مراقبون يبدون شكوكاً بشأن أهمية الملتقى الوطني الجامع في ليبيا

09 يناير 2019
هل صار سلامة رهينة غياب الاتفاق (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يطرح مراقبون ليبيون العديد من التساؤلات حول الملتقى الوطني الجامع وأسباب حرص البعثة على التكتم حتى هذا الوقت عن كيفية انعقاده ووقته ومكانه والمستهدفين للمشاركة فيه، وسط شكوك في قدرة الملتقى على تحقيق أهدافه.

ونشرت البعثة الأممية تنويهاً عاجلاً على صفحتها الرسمية تؤكد فيه أنها ستعلن عبر منصاتها الإعلامية عن كل ما يتعلّق بالأسئلة حول الملتقى الوطني الجامع، كالتاريخ والمكان والتفاصيل الأخرى، وكذلك الدعوات التي سترسلها إلى المشاركين، مفيدة بأنها ستتم من قبل البعثة فقط.

ويأتي التنويه رداً على أسئلة تكاثرت عن شكل ومضمون الملتقى الذي سبق أن رجّحت البعثة أنها ستنظمه خلال يناير/ كانون الثاني الجاري، بين كل الشرائح الليبية كمرحلة من مراحل خارطة الطريق الأممية التي أعلن عنها المبعوث الحالي، غسان سلامة، في العشرين من سبتمبر/ أيلول من عام 2017.

ويمثّل هذا الملتقى البند الثاني في الخطة الأممية، ومن المقرّر أن يجمع الملتقى شرائح وأطيافاً ليبية واسعة، من الأحزاب والممثلين الاجتماعيين والقبليين والسياسيين، لا سيما غير الممثلين في الأجسام السياسية الحالية، كخطوة لسدّ الفراغ الذي قد يتركه عدم توافق الأطراف السياسية الحالية على صيغة للحل السياسي، قبيل وصول ليبيا إلى مرحلة انتخابات رئاسية وبرلمانية.
ورغم مرور ما يزيد عن عشرة أيام من الشهر المزمع عقد الملتقى فيه لم تعلن البعثة حتى الآن عن أي تفاصيل حوله، رغم إعلانها عن تسلمها في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي تقريراً من مركز الحوار الإنساني، المكلف بعقد اللقاءات الوطنية التحضيرية للملتقى، يفيد بأنه عقد 77 لقاء في أكثر من 40 موقعاً في عموم أرجاء ليبيا، شارك فيها أكثر من 7 آلاف ليبي. وأكدت البعثة أن نتائج التقرير هي الأساس الذي سيُعقد عليه الملتقى.

وتأتي تساؤلات المراقبين الليبيين وسط شكوك في قدرة الملتقى على تحقيق أهدافه، في ظل استمرار أجواء الغموض والمصير المجهول للأجسام السياسية الحالية التي تُعاني فقدان الشرعية بعد تغاضي البعثة الأممية والمجتمع الدولي عن الحديث عن الاتفاق السياسي الذي أفرز هذه الأجسام، وسط صورة فوضوية رسمتها المجموعات المسلحة في كل أنحاء البلاد، ومدى قدرة البعثة على إقناع الأطراف المسلحة المتنفذة على الأرض بنتائجه.

وتقلل الناشطة السياسية الليبية، وفاء السنوسي، من أهمية الملتقى، قائلة في حديثها لـ"العربي الجديد" إن "فكرة الملتقى واضحة، ولكن لماذا تصرّ البعثة حتى مساء أمس على إخفاء موعد الانعقاد ومكانه والمستهدفين به؟"، مضيفة أن "أي إعلان مفاجئ عن شكله وفحواه بعيداً عن مشاركة الليبيين في التحضير له أمر يقلل من شأنه ومن نتائجه". كما أن تعدد المشاركين، بحسب السنوسي، من كل الشرائح الليبية، يعني زيادة حجم التباعد فيما بينهم، في وقت كان فيه المشاركون في حوار الصخيرات أقل ولم ينتج عنه إلا الفشل.

السنوسي تساءلت أيضاً حول هدف الملتقى، هل هو معالجة لأخطاء اتفاق الصخيرات أم استكمال لنتائج المؤتمرات الدولية في باليرمو وباريس أم منفصل عن كل هذا؟ وقالت "في الحالة الأخيرة يعني أننا بدأنا من الصفر وألغي كل ما مضى، وفي حالة استكمال المحادثات السابقة يعني أننا سنحتاج إلى أوقات طويلة لمعاجلة الخلل في الاتفاق السياسي ونتائج باليرمو وباريس".

أما أستاذ القانون الدولي في جامعة طرابلس، محمد الظفير، فيشير إلى أن الداخل والخارج يعلم أن حل الأزمة يبدأ بنزع سلاح المليشيات وإنهاء وجودها. وقال في حديث لـ"العربي الجديد" "ستكون نتائج الملتقى كنتائج ما سبقه، وهو الفشل المحتم ما دام السلاح هو صاحب الكلمة"، مستشهداً بفشل البعثة الأممية في فرض بند الترتيبات الأمنية المنصوص عليه في الاتفاق السياسي في طرابلس. ولفت إلى أن ما أعلنته وزارة الداخلية مؤخراً عن فشلها في تنفيذ الترتيبات ولجوئها إلى العمل المشترك مع سلطات بنغازي لتوحيد الأجهزة الأمنية يعدّ دليلاً على قناعة الوزارة بفشل الأمم المتحدة في برامجها.
الظفير ورغم تفاؤله في بداية الإعلان عن فكرة الملتقى كونه سيتيح لأول مرة حواراً ليبياً – ليبياً دون تدخل خارجي، إلا أن المستجدات الأخيرة غيرت من قناعته، وقال إن "البعثة أعلنت مساء أمس أن أمر الملتقى لها فقط دون غيرها، ولا تزال تعلن عن تحفظها على نشر تفاصيله"، لافتاً إلى أن "المشاركين المستهدفين يتلقون إهانة كبيرة، فهم لا يعرفون جدول وزمن ومكان مؤتمر سيحددون من خلاله مصير بلادهم، ويقفون في طوابير منتظرين ما ستسفر عنه كواليس المشاورات في البعثة التي لا يعرف أحد عمن يشارك فيها".

من جانبه، يرى رئيس حزب "تجمع ليبيا الوطني"، إسماعيل حمادي، أن البعثة وقعت فريسة الصراعات السياسية بدلاً من أن تكون في موقف حياد منها لمعالجتها. وقال لـ"العربي الجديد" إن "البعثة أرجأت عقد الملتقى المفترض بحسب الخارطة المعلنة أن يعقد العام الماضي، محاولة المرور إلى المرحلة الثالثة وهي الانتخابات، لكن تعقيدات الأوضاع جعلتها تعود إليه كحل لإبعاد المعرقلين لجهودها"، موضحاً أن بروز مجلس النواب كأهم المعرقلين حدا بسلامة ليعلن استياءه من مواقفه في أكثر من مناسبة، وهو ما جعله في مواجهة مجلس النواب وحلفائه الموجودين في طرابلس أيضاً.


وبمزيد من التفصيل، يضيف "منذ ثلاثة أشهر والبعثة والمعرقلون، وعلى رأسهم مجلس النواب، يظهر جلياً أنهما في صراع، فالبعثة تصر على عقد الملتقى الذي سيمثل كل الأطياف الليبية لتقول لمجلس النواب إنه لم يعد يمثل الليبيين، ومجلس النواب يسعى للإمساك بزمام الأمر من خلال محاولات إقناع العالم بأنه لا حاجة إلى الملتقى وأنه قادر على الإشراف على الانتخابات التي سيقرر آلياتها المشاركون في الملتقى". لكنه تساءل "ماذا لو فشل الملتقى في التوصل إلى توافقات، فما البديل وقتها لدى البعثة؟".