"درع القلمون" وخسائر النظام في الغوطة: وقائع ومبالغات

06 يناير 2018
انشقاقات ساهمت بتعزيز تقدّم الفصائل المُهاجمة (عبدالمنعم عيسى/فرانس برس)
+ الخط -
أثارت هزيمة قوات النظام، أمام فصائلَ عسكريةٍ في الغوطة الشرقية، في معركة "إدارة المركبات" المُستمرة، ضجةً واسعة في أوساط المتابعين من الطرفين، إذ أن سيطرة الفصائل المُهاجمة على أحياء العجمي والحدائق وباقي النقاط العسكرية للنظام من حرستا اتجاه بلدة عربين، وقطْعها بذلك عملياً لطرقِ إمدادات "إدارة المركبات"، وحصار مئات العناصر والضباط داخلها، يُعتبر سابقةً من نوعها على هذه الجبهة، التي تبعد عن دمشق مئات الأمتار فقط.

هذه الواقعة أظهرت حُنقاً واضحاً في أكثر حواضن النظام ولاءً، والذين أرجعوا سبب هزيمة قوات "الحرس الجمهوري" و"الفرقة الرابعة" في حرستا، لـ"خيانةٍ" من عناصر في مليشيا "درع القلمون"، التي تتألف بمعظمها من مقاتلين كانوا مع "الجيش الحر" في بلداتٍ وقرى بالقلمون بريف دمشق، قبل أن يدخلوا سنة 2016 ضمن ما يُعرف بعمليات "التسوية" التي بقوا بموجبها مُسلحين، مع تغيير وجهة سبطانتهم.

هذا الحُنق، ضجت به صفحاتٌ على الانترنت، يديرها موالون للنظام، وبعضهم مقربون من قياداتٍ عسكرية فيه. وأرجع القائمون على هذه الصفحات بحسب مصادرهم، سبب تقهقر دفاعات قوات النظام، لـ"خيانة" عناصر في مليشيا "درع القلمون"، وهو ما لم يتم تأكيده رسمياً من قبل قوات النظام. كما أن مصادرَ عدة وصفحاتٍ مقربة من الفصائل العسكرية بالغوطة، تناقلت المعلومات ذاتها، عن انشقاقاتٍ، ساهمت بتعزيز تقدّم الفصائل المُهاجمة يوم الأحد الماضي، لكن رسمياً لم تؤكد غرفة عمليات المعركة، التي أطلق عليها اسم "بأنهم ظلموا" هذه المعلومات.

والواقعة، بحسب معلومات صفحاتٍ موالية للنظام لها عشرات آلاف المتابعين، وبعد مقاطعتها مع معلوماتٍ نشرها ناشطون معارضون، تتحدّث عن أنّ عناصر من "درع القلمون"، زجَّ النظام بهم كرأس حربة بمعركة حرستا، غادروا نقاطهم على جبهات القتال تلك، مُفسحين بذلك المجال لتقدم الفصائل المُهاجمة.

وتواصلت "العربي الجديد" مع ناشطين في الغوطة الشرقية للوقوف على دقّة هذه المعلومات، لكن هؤلاء قالوا إن "المعارك ما تزال دائرة، ولا يُفصح قادة المعارك عن معلومات كهذه حالياً لضروراتٍ عسكرية"، مع الأخذ بعين الاعتبار أن "العربي الجديد"، رصدت لقاءاتٍ مصورة أجراها ناشطون ميدانيون موالون للنظام، مع عسكريين في حرستا، لمحاولة دحض ما سمّوه "شائعات" انشقاق "تداولتها الصفحات الوطنية".



وبغض النظر عن مصداقية حصول انشقاقاتٍ في حرستا، لعناصر تتبع قوات النظام، بعد أن كانت تُقاتلهُ سابقاً، فإن إشكالية وضع هؤلاء المُقاتلين الذين دخلوا ضمن عمليات "تسوية" في السابق، باتت محل جدلٍ كبير ضمن حاضنة النظام الشعبية، لاعتبار أنهم كانوا يصنفون على أنهم "جماعات إرهابية مُسلحة"، قبل أن يدخلوا في "تسويات" باتوا بعدها ضمن مليشياتٍ تُسمى "القوات الرديفة للجيش"، ويعتمد النظام عليهم في المعارك.

وغالبية هؤلاء الأشخاص الذين بدّلوا ولاءاتهم بانعطافةٍ حادة، ونقلوا بنادقهم من جهة لأخرى، هم سكانٌ محليون لقرى أو بلداتٍ أو أحياءٍ شهدت تظاهراتٍ مع بداية الثورة السورية، فدخلوا في خضمّ الأحداث الدائرة حولهم، وحملوا السلاح في أوقاتٍ مُبكرة، قبل أن تسفر نتائج المعارك الميدانية عن تفوّقٍ للنظام في مناطقهم. ويتزامن ذلك عادة مع عروضٍ يتلقوَّنها من "وزارة المصالحة" بحكومة النظام، لـ"تسوية وضعهم" أي عدم ملاحقتهم أمنياً، وبقائهم في مناطقهم، شريطة أن يغيّروا ولاء سلاحهم، من ضدّ النظام لمصلحته، ويستفيد الأخير من ذلك، في استثمارهم كعناصر قتالية، تُعوّض النزيف البشري في صفوف قواته.

الأمثلة على ذلك كثيرةٌ، لكن أشهر حادثة سُجّلت في الفترة الأخيرة بهذا الخصوص، هي تكريم قوات النظام في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لشخصٍ اسمه معاوية البقاعي ويلقب بـ"أبو بحر"، وهو قيادي جديد ضمن "درع القلمون"، لمشاركته "الفعّالة" في معارك ريف حماة الشرقي إلى جانب قوات النظام، وهو ذاته كان قيادياً في ما يُعرف بـ"اللواء الأول" التابع لـ"الجيش الحر" في حي برزة.

والبقاعي أو من يُعرف بـ "أبو بحر" كان يعمل بائع محروقاتٍ في الحي الذي ينحدر منه، قبل بدء الثورة السورية، لينخرط لاحقاً فيها ويصبح قيادياً عسكرياً في "الجيش الحر". وبعد انهيار "هدنة" برزة التي تاجر خلالها بالمواد الغذائية والمحروقات، عقد اتفاق "تسوية" مع النظام، انضم بموجبها لمليشيا "درع القلمون" ليتحوّل مع مجموعة عناصر يتبعون له في مايو/أيار الماضي، من مقاتلين ضد النظام، إلى مقاتلين بصفوفه.

وتنسحب قصة "أبو بحر" على شخصياتٍ أخرى كثيرة، غيّرت ولاءها بانعطافةٍ حادة من أقصى الموقف إلى أقصى نقيضه، ومنهم سمير الشحرور الذي يُعرف بـ"المنشار"، وهو أيضاً قياديٌ سابق بـ"اللواء الأول" التابع للمعارضة في حي برزة، وتحوّل منذ سبعة أشهر، ليصبح مقاتلاً في مليشيا "درع القلمون" التي تقاتل إلى جانب النظام في الغوطة الشرقية حالياً.