الرؤية الأميركية لـ"اليوم التالي لحرب غزة" تحرر جزءاً من أموال السلطة

08 يوليو 2024
محمود عباس ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، رام الله، 30 نوفمبر 2023 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تسلمت السلطة الفلسطينية عائدات المقاصة من إسرائيل، ووافق البنك الدولي على تقديم 300 مليون دولار سنوياً لدعمها، ضمن تفاهم أميركي إسرائيلي لمنع انهيار السلطة وضمان دورها في حكم غزة بعد الحرب.
- تشهد الضفة الغربية هدوءاً نسبياً بسبب الاستهدافات الإسرائيلية واعتقالات السلطة للمقاومين، وتعمل السلطة على تنفيذ الرؤية الأميركية لليوم التالي لحرب غزة، بما في ذلك إصلاحات في التعليم والرعاية الاجتماعية.
- القيادة الفلسطينية تنفذ رؤية أميركية تتضمن عشرة بنود لدعم السلام، تشمل إعادة توحيد الضفة وغزة، نزع سلاح الجماعات المسلحة، ودعم حل الدولتين، مع التركيز على الحكم الرشيد والشفافية ومكافحة الفساد.

تسلمت السلطة الفلسطينية من إسرائيل عائدات المقاصة لثلاثة أشهر، وأقر البنك الدولي بدفع 300 مليون دولار للسلطة، بموجب تفاهم أميركي إسرائيلي، لمنع انهيار السلطة، بما يتفق مع الرؤية الأميركية لـ"اليوم التالي لحرب غزة" وتعمل عليها السلطة بصمت لضمان بقائها ولعب دور في حكم القطاع بعد الحرب. وقال مسؤول فلسطيني فضّل عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، إن هذا التفاهم ينصّ أيضاً على "موافقة أميركية على تشريع أربع من البؤر الاستيطانية من أصل خمس، أعلنت عنها إسرائيل، وتمديد العمل بالضمانات المقدمة للبنوك الإٍسرائيلية التي تتعامل مع البنوك الفلسطينية أربعة شهور".

كما قالت مصادر اشترطت عدم ذكر اسمها لـ"العربي الجديد": "أخبرنا المسؤولون الأميركيون بهذا التفاهم، وعلمنا أن الإدارة الأميركية وافقت على تشريع أربع من البؤر الاستيطانية الخمس التي أعلن عنها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، وأجبناهم بأننا لسنا جزءاً من هذا التفاهم، واستلمنا عائدات الضرائب الفلسطينية (المقاصة) المحوّلة لحسابات السلطة البنكية، لأنها أموالنا".

ترجح مصادر أمنية فلسطينية أن تشهد الضفة هدوءاً في الفترة المقبلة، أخذاً بالاعتبار الاستهدافات الإسرائيلية

ما علاقة أموال السلطة بـ"اليوم التالي لحرب غزة"؟

وأعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، الأربعاء الماضي، أن وزارة المالية الإسرائيلية حوّلت للسلطة الفلسطينية من أموال المقاصة المحتجزة (عائدات الضرائب التي تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة) 435 مليون شيقل (نحو 120 مليون دولار) من مقاصة شهري إبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين، فيما زاد البنك الدولي المنحة السنوية التي يقدمها إلى دولة فلسطين من حوالى 70 مليون دولار إلى 300 مليون دولار سنويا، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ علاقة فلسطين مع البنك الدولي الذي سيقدم هذا المبلغ على دفعات، وسيذهب جزء منه لدعم الموازنة، والجزء الآخر لتمويل المشاريع التنموية. وحوّلت وزارة المالية الإسرائيلية، الخميس الماضي، مبلغاً إضافياً من المقاصة بمقدار 530 مليون شيكل (باقي مقاصة شهر يونيو/حزيران) ليصبح إجمالي المبلغ المحوّل 965 مليون شيكل، بعد اقتطاع حصة قطاع غزة ومخصّصات الأسرى وعائلات الشهداء والجرحى والديون الإسرائيلية.

وصادق المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) الخميس الماضي، على خطوات طالب بها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش "لشرعنة" خمس بؤر استيطانية، وعقوبات ضد مسؤولين كبار في السلطة الفلسطينية، وسحب صلاحيات تنفيذية من السلطة في جنوب الضفة الغربية، بالاستيلاء على مناطق (ب) التي تخضع لسيطرة السلطة، حسب اتفاق أوسلو.

وقال مصدر دبلوماسي غربي فضّل عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد": "هناك تفاهم إسرائيلي أميركي، ودعم دولي، لمنع انهيار السلطة الفلسطينية التي تعاني عجزاً مالياً غير مسبوق منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي". وقالت المصادر "إن الأجهزة الأمنية الفلسطينية قدمت تقدير موقف بأن العجز المالي الذي تعاني منه السلطة يجعلها غير قادرة على مواجهة الوضع الأمني الداخلي، ومحاولات تخريبه من مجموعات تتبنى المقاومة المسلحة"، على حد تعبيرها.

الرؤية الأميركية لليوم التالي تفرض نفسها

ورغم العمليات النوعية التي تتزايد في الضفة الغربية ضد الاحتلال، ترجح المصادر الأمنية الفلسطينية أن تشهد الضفة "هدوءاً في الفترة المقبلة"، أخذاً بعين الاعتبار عدداً من العوامل، بما في ذلك الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة لجنين وطولكرم، والتي تركز على اغتيال المقاومين الناشطين فيها وتدمير البنى التحتية، حيث وصل عدد الشهداء في يونيو الماضي إلى 34 شهيداً، وفي الأسبوع الأول من شهر يوليو/تموز الحالي، إلى 16 شهيداً، إلى جانب ما تقوم به السلطة نفسها من اعتقالات لمقاومين وتفكيك لعبوات محلية الصنع.

وقال مسؤول فلسطيني لـ"العربي الجديد": "حصلنا على تطمينات أميركية بأن تصريحات سموتريتش حول العقوبات على السلطة هي من أجل المناكفة، وبقاء الائتلاف اليميني في الحكومة الإسرائيلية". وأضاف: "رفضنا أم قبلنا، إسرائيل مستمرة في الاستيطان ولا تحتاج موافقة فلسطينية، والرفض أيضاً لن يوقفها".

واكتفت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في اجتماعها، في 24 يونيو الماضي، برئاسة الرئيس محمود عباس، وفي اجتماعها يوم 29 يونيو برئاسة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ، بـ"رفض قرارات الحكومة الإسرائيلية" حسب الاجتماع الأول، أو الدعوة "إلى المزيد من التحركات الجماهيرية والفعاليات لإسناد الأسرى الفلسطينيين في كل محافظات الوطن وكل مخيمات اللجوء والشتات وعواصم العالم المختلفة"، حسب الاجتماع الثاني، من دون اتخاذ أي قرارات جديدة أو تنفيذ قرارات سابقة للمجلسين، الوطني والمركزي، واللجنة التنفيذية للمنظمة والتي تتعلق بسحب الاعتراف بدولة إسرائيل على سبيل المثال.

مصادر مقربة من القيادة الفلسطينية: القيادة منخرطة حالياً في تنفيذ الرؤية الأميركية لليوم التالي

وتحدثت المصادر المتطابقة المقربة من القيادة الفلسطينية، لـ"العربي الجديد"، عن أن "الأخيرة لن تنفذ أي قرارات قديمة أو تلوّح بأخرى جديدة ضد إسرائيل، لأنها منخرطة حالياً في تنفيذ الرؤية الأميركية لـ"اليوم التالي لحرب غزة" والذي يتضمن عشرة بنود والمعروف بـ"بيان مشترك حول مبادئ دعم مستقبل السلام للإسرائيليين والفلسطينيين"، والذي ترى فيه السلطة تفويضا من الإدارة الأميركية وبعض الدول العربية تحديدا السعودية ومصر والأردن بوجودها في قطاع غزة كسلطة حاكمة". وأشار البيان في أحد نقاطه إلى أنه: "يجب في نهاية المطاف إعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة تحت السلطة الوحيدة للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك الحكم المدني والمسؤوليات الأمنية".

وبالفعل، بدأت السلطة الفلسطينية تعمل في قطاع غزة عبر تنسيق إسرائيلي ومساعدة بعض المنظمات الدولية. وعلى سبيل المثال، أوعزت سلطة الطاقة الفلسطينية لشركة الكهرباء في قطاع غزة قبل يومين بالبدء بإصلاح أحد أهم خطوط الكهرباء، بعد تنسيق السلطة في رام الله مع إسرائيل، حسب ما نشر موقع "ألترا فلسطين".

وأفادت المصادر المتطابقة لـ"العربي الجديد" بأن السلطة تقوم بالفعل بتنفيذ رؤيتها من "الإصلاح"، بما يتعلق بمنع التحريض وإصلاح التعليم والرعاية الاجتماعية، انسجاماً مع البند العاشر في البيان الأميركي: "على السلطة الفلسطينية أن تنفذ أجندة إصلاح شاملة تركز على الحكم الرشيد والشفافية ومكافحة الفساد، وإصلاح التعليم والرعاية الاجتماعية".

وعلمت "العربي الجديد"، أن مشروع قرار تحويل مخصصات الأسرى والجرحى للتنمية الاجتماعية جاهز وينتظر التنفيذ.
أما بالنسبة لمنع التحريض في الإعلام، فالسلطة ملتزمة به بشكل حديدي، حيث يمتنع الإعلام الرسمي عن ذكر عمليات الطعن أو إطلاق النار التي يقوم بها المقاومون؛ سواء في الضفة الغربية المحتلة أو داخل إسرائيل منذ سنوات، ولم يختلف الأمر منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بامتناع الإعلام الرسمي عن نشر أي أخبار عن عمليات المقاومة أو مقتل الجنود، رغم أن إعلام الاحتلال الإسرائيلي ينشر ذلك، فضلا عن صياغة قانون جديد للإعلام يطبق الخناق على أي وسائل إعلام لا تنسجم مع توجهات السلطة السياسية.

وسبق الإعلام الرسمي الفلسطيني قانون النواب الأميركي الذي يمنع استخدام بيانات وزارة الصحة في غزة، والذي أقر في 28 يونيو الماضي، حيث يمتنع الإعلام الفلسطيني الرسمي عن ذكر وزارة الصحة في غزة ويستبدلها بكلمة "مصادر طبية" منذ وقت طويل، ناهيك عن جهود يقوم بها جهاز المخابرات الفلسطيني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يحذّر فيها من التطرف، ومحاضرات يقوم بها جهاز الأمن الوطني للأطفال من حفظة القرآن في المساجد، ووجود جيش إلكتروني يقوم بالتبليغ وحظر صفحات التواصل الخاصة بالناشطين والصحافيين والشخصيات الوطنية.

أما بالنسبة لتعديل المناهج الفلسطينية التي تعاني من رقابة ذاتية خانقة ومضمون يتساوق مع "أوسلو" بشكل كامل بما يتفق مع الرؤية الإسرائيلية، فقد أكدت القيادة الفلسطينية موافقتها على أي تعديلات، وطالبت أخيراً عبر وسطاء أميركيين وأوروبيين بإعادة إحياء اللجنة الفلسطينية ـ الإسرائيلية ـ الأميركية من أجل متابعة كل أشكال التحريض.

وحصلت "العربي الجديد" على النصّ الكامل باللغة العربية لـ"بيان مشترك حول مبادئ دعم مستقبل السلام للإسرائيليين والفلسطينيين"، الذي نُشرت مقتطفات منه في وسائل إعلام عبرية في شهر يونيو الماضي، وهذا نصّه الكامل:
باعتبارنا أعضاء في المجتمع الدولي، لدينا مصلحة حيوية في دعم مستقبل السلام والأمن للإٍسرائيليين والفلسطينيين وجميع المتأثرين بالصراع في غزة، فإننا نوكد على المبادئ الأساسية لتأمين سلام مستدام في فترة ما بعد الصراع وتعزيز السلام يتضمن حل الدولتين ما يلي:

1-يجب على المجتمع الدولي أن يدعم الشعب الفلسطيني في إعادة بناء حياته في قطاع غزة، بما في ذلك من خلال الاستثمارات غير العادية في الاحتياجات الإنسانية، وإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، وهذا يتطلب فتح المعابر البرية إلى قطاع غزة، والتدفق المستدام من دون عوائق للمساعدات الإنسانية ومساعدات إعادة الإعمار، ويجب على جيران غزة دعم هذه العملية وتسهيلها.

2-الجماعات التي تتبنى استخدام العنف أو ترتكب هجمات إرهابية ضد المدنيين لا يمكنها أن تحكم أو تملي مستقبل غزة، ويجب على جميع المنظمات الإرهابية والجماعات المسلحة نزع سلاحها ونبذ العنف، ومن شأن آلية نزع السلاح والتسريح وإعادة الادماج أن تسهل هذه العملية في غزة.

3-يجب على إسرائيل أن تنسحب من قطاع غزة من دون تقليص أراضيها أو إعادة احتلالها، يجب ألا يكون هناك تهجير قسري من غزة، ويجب السماح للفلسطينيين بالعودة إلى جميع مجتمعاتهم في غزة.

4-يجب في نهاية المطاف إعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة تحت السلطة الوحيدة للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك الحكم المدني والمسؤوليات الأمنية. وستتطلب الفترة الانتقالية للحكم الذي يقوده الفلسطينيون ترتيبات فردية ودعما ومساهمات من الشركاء الدوليين.

5-لا يمكن التوصل إلى نهاية دائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني وإنهاء الاحتلال إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية التي تحل جميع قضايا الوضع النهائي. إننا نؤيد بشكل كامل الخطوات الرامية إلى استئناف مفاوضات الوضع النهائي لتحقيق هدف حل الدولتين لشعبين يتمتعان بالاعتراف المتبادل والحقوق المتساوية الكاملة لجميع مواطنيها.

6-يستحق الفلسطينيون العيش بكرامة وأمن في دولة مستقلة ومتصلة وقابلة للحياة خاصة بهم، ويستحق الإسرائيليون العيش في أمان، وأن يتم قبولهم والاعتراف بهم ودمجهم في المنطقة في حل الدولتين الذي يتم التفاوض عليه على أساس حدود الرابع من يونيو 1967، مع تبادلات متفق عليها بين الطرفين وحلّ عادل ومتفق عليه للاجئين الفلسطينيين على النحو المتوخى في مبادرة السلام العربية.

7-إن إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يتطلب جهداً إقليمياً منسقاً، إن إمكانية التطبيع بين المملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى وإسرائيل مع إحراز تقدم ملموس نحو حل الدولتين هي وسيلة واعدة لتحقيق السلام والأمن والتكامل الإقليمي الذي سيفيد الجميع.

8-يجب وضع حدّ للإجراءات والانتهاكات أحادية الجانب التي تقوم بها حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينية والتي تقوض التقدم نحو حلّ الدولتين، بما في ذلك توسيع المستوطنات والبؤر الاستيطانية وتمجيد الإرهاب والعنف. ويجب على حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينية احترام سيادة القانون ورفض العنف والتحريض على العنف؛ سواء ارتكبه مسؤولون أو أفراد من الجمهور.

9-يجب على الأطراف تنفيذ الالتزامات التي تم التعهد بها في الاتفاقيات السابقة، بما في ذلك اتفاق العقبة وشرم الشيخ في عام 2023، والحفاظ على الوضع الراهن التاريخي في الأماكن المقدسة في القدس، واحترام الدور الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية. نحن ندرك الارتباط العميق بين الأشخاص من مختلف الأديان والقدس، وأن الحدود في القدس تخضع لمفاوضات الوضع النهائي.

10-يتعين على السلطة الفلسطينية أن تنفذ أجندة إصلاح شاملة تركز على الحكم الرشيد والشفافية ومكافحة الفساد وإصلاح التعليم والرعاية الاجتماعية. ونحن نتفق على تركيز جهودنا الدبلوماسية على تعزيز هذه المبادئ وتهيئة الظروف لتحقيق السلام المستدام والأمن في المنطقة.


 

المساهمون