ارتفعت حدّة التوتر بين باكستان والهند في اليومين الماضيين على خلفية إقليم كشمير المتنازع عليه، وذلك إثر إرسال نيودلهي آلاف الجنود إلى الجزء الهندي من كشمير يوم الأحد، قبل أن تعلن الحكومة الهندية أمس الاثنين إلغاء قانون رقم 370 الخاص بالإقليم المعروف بالحكم الذاتي، والذي يمنح شعب إقليم كشمير المتنازع عليه حقوقاً في شتى المجالات، ما يعني عملياً ضمّ الجزء الهندي من كشمير إلى الهند. وهو الأمر الذي استفزّ باكستان. وكان القانون الخاص بإقليم كشمير قد منح الشعب الكشميري حقوقاً خاصة في الحكم المحلي، إذ لا يمكن بموجبه توظيف غير الكشميري في الإدارات الرسمية، كما أن حق شراء العقار في كشمير كان ممنوعاً على غير الكشميريين. وبموجب القانون أيضاً ما كان يحق لأحد أن يصوّت لأعضاء البرلمان من كشمير عدا سكان ذلك الإقليم.
وكان الحزب الحاكم "بهاراتيا جاناتا" بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، قد تعهد خلال حملته الانتخابية بإلغاء هذا القانون بعد الانتخابات التي جرت في مايو/أيار الماضي، معتبراً ذلك عقبة في وجه تنفيذ مشاريع الحكومة. القرار الجديد الذي وزّع الشطر الهندي من إقليم كشمير إلى إقليمين: لدخا وكشمير، أثار امتعاض بعض السياسيين، حتى أن الهند تدرك مدى تأثير القرار على شعب كشمير، وعلى علاقات الإقليم مع باكستان، فاتخذت خطوات استباقية في الإقليم وعلى الحدود مع باكستان. وفرضت القوات الهندية في كشمير حظراً على عقد أي نوع من الاجتماعات وقطعت خطوط الخليوي والإنترنت، معلنة عن إقفال المدارس والمعاهد والجامعات، وأمرت جميع السياح والبالغ عددهم ألف سائح بترك المنطقة، بذريعة وجود مخاوف من قيام المسلحين باستهداف بعض الأضرحة المشهورة في الإقليم وباستهداف أماكن سياحية. بدوره، أعلن وزير الداخلية أميت شاه، عند تقديم القرار إلى مجلس الشيوخ، أن إقليم كشمير سينقسم إلى إقليمين، لدخا وكشمير، على أن يقتصر وجود البرلمان المحلي في كشمير فقط.
الردود على الخطوة الهندية، جاءت من الإقليم، مع إعلان رئيسة الوزراء السابقة في الحكومة المحلية بإقليم كشمير محبوبه مفتي، التي تعيش تحت الإقامة الجبرية، في تغريدة لها، أن ما حصل هو يوم أسود في تاريخ الديمقراطية الهندية، وأن الشعب الكشميري يعاقَب على الانضمام إلى الهند عند انفصال باكستان، محذرة من عواقب وخيمة للقرار. من جهتها، دانت باكستان القرار الهندي متوعّدة بتصعيده إلى كل المستويات، ودعت لعقد جلسة مشتركة للبرلمان ومجلس الشيوخ اليوم الثلاثاء، من أجل التباحث بشأن قرار الهند وتداعياته.
في السياق، ذكر وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي، في بيان، أن القرار الهندي كشف الوجه الحقيقي للهند، وعقّد القضية الكشميرية أكثر، لأننا كنا نسعى لحل القضية عبر الحوار ولكن الهند يبدو أنها غير راضية بالحوار. وكشفت الخارجية الباكستانية أن "ستمارس باكستان كل الخيارات الممكنة لمواجهة الخطوات غير القانونية بما أنها طرف في هذا النزاع الدولي". وأجرى محمود قرشي اتصالاً مع الأمين العام لمنظمة التعاون الإٍسلامي، يوسف بن أحمد العثيمين، أطلعه خلالها على الأوضاع.
وأدلى زعيم المعارضة في البرلمان الباكستاني، زعيم حزب الرابطة جناح نواز شريف، شهباز شريف، بدلوه في الملف، في جلسة برلمانية، أمس، قائلاً إن ما أعلنته الهند بمثابة إعلان الحرب وانتهاك لقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، مؤكداً أن على الهند أن تعي أنها بهذا القرار حاولت أن تقصم ظهر باكستان وهذا لا يمكن لأننا لن نصمت. وطالب باجتماع فوري لمجلس الأمن الدولي لمناقشة القضية قبل فوات الأوان، مشدّداً على أن باكستان واقفة مع الشعب الكشميري في جميع الأحوال.
وكان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان قد ترأس الأحد، اجتماعاً لمجلس الأمن الوطني بشأن استخدام القوات الهندية الأسلحة العنقودية على مناطق سكنية على الحدود، أواخر شهر يوليو/تموز الماضي، وقرر في أعقابه أن ترد القوات المسلحة الباكستانية على أي عدوان وبأشد الطرق. وجاء في البيان الذي صدر عقب الاجتماع الذي شارك فيه وزير الدفاع برويز ختك، ووزير الخارجية شاه محمود قرشي، ووزير الداخلية إعجاز أحمد شاه، وقادة القوات المسلحة ورئيس جهاز الاستخبارات، أن باكستان لن تقف مكبّلة الأيدي وسترد بكل ما أمكن وبكل قوة على أي نوع من العدوان الهندي. واعتبر البيان أن ما يحصل على الحدود مع الهند وفي كشمير، خطوات تتخذها الهند لتحريك المنطقة وإبعاد عيون المجتمع الدولي عن جهود باكستان من أجل إحلال السلام، لا سيما في ما تعلق بالمصالحة الأفغانية.
وقبل القرار الهندي بإلغاء القانون بدأ التصعيد على الحدود مع ادّعاء باكستان أن القوات الهندية استخدمت القنابل العنقودية، المحظورة دولياً، على مناطق سكنية في الجانب الباكستاني من إقليم كشمير، تحديداً في وادي نيلم يومي 30 و31 يوليو الماضي، ما أدى إلى مقتل مواطنين اثنين وإصابة 11 آخرين. في المقابل اتهمت الهند الجيش الباكستاني بمحاولة إرسال قواته إلى الداخل الهندي في كشمير، والتواطؤ مع المسلحين لشن هجمات على ثكنات عسكرية تابعة للجيش الهندي. وقال المتحدث باسم القوات المسلحة الهندية الكولونيل راجيش كاليه للصحافيين في نيودلهي أمس، إن عناصر من الجيش الباكستاني حاولت التسلل إلى داخل الأراضي الهندية في منطقة كرن، والقوات الهندية قتلت سبعة منهم، لا تزال جثامينهم في الأراضي الهندية، لكن الجيش الباكستاني نفى ذلك، معتبراً أنها مجرد حملة إعلامية تهدف إلى الوصول لأهداف خطيرة لا تحمد عقباها.
كما هدّد المتحدث باسم الجيش الباكستاني، الجنرال أصف غفور بأن الاعتداء الهندي وبهذه الصورة من خلال استخدام الأسلحة العنقودية على مناطق سكنية في باكستان، لن تبقى من دون ردّ، وأن القوات المسلحة الباكستانية لن تقف مقيّدة اليدين بل سترد بكل قوة. وعلى الرغم من تهديدات الهند على الحدود وقرارها الأخير، إلا أنه لا يبدو أن الأمور ستنزلق نحو حرب شاملة أو تصعيد كبير، لا سيما أن باكستان تواجه العديد من الأزمات داخلياً وعلى مستوى المنطقة، ولكنها ستلقي بظلالها على المصالحة الأفغانية. ومعروف أن وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي قد أكد في الأيام الماضية أن القضية الأفغانية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً مع قضية كشمير، إذ في مقابل المساعدة مع الأميركيين في قضية أفغانستان تطلب إسلام أباد مساعدة واشنطن في كشمير. على الضفة الأخرى لن ترضى الهند بأي تقدم بالعلاقات الباكستانية ـ الأميركية وقيام تعاون بينهما فيما يخص قضية أفغانستان، ما سيؤثر على العمق الهندي في المنطقة، وهذا قد يكون أيضاً من وراء دوافع ما حصل على الحدود الباكستانية ـ الهندية وفي إقليم كشمير.