إسطنبول ورشة عمل مع الاستفتاء الدستوري وضدّه

11 ابريل 2017
تحضيرات الاستفتاء على التعديلات الدستورية (باسم دباغ)
+ الخط -

تستمر الحملات المؤيدة والمعارضة للتعديلات الدستورية في مختلف أنحاء تركيا، وفي وقتٍ يدير فيه أنصار حزبي "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" حملة واسعة لحث المواطنين الأتراك على التصويت لصالح التعديلات في الاستفتاء المقرر في 16 إبريل/ نيسان الحالي، تبدو الحملة المعارضة ضعيفة للغاية، على الأقلّ في مدينة إسطنبول.

في هذا السياق، لم تصدر بعد أي استطلاعات رأي جديدة في ما يخصّ ميل الناخب التركي وموقفه تجاه هذه التعديلات، تحديداً بعد الأزمة الكبيرة التي اندلعت بين تركيا وعدد من دول الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من أن نسبة وازنة بحسب استطلاعات الرأي السابقة كانت في إطار المترددين، إلا أن نتائج الانتخابات السابقة وفق الاصطفافات الحالية، ترجّح الموافقة على التعديلات الدستورية التي ستتيح التحول، للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية التركية، من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، الذي سيمنح بدوره منصب الرئاسة صلاحيات واسعة في مختلف السلطات، سواء القضائية أو التشريعية أو التنفيذية.

وتتكون جبهة تأييد التعديلات الدستورية من كل من حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، وحزب "الحركة القومية" (يميني قومي متطرف) وحزب "الوحدة الكبرى" (يميني قومي منشق عن الحركة القومية لكن ذو توجه إسلامي)، بينما تتكون جبهة الرفض بشكل أساسي من حزب "الشعب الجمهوري" (الكماليين) وحزب "الشعوب الديمقراطي" (الجناح السياسي للعمال الكردستاني)، مع عدد من الأحزاب اليسارية التركية الصغيرة والمتحالفة معه، مثل حزب "العمال الثوري الاشتراكي" وحزب "الحرية والتضامن" (يساري) والحزب الشيوعي التركي وحزب العمل (ماركسي لينيني)، إضافة إلى حزب السعادة الإسلامي، الذي يعتبر الوريث الشرعي لإرث رئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان.

وسط إجراءات أمنية مشددة تسير مختلف الحملات، حيث تنتشر قوات الشرطة الخاصة في معظم المناطق المزدحمة والسياحية، بينما تبدي شعبة الاستخبارات التابعة للشرطة التركية توجساً كبيراً من الأجانب، ويقوم أحد عناصر الشرطة باستدعاء عدد من الشباب الأجانب المتوجهين لختم جوازات سفرهم بشكل عشوائي إلى مكتب في مطار صبيحة في القسم الآسيوي من مدينة إسطنبول. في الغرفة سوري آتٍ من دبي وآخر من شتوتغارت الألمانية، واثنان من المواطنين الأتراك الحاملين للجنسيتين الألمانية والنمساوية. يفتش العنصر جوالاتهم ومن ثم يأذن لهم بدخول البلاد، من دون تقديم أي توضيحات سوى أن ما يجري هو إجراء أمني، وعندما يسأله السوري عن سبب ذلك، يجيب العنصر باختصار "هذا بسبب أبناء بلادك من الدواعش"، قبل أن يطلب منه التوجه إلى أحد الممرات الفارغة لختم جوازات السفر، كونها مخصصة للدبلوماسيين، تعويضاً له عن التأخير الذي تعرض له.



وفيما يقرر عمر (35 عاماً)، وهو أحد الأتراك المقيمين في دبي، التوجه لأحد مراكز الاقتراع التي تم افتتاحها في المعابر الحدودية والمطارات للتصويت بنعم لصالح التعديلات الدستورية، لأنه "يفخر بمواقف (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان الذي بنى تركيا جديدة"، يؤكد مَرْت (24 عاماً) المقيم في النمسا، أنه "سيصوّت ضد التعديلات"، ليس لأنه يكره أردوغان ولكن "لتخوفه من وضع كل هذه الصلاحيات في يدر رجل واحد".

ويقول "ستمنح هذه التعديلات الدستورية صلاحيات واسعة للرئيس، لربما أستطيع القول إنني أثق بأردوغان بعد أن خبرناه 15 عاماً، لكن ماذا لو جاءنا بعد عشر سنوات رئيس كـ(الرئيس الأميركي دونالد) ترامب؟ لن يكون لدينا أي قدرة على مواجهته".

وعلى الرغم من أن الاعتماد على نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة لن يعكس حقيقة ما يجري على الأرض، بعد المحاور الكبيرة التي مرت بها تركيا، سواء من ناحية تنامي الانزعاج الشعبي من "العمال" الكردستاني بعد المعارك التي خاضها في المدن، أو بعد ارتفاع شعبية أردوغان إثر نجاحه بإفشال المحاولة الانقلابية في منتصف يوليو/تموز الماضي، إلا أنه بحسب نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في يونيو/حزيران عام 2015 وانتخابات الإعادة التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، تتمتع الجبهة المؤيدة للتعديلات الدستورية بالغالبية الكافية لتمرير التعديلات في الاستفتاء براحة كبيرة. وذلك لحصولها في انتخابات يونيو على 57.2 في المائة من عموم الأصوات ثم ارتفعت في انتخابات الإعادة إلى 61.9 في المائة.

على الأرض، تبدو حملة "العدالة والتنمية" الأكبر بين مختلف الحملات، وليس من المبالغ به القول إنه لا يوجد ركن في المدينة إلا وفيه لافتة أو بوستر كبير عليه صورة كل من أردوغان ورئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم. يلي حملة الحزب الحاكم، حملة حزب "الحركة القومية"، بينما تبدو حملة "الشعب الجمهوري" ضعيفة، في الوقت الذي تنحصر فيه حملة "الشعوب الديمقراطي"، في البلديات التي تشهد كثافة سكانية مؤيدة له، مثل بلدية كوجوجكمجة وتنشط بشكل محدود في المناطق المزدحمة.



على عكس الحملات الانتخابية، تغيب شعارات ورايات الأحزاب عن جميع الحملات سواء المؤيدة أو المعارضة، ولا يبقى إلا العلم التركي وشعارات الحملة، وبينما لم يتنازل كل من "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" عن استخدام صور قيادة الحزب في البوسترات والمنشورات، حاول "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي" الابتعاد عن ذلك.

في بلدية أيوب، التي تعتبر من أهم وجهات السياحة الداخلية في إسطنبول، خيمتان كبيرتان لحملة "العدالة والتنمية"، بينما تقيم حملتا كل من "الحركة القومية" و"الشعب الجمهوري" في خيمة صغيرة واحدة. كذلك الأمر في بيوغلو في قلب مدينة إسطنبول، إثر افتتاح "العدالة والتنمية" صالة واسعة في شارع تقسيم لا تتوقف عن بث أغاني الحملات الانتخابية للحزب وأغنية حملة الاستفتاء، بينما تتوزع فعاليات صغيرة ومتفرقة للمعارضين للتعديلات.

زيارة واحدة لإحدى خيم حملات "العدالة والتنمية" كافية لتزويد المواطن التركي بكيس مليء بالمنشورات الدعائية التي تشرح التعديلات الدستورية الثمانية عشر بالتفاصيل، بينما تعرض مراكز حملات الحزب العديد من عناوين الصحف في فترات الحكومات الائتلافية القلقة، للتأكيد على ما تراه أهم أهداف التحول إلى النظام الرئاسي وهو "تحقيق الاستقرار السياسي لاستمرار التنمية الاقتصادية وتدفق الاستثمارات".

ويقول أحمد (25 عاماً) أحد الناشطين في شبيبة "العدالة والتنمية"، بينما يقدم كيس المنشورات لأحد المواطنين: "هنا ستجد كل شيء عن التعديلات الدستورية وستعرف لماذا علينا أن نصوت بنعم، لاستقرارنا ولرفاهنا وللخلاص من قلق الحكومات الائتلافية الضعيفة، وكي لا نشهد انقلاباً دموياً مرة أخرى". وبعد أن يدعو المواطنين لحضور الحشد الجماهيري الكبير الذي سينظمه الحزب اليوم السبت، لا ينسى أن يذكر المواطن، مبتسماً، بأن المكان ذاته سيشهد تجمعاً كبيراً لـ"الحركة القومية" في اليوم التالي لتجمّع "العدالة والتنمية".



وعن سبب حماسته لتأييد التعديلات الدستورية، يقول أحمد لـ"العربي الجديد": "لقد خسرت أحد أصدقائي خلال مقاومتنا المحاولة الانقلابية الفاشلة، ووفاءً له لن أقبل بأن أرى العسكر بعد الآن خارج الثكنات أو بعيداً عن الحدود، وأنا مقتنع تماماً بأن التحول إلى النظام الرئاسي سيمنع تكرار المحاولات الانقلابية إلى الأبد".

وتقوم حملة "العدالة والتنمية" على عدد من الشعارات الرئيسية التي ترتكز على فترة مقاومة المحاولة الانقلابية، فيرافق كل بوسترات الرئيس التركي جملة واحدة، وهي "الكلام والقرار ملكٌ للأمة". أما بوسترات رئيس الوزراء فتقوم على عبارة "قوتنا من الأمة وقرارنا نعم" أو "دوماً الأمة وقرارنا نعم"، بينما يبني حزب "الحركة القومية" كما العادة، على فكرة الحفاظ على الجمهورية والقومية التركية، باعتبار أن "الحزب يرى نفسه ضماناً لاستمرار الجمهورية، المهددة دوماً بالانفصاليين الأكراد، أي الكردستاني، أو بالمؤامرات الخارجية، فتقوم الحملة على شعار "نعم لأجل الأمة، لأجل الدولة، لأجل الجمهورية، لبقاء القومية التركية، لتركيا أبدية".
ويرى إيمري، وهو أحد الناشطين في حملات "الحركة القومية"، ضرورة التصويت على النظام الجمهوري التركي الجديد، لأنه "يحقق وحدة البلاد في قيادة موحدة وقوية، ويمنع أي محاولات من قبل الانفصاليين لاستغلال الديمقراطية في سبيل تفريق وحدة الأمة التركية"، رافضاَ وبشدة أن يكون التحول إلى النظام الرئاسي خطوة على طريق إقرار الفيدرالية، بالقول إن "هذا خط أحمر، لن يحلم الإرهابيون بأي فيدرالية أو حكم ذاتي إلا على جثثنا".

وبينما تعتمد حملة "العدالة والتنمية" على الإيجابية وبث الآمال والوعود التي تجعل التعديلات الدستورية مفتاحاً لخلاص تركيا من كل مشاكلها المزمنة، تقوم حملة "الشعب الجمهوري" على شعار "لأجل مستقبلي لا"، فضلاً عن محاولتها الابتعاد عن شخصنة الرفض بشخص أردوغان، وتقوم على تخويف الناخبين من تحول تركيا في حال الموافقة على التعديلات إلى دولة الحزب الواحد ونظام الشخص الواحد وأيضا تهميش البرلمان.
وينشط في إسطنبول عدد من المنابر على مستوى البلديات والتي تدير حملاتها ضد التعديلات، بالتحالف بين مؤيدي "الشعب الجمهوري" والأحزاب اليسارية الصغيرة الأخرى ومؤيدي بعض المنشقين عن حزب "الحركة القومية"، كما في منبر التضامن الوطني والديمقراطي في بلدية أيوب. وتنشط أيضاً حملة "لا بيوغلو" في بلدية بيوغلو التي تتبع لها ساحة تقسيم وشارع الاستقلال. ويؤكد أحد الناشطين في الحملة، توران (40 عاماً مسرحي ويعمل في السياحة) بأنه يقف ضد التعديلات لأنها ستؤدي، كما يرى، إلى "نظام الرجل الواحد". ومع تشديده على أن "المنبر يدير حملته بكل أريحية دون أي تقييد على حريته"، لا تخلو أي جملة لتوران من الحديث عن فساد حكومات "العدالة والتنمية" المتعاقبة، قائلاً: "لا أحد يستطيع إنكار الإنجازات الكبيرة للبنية التحتية التي تمت في عهد العدالة والتنمية، كالجسور والمطارات والطرقات وغير ذلك، ولكن لا أحد يستطيع أن ينكر أيضاً الفساد المستشري في صفوف الحكومة. أنا لا أثق بأردوغان ولا بالزمرة الحاكمة، إن كان المرء لا يستطيع أن يسكن قرب سارقين فهل يمنحهم كل هذه الصلاحيات في إدارة البلاد". وذلك بعد أن رفض زميله في الحملة التحدث لصحافي يكتب لصحيفة عربية، ظناً منه بأن جميع العرب مؤيدون لأردوغان، ليكمل محاولته في إقناع مواطن تركي آخر بالتصويت ضد التعديلات، مشددا على أن "أردوغان يحاول أن ينهي الجمهورية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك بالعمل المستمر على إنهاء رمزية الأخير".


دلالات