الأطماع الإماراتية في سقطرى توحّد اليمنيين... واللجنة السعودية تتفرّج

06 مايو 2018
يسيطر الإماراتيون على سقطرى (محمد سقطري/ الأناضول)
+ الخط -
بدا أن التصعيد العسكري الإماراتي في جزيرة سقطرى اليمنية، كبرى الجزر العربية، خلال الأيام الماضية، قد وحّد اليمنيين في سابقة ندر حصولها منذ الانقلاب الحوثي والحرب الأهلية. فحتى أقرب المقربين من التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات، لم يجد مبرراً واحداً لما يظهر أنه خطوة احتلالية إماراتية لا تسعى حتى لإيجاد مبررات: فسقطرى لم تطلها الحرب، ولا حوثيين فيها، ولا مشاكل أمنية تذكر، وتسيطر عليها قوات أمن تابعة للحكومة الشرعية في ظل وجود مقبول لمؤسسات ما تبقى من حكومة أحمد عبيد بن دغر. ولم يجد اليمنيون، أو القسم الأكبر منهم، سوى تفسير واحد للحدث الذي تمثل بإرسال الإمارات قوات عسكرية تابعة لها إلى الأرخبيل وطرد القوات الحكومية من مطاره ومحيطه: الإمارات تريد التعويض عن خسائرها التوسعية التي منيت بها في جيبوتي والصومال أخيراً، فلم يبقَ لها إلا اليمن، وسقطرى خصوصاً، مركزاً متقدماً لهم في أي إطلالة على البحر الأحمر، والسيطرة على أرخبيل استراتيجي ممتاز عند تقاطع بحر العرب والمحيط الهندي بأهمية عسكرية على صعيد الملاحة البحرية، ربما ظناً من حكام أبوظبي أنهم يستطيعون الاستفادة من الخراب اليمني لتعميقه واقتطاع مناطق يمنية استراتيجية لضمها رسمياً أو ضمنياً إلى السيادة الإماراتية أو النفوذ الإماراتي على الأقل.

وأمام تعاطي الحكومة الحليفة للسعودية مع التدخل الإماراتي العسكري على أنه أقرب إلى الاحتلال المباشر، حاول السعوديون الإيحاء بأنهم في موقع محايد، فأرسلوا وفداً عسكرياً منذ يومين إلى سقطرى للتفاوض مع الحكومة ورئيسها بن دغر الموجود هناك منذ أيام. لكن بدا أن لا قدرة للسعودية على إلزام الإمارات بالتراجع عن خطوتها الاحتلالية أو لا نية لديها لفعل ذلك، فانتهت اجتماعات أمس أيضاً بين وفد الحكومة اليمنية والوفد السعودي من دون أي نتائج. بناءً عليه، قررت الحكومة دراسة بعث رسالة إلى مجلس الأمن الدولي يطالب فيها بالتراجع الفوري عن خطوة التدخل العسكري في سقطرى، بحسب ما نقلته وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية عن مصدر حكومي يمني قال إن "التحالف مع الإمارات قد يتجه إلى نهايته بعد نشر قواتها في جزيرة يمنية، تعترف بها يونيسكو كموقع للتراث العالمي، من دون التشاور المسبق مع الحكومة". وبحسب ما تردده مصادر يمنية، فإن الخطوة العسكرية الإماراتية جاءت تعبيراً عن انزعاجها من زيارة بن دغر إلى سقطرى (التي كانت إلى وقتٍ قريبٍ جزءاً من محافظة حضرموت، قبل أن تتحول إلى محافظة مستقلة) والحشد الشعبي الذي استقبله هناك، فقررت أبوظبي الضرب هناك كما فعلت في جزيرتي باب المندب وميون الاستراتيجيتين. وكانت الإمارات قد دخلت المنطقة تحت لافتة دعم إعادة الإعمار، بعد الأضرار التي خلفها إعصاران ضربا الجزيرة أواخر عام 2015. وفي وقتٍ لاحق، فرضت سطوتها العسكرية على الجزيرة بحجة مساعدة اليمنيين. ولم يتردد وزير الدولة الإماراتية للشؤون الخارجية أنور قرقاش من القول "اكتشف البعض جزيرة سقطرى مؤخراً، ومن باب الطعن في التحالف العربي والإمارات... لنا علاقات تاريخية وأسرية مع سقطرى وأهلها، وفي محنة اليمن التي تسبب فيها الحوثي سندعمهم في استقرارهم وطبابتهم وتعليمهم ومعيشتهم".

وبدأت الأزمة الحالية بين الحكومة اليمنية والإمارات، بعد استقدام الأخيرة قوة عسكرية مساء الأربعاء الماضي، مكوّنة من أكثر من 100 جندي وعدد من الدبابات والعربات العسكرية، ونشرها في مطار سقطرى ومينائها، فضلاً عن منعها وفداً حكومياً من مغادرة الجزيرة، قبل أن تلحقها تعزيزات عسكرية جديدة مساء الجمعة ليصل عديد القوات الإماراتية الخاصة إلى نحو 300 جندي وضابط بسلاح ثقيل وآليات عسكرية. لكن مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" نفت أن يكون استمرار بقاء الحكومة في سقطرى ناتجاً عن منعها من المغادرة من قبل القوات الإماراتية، مؤكدة في الوقت ذاته، أن البقاء قرار حكومي حتى يتم التوصل إلى حل بخصوص الأزمة، في ظل رفض القوات الإماراتية الانسحاب وإرسال المزيد من التعزيزات خلال اليومين الماضيين.

وبحسب شهادات من سقطرى لوكالة "أسوشييتد برس"، تبني الإمارات مصنعاً وسجناً في الجزيرة، وتقوم بتجنيد السكان وتشكل مليشيا جديدة. كما أنها تشتري الأراضي وتجهزها من أجل البناء. ونقلت الوكالة عن مسؤول حكومي إن الإماراتيين سيطروا على كل المؤسسات الحيوية في الجزيرة، ومن ضمنها المطار والموانئ، والمقار الحكومية، بعدما نظموا رحلات جوية مباشرة من أبوظبي إلى سقطرى.

وبدا أن التصعيد الإماراتي الذي تزامن مع وجود وفد حكومي، جاء ليقف حاجزاً ضد أي قرارات محتملة من الحكومة أو من قبل السلطات المحلية من شأنها أن تقلّص النفوذ الإماراتي المتزايد في الجزيرة، لمصلحة تكريس سلطات الدولة التي تراجعت خلال السنوات الثلاث الماضية.

إلى ذلك رأى سياسيون أن التصعيد العسكري للإمارات في سقطرى هو رسالة للحكومة اليمنية بعدم تجاوز الهامش المسموح لها بالتحرك خلاله، خصوصاً أن زيارتيها إلى محافظة حضرموت وأبين لقيتا حفاوة واستقبالاً رسمياً وشعبياً. وهو ما يفسر أيضاً زيارة محافظ حضرموت المفاجئة إلى أبوظبي بعد مغادرة الحكومة للمحافظة، على الرغم من إعلان مكتبه أن الزيارة بغرض العلاج.

كذلك لا يخلو التصعيد، وفق مراقبين، من تهديدات بتقويض سلطات محافظ سقطرى الجديد رمزي محروس، المحسوب على تيار ثورة 11 فبراير الشعبية، المعروف بمناهضته التحركات الإماراتية في الجزيرة. وكان واضحاً حجم الامتعاض الإماراتي من قرار تعيينه، إذ أوعزت إلى مسؤولين عسكريين وأمنيين موالين لها بتقديم استقالات جماعية بعد ساعات فقط من إعلان قرار التعيين مطلع إبريل/ نيسان الماضي.

وإجمالاً، لا يمكن فصل التحركات الإماراتية في جزيرة سقطرى عن الصراع الدولي والإقليمي للاستحواذ على المناطق الاستراتيجية، سواء على البحر الأحمر أو المحيط الهندي، وهو ما فسّر استماتة أبوظبي في السيطرة على المناطق الساحلية والموانئ اليمنية، لتعويض خسائرها في جيبوتي والصومال، اللتين فقدت فيهما نفوذها لمصلحة قوى منافسة لها إقليمياً.


لا شيء يثير أسئلة المتابعين للتصعيد العسكري الإماراتي في سقطرى أكثر من الحديث عن الموقف السعودي "الضبابي" تجاه ما يحدث، خصوصاً أن ما يجري في الجزيرة هو امتداد لحوادث مشابهة شهدتها عدن وشبوة ومحافظات أخرى.

وجاء استقدام الإمارات لتعزيزات عسكرية مساء الجمعة تزامناً مع وجود لجنة سعودية وصلت لحل الإشكال القائم بين الحكومة اليمنية والإمارات، معززاً شعور الشارع اليمني، الذي بدأ بالتحدث عن تبادل أدوار بين السعودية والإمارات، وأن خطوات أبوظبي حظيت بضوء أخضر من الرياض.

وفي هذا الإطار قال مصدر خاص لـ"العربي الجديد" إن "اللجنة السعودية قضت أول ليلة في سقطرى مع قوات إماراتية في أحد المنتجعات بالقرب من ميناء سقطرى، الأمر الذي يثير استفهامات حول جدية اللجنة في وأد التوتر القائم".

وتعيد التوترات في جزيرة سقطرى الحديث عن علاقة الحكومة اليمنية مع التحالف العربي، وفي مقدمته الإمارات، إلى الواجهة، خصوصاً بعد توالي "الإهانات" التي تمارسها أبوظبي عبر أدواتها المحلية ضد مسؤولي الشرعية. وهو ما دفع بعدد من الوزراء خلال الأشهر الماضية إلى الإعلان عن امتعاضهم من هذه "التدخلات" والمطالبة بتصحيح العلاقة على قاعدة المصالح المتبادلة لا التبعية المطلقة.



في هذا الإطار، يقول المحلل السياسي فؤاد مسعد إن "أزمة سقطرى كشفت عن اختلال العلاقة بين الحكومة الشرعية ودولة الإمارات، مثلما كشفت عنه قضايا وحوادث سابقة في عدن وبقية المحافظات". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "ما حدث في سقطرى يكشف أن الخرق اتسع على الراتق كما يقال، بدليل أن اللجنة السعودية التي وصلت إلى سقطرى لاحتواء الأزمة لم تتمكن من البت في الموضوع، في الوقت الذي يتعيّن فيه على المملكة، وليس اللجنة فقط، إنهاء هذه الإشكالية القائمة، خصوصاً أن التصرفات الإماراتية أظهرت استخفاف أبوظبي بالحكومة والسيادة اليمنية على الجزيرة".

ولفت مسعد إلى أن "أبوظبي أرادت من تحركاتها الأخيرة في سقطرى الاستئثار بالجزيرة ذات الأهمية الاستراتيجية، من دون أن يكون لها أي غطاء سوى مشاركتها ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية، على الرغم من أن التدخل العسكري للتحالف يأتي لمواجهة مليشيات الحوثي التي لا وجود لها في أرخبيل سقطرى". وتوقع المحلل السياسي "استمرار التوتر بين الطرفين في أكثر من ملف، وفي أكثر من محافظة، لكن ملف سقطرى سيظلّ أكثر تعبيراً عن التوتر الناجم عن الخلل المصاحب لأداء دولة الإمارات في اليمن".

من جهته رأى الصحافي محمد الشبيري أن "انضواء الإمارات تحت لواء التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية، سمح لها بالتحرك عسكرياً من دون أية عراقيل، فالبلاد التي تعاني من الحوثيين غضّت الطرف عن الكثير من التجاوزات طمعاً في الخروج من المأزق الذي تعيشه منذ نحو أربعة أعوام".

وأشار الشبيري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحكومة اليمنية انزعجت أخيراً من الدور الإماراتي، لا سيما في ما يتعلق بدعم مجموعات مسلحة تناهض الحكومة، وأخرى تطالب بانفصال الجنوب عن الشمال، وهي مشاريع تخدم الانقلاب الحوثي في المقام الأول".

ورأى أن "الحكومة جادة هذه المرة في ما يتعلق بفرملة العجلة الإماراتية المتهورة في جزيرة سقطرى وأماكن أخرى"، مضيفاً أنه "يبدو أن إيعازاً صدر من الرئيس عبدربه منصور هادي بشأن التحرك الأخير، ووصول لجنة وساطة سعودية إلى الجزيرة لفض النزاع الحاصل هو صحوة سعودية لتلافي ما يمكن تلافيه قبل حدوث الأسوأ".

واستغرب الصحافي من موقف السعودية التي لا تخدمها أي عرقلة لجهود الحكومة في استعادة الشرعية، ووفقاً للشبيري "فكل دور يضعف الحكومة هو بالضرورة يهدد المملكة وأمنها من خلال تقوية شوكة الحوثي، وتشتيت جهود محاربته".



المساهمون