خلافات داخل الحلف الأطلسي قبل قمّته

10 يوليو 2018
اعتبر ترامب أن بلاده تتحمّل العبء الأكبر(وكيل كوهسار/فرانس برس)
+ الخط -



قبل ساعات قليلة من وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى بروكسل للمشاركة في قمة حلف شمال الأطلسي، المقررة، يومي الخميس والجمعة المقبلين، ذكّر الرئيس الأميركي الأوروبيين بواجباتهم الدفاعية الجماعية، موجّهاً سلسلة من الرسائل إلى بعض البلدان، التي اعتبر أن "جهدها في تعزيز قطاع الدفاع غير كاف". وهو ما ينذر بأن الخلافات ستطغى مرة أخرى على قمة الحلف.

"يبدو أن التاريخ يكرر نفسه"، حسبما يقول الخبير في الشؤون الدفاعية نيكولا غرو فرهايد لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أن "التصريحات المطمئنة للدبلوماسيين الأميركيين أو غيرهم من المسؤولين الأميركيين، إما جاهلة بالنوايا الحقيقية لرئيسهم أو تحاول إخفاءها، ولا تفعل شيئاً حيال ذلك. فدونالد ترامب يبدو مصمماً على تحطيم كل العقبات في طريقه لتأكيد شعار: أميركا أولاً. وكل هذا يعطي انطباعاً سيئاً للغاية قبل أيام من انطلاق قمة حلف شمال الأطلسي الذي أصبح مهتزاً، بينما يستعد للاحتفال بعيد ميلاده الـ70 في عام 2019".

وكما أفادت مصادر دبلوماسية غربية لوكالة "فرانس برس"، فقد "تلقت ما لا يقل عن ثماني دول رسالة وقعها الرئيس الأميركي نفسه، وهي ألمانيا وبلجيكا وإسبانيا ولوكسمبورغ وهولندا والبرتغال بالإضافة إلى كندا والنرويج. وهي بلدان لم تتمكن بعد من تحقيق هدف إنفاق 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع بحسب ما تم الاتفاق عليه بين أعضاء الأطلسي. بينما صدرت أوامر إلى دول أخرى بزيادة جهودها الدفاعية، مثل بريطانيا، التي تلقت رسالة من وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس".

"غالباً ما تكون الرسائل قصيرة لكن دقيقة، وتعطي لكل بلد خريطة طريق. ويتلاشى فيها أدب الخطاب في الجمل الأولى بسرعة ليتحول إلى لغة أكثر حدة"، كما يفسر غرو فيرهايد، مشيراً إلى أنه "يمكن الحصول على فكرة عن محتوى هذه الرسائل من خلال الرسالة الموجهة إلى أوسلو، والتي كشفت عنها الصحيفة اليومية النرويجية فيردانس غانغ؛ فالنرويج تمثل العينين والأذنين على الجناح الشمالي لحلف شمال الأطلسي. ولكنها تظل الحليف الوحيد للأطلسي الذي يتقاسم الحدود مع روسيا والذي يفتقر إلى خطة موثوق فيها لإنفاق 2 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي على الدفاع".

وكان ترامب يكتب في رسالته بتاريخ 19 يونيو/حزيران الماضي أن "اقتناء النرويج معدات عسكرية جيدة، بما فيها الطائرات الأميركية أف 35، هو خطوة جيدة، لكن غير كافية. سأجد صعوبة متزايدة في التبرير لمواطني الولايات المتحدة لماذا تستمر بعض الدول في عدم الوفاء بالتزاماتها المشتركة للأمن الجماعي". وفي رسالة مشابهة إلى الحكومة الكندية، نشرها موقع "آي بوليتيكس"، أكد ترامب "الإحباط المتزايد في الولايات المتحدة مع الحلفاء الرئيسيين مثل كندا الذين لم يزيدوا الإنفاق الدفاعي كما وعدوا". وخلص إلى القول إنه "في القمة يجب علينا ضمان مصداقية التحالف من خلال احترام التزاماتنا. أتوقع أن تعيد كندا تأكيد التزامها بتحقيق الأهداف".


واحتلت ألمانيا صدارة الدول التي تقلق دونالد ترامب، ليس فقط بسبب ضعف استثمارها في مجال الدفاع، ولكن أيضاً لقوة اقتصادها وكثرة صادراتها إلى الولايات المتحدة. ففي 11 يونيو/ حزيران الماضي، عبّر ترامب عن انتقادات غاضبة تجاه برلين في تغريدة على "تويتر"، جاء فيها أن "ألمانيا تدفع 1 في المائة وببطء، من ناتجها المحلي الإجمالي إلى الأطلسي، بينما ندفع 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأكبر بكثير. هل يمكن لأي أحد أن يعتبر هذا منطقياً؟ نحن نحمي أوروبا، وهو أمر جيد، بخسارة مالية كبيرة. ونواجه تنافساً في مجال التجارة بشكل غير عادل". وهدّد "التغيير آتٍ!". أما "في ما يتعلق بألمانيا، فقد تزامن هذا الضغط مع تهديد ملموس يتعلق بانسحاب بعض القوات الأميركية من ألمانيا"، وفقاً للخبير في الشؤون الدفاعية، الذي أشار إلى أن "صحيفة واشنطن بوست، حصلت على تسريبات تبرز قيام وزارة الدفاع (البنتاغون) بتحليل تكلفة وتأثير الانسحاب أو نقل القوات الأميركية المتمركزة في ألمانيا على نطاق واسع".

ولم تنج حتى الدول الحليفة، التي تمكنت من التوصل إلى تحقيق هدف 2 في المائة، من الانتقادات الأميركية. ففي رسالة توصل بها في مطلع يونيو الماضي، وزير الدفاع البريطاني، غافين ويليامسون، من وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، عبّر الأخير عن "قلقه" بشأن قدرة بريطانيا على "مواصلة تقديم القواعد العسكرية اللازمة لنجاح الدبلوماسية في حين أننا نواجه معاً عالماً يتغير".

"يمكن أن يكون ما بعد القمة أسوأ من القمة نفسها"، يقول نيكولا غرو فيرهايد، مضيفاً أنه "يخشى جميع أعضاء التحالف، بمن فيهم بعض الدبلوماسيين الأميركيين، تصريحات وتعامل دونالد ترامب، ليس فقط خلال القمة، ولكن بعد القمة. ويبدو أن الاجتماع المقرر بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 16 يوليو/تموز الحالي في هلسنكي بفنلندا هو نذير شؤم بالنسبة لأعضاء الحلف. فقمة الدول العظمى بعد قمة الدول الصغرى تبدو بنفس القدر من الأهمية".

مثل هذه القمم تبدو أقرب إلى رؤية الحوار الدولي من وجهة نظر دونالد ترامب. أي لقاءات ثنائية للنقاش والقرار. والاجتماع برئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، أبرز ذلك بشكل واضح. فهذه المبارزات يفضلها الرئيس الأميركي على الاجتماعات المتعددة الطرف لأنها تمكّن من إبراز شخصيته.

وفي حين تم الاتفاق على معظم قرارات القمة في الاجتماعات الوزارية الأخيرة لمجلس شمال الأطلسي، فإن المجهول سيظل إذاً هو سلوك الرئيس الأميركي. فبعد سحب اتفاق المناخ، وبعد سحب الاتفاق النووي الإيراني، وبعد الضرائب الجمركية على الأوروبيين والكنديين، هل يسعى رئيس الولايات المتحدة إلى المخاطرة بتعطيل صورة الوحدة التي يريد الحلفاء إرسالها إلى جمهورهم وخصومهم؟



المساهمون