الانتخابات التركية (4/7)... مشاريع محلية وخارجية طموحة للأحزاب

21 يونيو 2018
تجمعات لـ"العدالة والتنمية" والحركة القومية في اسطنبول (العربي الجديد)
+ الخط -
لا يقتصر الاهتمام بالانتخابات التركية، المقررة يوم الأحد المقبل، على الداخل التركي فقط الذي يعتبرها حدثاً مفصلياً، إنما تترقّب معظم دول العالم هذا الاستحقاق باهتمام بالغ، بعدما باتت أنقرة تشكّل حلقة هامة بالنسبة لمعظم المنطقة العربية. ولعلّ ما حصل في ليلة الانقلاب الفاشل في 15 يوليو/ تموز من عام 2016، والتداعيات المحلية والإقليمية والدولية، والاتهامات التركية لدول عربية بالتعاون مع دول أجنبية في المحاولة الانقلابية، ليس إلا دليلاً على الاهتمام العالمي بما يحصل في تركيا. كيف لا وتركيا تجاور العراق وسورية اللتين تشهدان صراعات داخلية، وإيران التي تشهد مواجهة مع أميركا، وروسيا القوة الدولية، والاتحاد الأوروبي أحد أقطاب العالم، فضلاً عن كونها عضواً في "حلف شمال الأطلسي". وفي ظلّ كل هذه التحديات، يطرح السؤال عما تحمله الأحزاب التركية المرشحة للانتخابات، في الشؤون الداخلية والخارجية، في برامجها للانتخابات المقبلة؟

تشارك اليوم 4 أحزاب ممثلة في البرلمان في السباق الانتخابي: "العدالة والتنمية"، "الشعب الجمهوري"، "الشعوب الديمقراطي الكردي" و"الحركة القومية". يركّز حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، وأحد أبرز المرشحين للاستمرار بالفوز في الانتخابات وتحقيق الأغلبية الكافية، في برنامجه الانتخابي الداخلي على الجانب الاقتصادي، ومواصلة المشاريع الكبرى التي يتم تنفيذها، مع اقتراح مزيد من المشاريع الاقتصادية الضخمة. كذلك تعهّد الحزب للناخبين بأن "تنمو تركيا وتتطوّر أكثر بحلول العام 2023، لتصبح من أقوى الاقتصادات، وتقضي على الإرهاب في دول الجوار". ومعروف أن القاطرة الرئيسية التي أوصلت الحزب إلى الحكم في تركيا نهاية عام 2002، كان الاقتصاد، إذ عرفت سنوات الثمانينيات والتسعينيات أزمات اقتصادية هائلة، أدرك حزب عبد الله غول ورجب طيب أردوغان كيف يستثمرانها لتقديم مشروع اقتصادي مختلف، نجح بالفعل، خصوصاً في السنوات الأولى من حكم "العدالة والتنمية"، في نقل تركيا اقتصادياً إلى أحد أكبر عشر اقتصاديات في العالم.

ويركّز الحزب اقتصادياً اليوم على مشاريع التوظيف، عبر بناء مزيد من المناطق الصناعية الكبرى، التي توفّر مئة ألف فرصة عمل، وعلى إنشاء مزيد من المشافي الكبرى، ومنح كل ولاية متنزهات وطنية. وفي هذا الإطار، كشف الحزب نيته تحويل مطار أتاتورك الحالي إلى متنزه كبير يضاهي متنزهات العالم، بعد افتتاح المطار الثالث في أكتوبر/ تشرين الأوّل المقبل، وتطبيق هذا النموذج في كافة الولايات الأخرى.

كذلك، كانت المقاهي الوطنية، بهدف نشر الثقافة، هدفاً لـ"العدالة والتنمية" أيضاً، إلى جانب النهوض بقطاع التعليم، فضلاً عن الاهتمام بقطاع الزراعة والري. وبرز كذلك الحديث عن الصناعات الدفاعية، من التقدّم في برامج صناعة الطائرات بدون طيار بأنواعها، والطائرات والطرادات والمدرعات، بهدف الوصول بعد عامين للاكتفاء الذاتي في الصناعة الدفاعية. وفي هذا السياق، أكّد وزير الدفاع التركي، نور الدين جيناكلي، أكثر من مرّة، أنّ الجيش التركي استخدم في عملياته في عفرين، شمال سورية، أسلحة محلية الصنع بنسبة 91 في المائة. كما منح "العدالة والتنمية" زيادات للمتقاعدين، ووعد بتحسّن الاقتصاد وحماية العملة المحلية، ودراسة رفع قانون الطوارئ فوراً.

تجمعات لتحالف "العدالة والتنمية" والحركة القومية في اسطنبول(العربي الجديد) 

وعلى صعيد المشاريع الكبرى، يتمسّك حزب "العدالة والتنمية" بإنشاء مشروع قناة إسطنبول المائية، المشروع الذي تعارضه دول كبرى في العالم، والذي سيدرّ على تركيا في حال تنفيذه، مليارات الدولارات سنوياً. والمشروع هذا عبارة عن فتح قناة مائية بين البحر الأسود وبحر مرمرة بموازاة مضيق البوسفور، لتنظيم عبور السفن منها. ورغم أنّ المحتجين على المشروع يعزون معارضتهم إلى أسباب تتعلّق بالزلازل ومخاطرها، إلا أنّ "العدالة والتنمية" يرى فيه مورداً اقتصادياً هاماً، في ظلّ عدم تحصيل تركيا أي رسوم حقيقية من عبور السفن منها، جراء اتفاقيات وقّعت في مونترو السويسرية مع الغرب عام 1936 لتنظيم الملاحة في المضائق والممرات التركية، وهو ما يحرم البلاد من مليارات الدولارات. وفي حال تنفيذ هذا المشروع، فإن تركيا ستتبوّأ مكانة هامة عالمياً من الناحية الاقتصادية، ما سيعزّز من نفوذها، وفق الحزب.


على الصعيد الخارجي، يتعهّد الحزب بتجفيف منابع "حزب العمال الكردستاني" الذي يصنفه "إرهابياً"، وذراعه السوري المتمثّل بـ"وحدات حماية الشعب الكردية"، في كل من العراق وسورية، و"العمل مع دول الإقليم، مثل إيران والدول الغربية وروسيا، لإحلال الاستقرار في المنطقة مجدداً". وفي هذا الإطار، وقّعت أنقرة أخيراً اتفاق خارطة طريق مع واشنطن حول منبج السورية، إلى جانب خطة أخرى مع موسكو بشأن منطقة تل رفعت، كما أنها ستساهم بقوة في الاجتماعات الدولية التي ترعاها الأمم المتحدة لإيجاد حلّ سلمي في سورية.

أمّا حزب "الشعب الجمهوري" (كمالي علماني، يسار وسط)، وقبيل التركيز على برامجه المستقبلية، فقد هدّد بداية بإيقاف كل المشاريع التي تعمل الحكومة عليها، ومنها مشروع قناة إسطنبول المائية. كذلك، اعتبر أنّ مشروع المطار الثالث في إسطنبول لا داعي له، في حين تعهّد بتحسين الحالة الاقتصادية للمواطنين ووضعهم المعيشي، "لتتحوّل تركيا إلى بلد يمكن أن يعيش فيه المواطن التركي". وحمّل "الشعب الجمهوري" الحزب الحاكم مسؤولية تدهور العملة المحلية أمام الدولار، نتيجة المشاريع الكبرى التي يتم الدفع لها بالعملة الأجنبية. كما تعهّد الحزب برفع حالة الطوارئ خلال 48 ساعة من انتخاب مرشحه محرم إنجه رئيساً.

ووعد الحزب المعارض الطلبة بمنح دراسية نصف سنوية، وتعهّد بدعم المزارعين والعمّال والنهوض بهم، وركز على فئة الشباب، موضحاً أنّه سيعمل على فصل تحميل المواطنين تبعات الاتفاقات مع الشركات الخاصة التي تشغّل الجسور والمشاريع الأخرى، وتحصل من ضرائب المواطنين، وتعهّد لهم بأنهم لن يدفعوا ضريبة لشيء لا يستخدمونه، فضلاٍ عن وعود بتعزيز دور المرأة في قطاع العمل ليشكّل العنصر النسائي نسبة 50 في المائة من القوة العاملة. كذلك تعهّد بإنشاء رياض للأطفال في كل حي، متبنياً شعار "الأطفال للرياض، والنساء للعمل".

خارجياً، تعهّد مرشح الحزب، محرم إنجه، مرات عدة، بإعادة السوريين إلى بلادهم على وقع الطبول والمزامير، والعمل على إحلال السلام بالتعاون مع النظام السوري، بتعيين سفير هناك وتأسيس هيئة للسلام يمكن ضمّ دول أخرى لها مثل أيران وغيرها. وكان إنجه قد استغلّ عودة أكثر من 70 ألف سوري في عطلة عيد الفطر السابق لبلادهم، للتأكيد على أن هؤلاء يمكنهم البقاء هناك، ما داموا قادرين على الرجوع.

أمّا حزب "الحركة القومية"، اليميني القومي المتطرف، فإنه يسير على خطّ مواز مع حليفه حزب "العدالة والتنمية" لجهة تعزيز الأوضاع الداخلية، ومواجهة الأخطار المحدّقة خارجياً، إلى جانب مكافحة التنظيمات الإرهابية الانفصالية كافة، وهي النقطة التي يركّز عليها الحزب منذ تأسيسه. ومن الواضح أنّ "الحركة القومية" متمسّك بمشاريع حليفه، إذ ساهم معه في التعديل الدستوري العام الماضي، وشكّل معه "الحلف الجمهوري"، فنادى بالوعود نفسها التي ساقها "العدالة والتنمية" داخلياً وخارجياً.

بدوره، ركّز الحزب "الجيد" الجديد (انشقاق عن الحزب اليميني القومي المتطرف)، كما حليفه "حزب الشعوب الديمقراطي" (الممثل الأكبر للقوميين الأكراد) على الجانب الاقتصادي للبلاد. ووعدت مرشحة الحزب ميراي أكشنر، بدفع رواتب للشباب العاطلين من العمل، وتوفير الفرص لهم، منتقدة مشاريع الحكومة، ومهددة بإيقاف بعضها. وتطابقت أقوال الحزب مع حزب "الشعب الجمهوري" في السياسات الداخلية، مع التركيز على انتقاد "العدالة والتنمية" بشكل كبير، والتقليل مما أنجزه في السابق.

خارجياً، أكّدت أكشنر أنّ أوّل ما ستقوم به في حال انتخابها رئيسة للجمهورية، هو إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، محاولةً اللعب على هذه الورقة، من أجل الحصول على تأييد الناخبين، وهو الأمر الذي كررته في كثير من تجمعاتها الانتخابية. وبخلاف الوضع السوري، لم تتطرّق أكشنر لكثير من القضايا الخارجية، وركّزت اهتمامها على الداخل فقط.

أمّا حزب "الشعوب الديمقراطي"، فوعد ناخبيه من الأكراد بأنه سيعمل على تحصيل حقوقهم الديمقراطية، إضافة إلى العمل على تعزيز الديمقراطية في البلاد، منتقداً قمع الحكومة للحريات واعتقال قادة الحزب "بحجج واهية"، على حدّ قول مسؤوليه.

ولم تقدّم بقية الأحزاب شيئاً عملياً أو مشاريع قوية، مكتفيةً بالتقليل من إنجازات "العدالة والتنمية"، وتحميله مسؤولية ما تصفه تردي أوضاع البلاد، ومن ذلك قول مرشح حزب "السعادة" الإسلامي، تمل كراموللا أوغلو، إن "المشاريع الكبرى هي إسراف فقط".