلى المسجد الأقصى، فيما تحولت المدينة القديمة ومحيط الأقصى إلى ما يشبه ثكنة عسكرية، بعد أن دفعت قوات الاحتلال بأعداد كبيرة من جنودها إلى المدينة. وأوضح محافظ القدس عدنان غيث، لـ"العربي الجديد"، أن كل إجراءات الاحتلال لم تمنع المقدسيين من تسجيل انتصار جديد على الاحتلال بعد معركة البوابات الإلكترونية. وأضاف "ما حدث اليوم (أمس) رسالة واضحة للاحتلال أظهرت قوة وعزم المقدسيين في مواجهة إجراءات التهويد ومحاولات المس بالأقصى". وتوقع استمرار صمود المقدسيين بوجه كل المحاولات الإسرائيلية لتهويد المدينة.