ثمانية أشهر مرت على إعلان بغداد انتهاء معارك تحرير الموصل، ثاني كبرى مدن العراق، من تنظيم "داعش" الإرهابي، إلا أنّ عمليات انتشال جثث المدنيين من تحت أنقاض منازلهم، لا تزال مستمرة، مع ما تكشفه من مجازر جماعية، سببها القصف الجوي.
وكشف مسؤول عراقي رفيع المستوى، عن وجود ما لا يقل عن ألفي جثة أخرى تحت أنقاض المنازل في الموصل، لم يتم انتشالها بعد.
يأتي ذلك مع إعلان مجلس محافظة نينوى (الحكومة المحلية)، عن استمرار انتشال جثث المدنيين من الموصل القديمة، وأحياء أخرى بالساحل الغربي من المدينة، منتقداً محاولات التكتم على حقيقة أنّ الجثث ما زالت تحت الأنقاض لغاية الآن، وداعياً إلى وجوب انتشالها ودفنها بشكل لائق وفقاً لأحكام الشرع.
وقال مسؤول عراقي بارز في بغداد، لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، إنّ لجنة حكومية من وزارتي الصحة والداخلية العراقية، توجّهت إلى الموصل، لتوثيق دفن دفعة جديدة من الجثث التي تم استخراجها من تحت الأنقاض، داخل مقبرة خارج الموصل، بعدما تم التعرف على عدد كبير هوياتها.
وأوضح المسؤول العراقي، أنّ 90% من الضحايا الذين تم انتشالهم، قُتلوا بسبب القصف الجوي على الموصل، من قبل الطيران العراقي والأميركي والتحالف الدولي بشكل عام، مشيراً إلى أنّ منازل المدنيين هناك، تم استهدافها، خلال أيام المعركة التي استمرت نحو 9 أشهر (17 أكتوبر/تشرين الأول 2016، ولغاية 10 يوليو/تموز 2017).
وكشف المسؤول العراقي، عن انتشال 11 جثة جديدة، بينهم أطفال ونساء، منذ مساء الثلاثاء، ولغاية صباح اليوم الخميس، من حي باب الطوب بالموصل القديمة، من تحت أنقاض منزلين دُمّرا بواسطة قصف جوي.
وقال أحمد خميس إدريس، الناشط في مدينة الموصل، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة لا تدوّن في تقارير وزارتي الصحة والداخلية التي تتعلّق بجثث المدنيين التي يُعثر عليها، على أنّها سقطت بسبب القصف الجوي، بل بعبارة (ضحايا الإرهاب)، وهذا مغالطة كبيرة وتزييف حقيقة، ومحاولة تنصل من مسؤولية أخلاقية عن قتلهم من قبل واشنطن وبغداد".
وأوضح أنّ "قتلى "داعش"، أو المواجهات العسكرية خلال حرب الشوارع داخل الموصل وأزقتها، يمكن اعتبارهم أنّهم كانوا في الشوارع والساحات العامة والطرقات بمعنى آخر (فوق الأنقاض)، وهؤلاء تم دفنهم، منذ الأيام الأولى للمعركة من أغسطس/آب العام الماضي، أما حالياً فهناك الآلاف من المدنيين تحت الأنقاض، هم ضحايا القصف الجوي العراقي الأميركي، وهو ما يجب كشفه"، بحسب إدريس.
إلى ذلك قال المجلس المحلي لمدينة الموصل، اليوم الخميس، إنّ عمليات انتشال جثث المدنيين، ما زالت مستمرة، من قبل فرق المتطوعين والأهالي.
وأوضح عضو المجلس محمد الحمداني، أنّ ما لا يقل عن ألفي جثة ما زالت موجودة تحت الأنقاض كتقدير أولي، بعد انتشال نحو 4 آلاف جثة، مضيفاً أنّ "لغة الأرقام هذه مؤسفة لكنّهم يجبروننا على التعامل بها، كون هناك من يحاول أن يخفف من هول الجريمة".
وتابع الحمداني، أنّ "ما يثير الاستغراب، هو محاولة الدفاع المدني الإيحاء بانتهاء مهمته، واستخراج جميع الجثث، لكن الحقيقة أنّ هناك كثيراً من الجثث لأطفال ونساء ورجال ومسنين".
وأوضح أنّه "يتم التمييز بين الضحايا من حجم الجمجمة أو الملابس، فنقول هذا رجل.. هذه امرأة.. هذا طفل، وهذا رضيع، بسبب تحول غالبية الجثث إلى هياكل عظمية، إذ مرّت حتى الآن نحو 8 أشهر على انتهاء المعارك وهم ما يزالون تحت الأنقاض"، مبيّناً أنّ "هناك أوساطاً في بغداد وواشنطن، تحاول التعتيم على بشاعة الجريمة التي جرت بالموصل"، دون مزيد من التفاصيل.
وكانت لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي، قد كشفت، أمس الأربعاء، عن استمرار فرق الدفاع المدني ودوائر البلدية، بانتشال جثث المدنيين من تحت أنقاض مدينة الموصل، جراء القصف الجوي، مشيرة إلى أنّ أغلب الجثث منتشرة في المدينة القديمة في الجانب الغربي للموصل.
وقال عضو اللجنة عبد الرحيم الشمري، في تصريح لوسائل إعلام عراقية، إنّ "فرق الدفاع المدني ودوائر البلدية، ما زالت تنتشل وبشكل يومي، من تحت ركام مدينة الموصل جثث ضحايا المدنيين جراء القصف الجوي، أو العبوات التي خلفتها عصابات داعش".
وأضاف أنّ "عدد الشهداء من المدنيين، غامض لغاية الآن، لعدم وجود إحصائية رسمية من الحكومة المحلية أو المركزية، إلا أنّه وصل إلى الآلاف، بحسب التقديرات وشهادات شهود العيان".
وأشار الشمري، إلى أنّ "نسبة الدمار وعدد الضحايا من المدنيين، تتزايد بشكل كبير في أحياء حي السرج خانة والشفاء والخريعات والفاروق، أي في المدينة القديمة في أيمن الموصل".
كما ذكرت المنظمة في تقرير نشرته، في يوليو/تموز الماضي، تحت عنوان "مهما كان الثمن: الكارثة المدنية في غرب الموصل بالعراق"، أنّها رصدت نمطاً للهجمات نفذتها القوات العراقية والتحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في معركة استعادة الموصل، ينتهك القانون الدولي الإنساني وربما يصل إلى جرائم حرب.