روسيا تعود إلى جورجيا من بوابة المناورات

08 مارس 2015
القوقاز بعد شرق أوكرانيا (سيفا كاراسان/الأناضول)
+ الخط -
بعد سبع سنوات على الاجتياح الروسي لجورجيا في أغسطس/آب 2008، عاد الحراك الأمني إلى هذه النقطة من القوقاز مجدداً، بعد بدء مناورات "الدائرة العسكرية الجنوبية" الروسية، من أجل اختبار فاعلية وسائط الدفاع الجوي في عددٍ من مناطق القوقاز، ومن ضمنها إقليما أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، اللذان سبق أن أعلنا انفصالهما واستقلالهما من جانبٍ واحدٍ عن جورجيا، في فترة سابقة. الأمر الذي استدعى احتجاجاً جورجياً شديد اللهجة، للمرة الأولى منذ فترة طويلة.

وجاء الاحتجاج الجورجي صاخباً، يوم السبت، بعد أن أفادت وكالة "ريا نوفوستي"، أن "وزارة الخارجية الجورجية أعربت عن قلقها من قيام روسيا بمناورات عسكرية في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا"، ودعت المجتمع الدولي إلى "الردّ على تصرفات روسيا". وجاء في بيان الخارجية الجورجية أن "ما تقوم به روسيا يمثّل تعدياً على سيادة جورجيا ووحدة أراضيها، وانتهاكاً صارخاً للدستور الجورجي، وقواعد ومبادئ القانون الدولي، وكذلك الالتزامات الدولية التي أخذتها روسيا على عاتقها، بما في ذلك اتفاق وقف إطلاق النار، في 12 أغسطس/آب 2008، لأن الإجراءات الروسية تُشكّل تهديداً للسلام والأمن في المنطقة".

وفي وقتٍ عبّرت فيه الخارجية الجورجية عن قلقها الشديد من المناورات، طالبت أيضاً بسحب القوات الروسية من الأراضي الجورجية المُحتلّة، أي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. في إشارة إلى ضرورة تنفيذ موسكو الالتزامات الدولية المنصوص عليها في اتفاق وقف إطلاق النار. لكن موسكو لم تبالِ ببيان تبليسي، ولا يبدو أن شيئاً سيُعدّل من مشاريعها هناك.

وكانت جورجيا قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع روسيا، بعد اعتراف موسكو باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في أغسطس 2008. ووفقاً للدستور الجورجي، فإن الإقليمين اللذين كانا يتمتعان بحكم ذاتي يُعدّان الآن أراضيَ محتلّة. لتُصبح الجمهورية السوفييتية السابقة، ومسقط رأس أشهر زعماء الاتحاد السوفييتي، جوزف ستالين، في طليعة المعادين لروسيا. 

وبعد مرور سبعة أعوام على الحرب، لم تعد العلاقات إلى سابق عهدها حتى اليوم، على الرغم من انخفاض مستوى التوتر بين موسكو والسلطة الجديدة التي تلت مرحلة الرئيس الآتي من "ثورة الورد" ميخائيل ساكاشفيلي (2004 ـ 2013). كما أن القيادة الجورجية برئاسة غيورغي مارغفيلاشفيلي، أطاحت بكل رواسب حقبة ساكاشفيلي، المعادي لروسيا بشدة والموالي للغرب بالدرجة نفسها.

اقرأ أيضاً: الصراع على أوكرانيا.. التحاق السياسات بأوروبا وأميركا أم بروسيا؟

وسعت القيادة الجورجية في واحدة من أولويات سياستها الخارجية، إلى تطبيع العلاقات مع روسيا، غير أن بيان وزارة الخارجية الأخير في شأن المناورات يشي بغير ذلك، وقد يتعدّى ربما مجرّد الاستهلاك السياسي، التي تريد تبليسي الإيحاء به للناخب الجورجي، الرافض أساساً لانفصال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن بلاده.

وتكرّس المناورات الروسية الجديدة ميدانياً، اعتراف موسكو سياسياً وتشريعياً باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، في 26 أغسطس 2008. مع العلم أن الإقليمين سعيا منذ نهاية العهد السوفييتي (1917 ـ 1991)، إلى الاستقلال عن تبليسي، كما نالا حكماً ذاتياً بعد استقلال جورجيا في عام 1991 عن الاتحاد المنهار، إلى أن انفصلا فعلياً في عام 2008، بفعل التدخل الروسي العسكري المباشر آنذاك.

وأدى هجوم القوات الجورجية على تسخينفالي، عاصمة إقليم أوسيتيا الجنوبية، في بداية أغسطس 2008، وقصفها مواقع قوات الفصل الروسية هناك، ومقتل عدد كبير من الجنود الروس الذين باغتهم الهجوم، إلى تدخّل الجيش الروسي بقوة، واسقاطه مدينة غوري، في الطريق إلى تبليسي، التي حاصرها على قطر 60 كيلومتراً. قبل أن تنتهي الحرب بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار، واعتراف روسيا باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.
وأكد القادة الروس، أكثر من مرة لاحقاً، أن "قرار الاعتراف باستقلال الإقليمين لا عودة عنه، وأنه يعكس الواقع الفعلي للأوضاع هناك". كما وقّعت روسيا وأبخازيا أكثر من ثمانين اتفاقية حكومية ثنائية، تشمل جميع مجالات التعاون الممكنة.

وتأتي المناورات العسكرية الروسية منسجمة مع العقيدة العسكرية الروسية الجديدة، التي أُقرّت في 26 ديسمبر/كانون الأول الماضي، فعلى الرغم من بقاء العقيدة الأساسية كما كانت عليه، لناحية حماية الاستقرار الروسي، إلا أنه تمّت زيادة بعض الإضافات الهامة، منها "ضمان مصالح روسيا في المنطقة القطبية"، وتعزيز التحالف مع أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية".

ونصّ البند (ب)، من المادة (56) في العقيدة العسكرية الروسية الجديدة، تحت عنوان "أولويات التعاون العسكري ـ السياسي"، على "العمل المشترك مع جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، لضمان الدفاع والأمن المشترك".

وعلى المستوى السياسي، نقلت وكالة "تاس"، السبت، أن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بصدد التوقيع على اتفاقية التحالف والتكامل مع جمهورية أوسيتيا الجنوبية. وأن هذه الوثيقة تشكل أرضية لخطوات تدريجية نحو تعاون وثيق بين روسيا وأوسيتيا الجنوبية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، وكذلك في مجالات السياسة الخارجية والدفاع والأمن، مع الحفاظ على السيادة التي تتمتع بها أوسيتيا الجنوبية".

ومن الضروري الإشارة إلى أن الاتفاقية المُشار إليها، ستكون سارية المفعول لمدة خمسة وعشرين عاماً مع إمكانية تمديدها، كما تحتاج إلى مصادقة البرلمان الروسي (الدوما) عليها، خصوصاً أن بعض موادها غير ملحوظة في القوانين والتشريعات الروسية المعمول بها. مع العلم أن البرلمان الروسي كان قد صادق في 23 يناير/كانون الثاني الماضي، على اتفاقية مشابهة مع أبخازيا، للتعاون والشراكة الاستراتيجية، بعد توقيعها من قبل بوتين ورئيس الدولة المعترف بها من جانب واحد، راوول خازيمبا، في منتجع سوتشي الروسي، في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفقاً لما جاء على موقع الكرملين الرسمي.

اقرأ أيضاً: أوسيتيا الجنوبية تضع نفسها تحت تصرف روسيا
دلالات
المساهمون