تظاهرات الحراك الشعبي في الجزائر: اعتراض على التدخل الأجنبي ورفض لانتخابات ديسمبر
لم تغب التطورات السياسية المتصلة بمصادقة البرلمان الأوروبي على لائحة تخصّ الأوضاع في الجزائر عن مظاهرات الحراك الشعبي في جمعته الـ41، التي حملت موقفاً شعبياً رافضاً للتدخلات الأجنبية، مع التمسك بالمطالب المركزية للحراك منذ فبراير/ شباط الماضي، والاعتراض على إجراء الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل في ظل بقاء رموز من نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وأبدى المتظاهرون في جمعة الحراك الجزائري رفضاً تاماً لأي تدخل أجنبي، وتحت أي عنوان سياسي أو حقوقي، واعتبرت شعارات ولافتات عديدة رفعت في مظاهرات الجمعة في العاصمة الجزائرية، كما في عدد من المدن، الأزمة الجزائرية قضية محلية تُحلّ بأدوات داخلية، لكن هذا الموقف المطمئن بالنسبة لكثيرين لا يغفل رفض أن تحول السلطة المسألة لصالح الدفع بمشروعها السياسي الذي يرفضه الحراك الشعبي، ورفع أحد المتظاهرين لافتة تحمل هذا المضمون السياسي كتب عليها: "لا وصاية داخلية أو خارجية على الشعب"، كما رفع أحد المتظاهرين لافتة كتب عليها مقولة للمفكر الجزائري مالك بن نبي تقول إن "الأجنبي لا يستطيع أن يلحق ببيتنا الضرر إلا إذا وجد فيه من يحابيه ويتآمر معه".
وقال الناشط في الحراك الشعبي رضا دحماني إن الحراك الشعبي أعلن، منذ فبراير/ شباط الماضي، محددات برفض أي تدخل أجنبي.
وأوضح دحماني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الشعب ومكونات الحراك لديها وعي استباقي بمخاطر التدخلات الأجنبية، ولم تنتظر مواقف السلطة لتعلن عن رفضها للخطوة الأوروبية، التي هي مرفوضة شكلاً ومضموناً، لكن يجب أن نذكر أن الحراك الذي رفع لافتات ضد إرسال السلطة لنائب رئيس الحكومة حينها رمضان لعمامرة إلى بروكسل لشرح الوضع الجزائري للشركاء الأوروبيين، وإيفاد رئيس الدولة عبد القادر بن صالح لشرح الوضع لفلاديمير بوتين، ليس لها الحق اليوم في الزعم بالدفاع عن السيادة الوطنية، أو محاولة تغليط الرأي العام بالتلميح إلى أن مكونات من الحراك وراء الخطوة الأخيرة للبرلمان الأوروبي".
وبقدر إدانة مظاهرات الحراك للخطوة الأوروبية، استدعت إلى المشهد أيضا رفض مظاهر أخرى للتدخل الأجنبي، كانت السلطة الفاعل الرئيس فيها، في صورة ما قام به رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عند لقائه الرئيس الروسي على هامش القمة الروسية الأفريقية في سوتشي.
ورفع أحد المتظاهرين لافتة كتب عليها: "التدخل الأجنبي هو أن يذهب رئيس دولة إلى دولة أجنبية ليطمئنه عن أوضاع بلاده الداخلية"، وأن "يصادق برلمان على قانون محروقات يخدم الشركات الأجنبية"، في إشارة إلى قانون المحروقات الأخير، والذي اعتبر قانونا استرضائيا لمصالح الدول والشركات النفطية الكبرى العاملة في حقول النفط في الصحراء الجزائرية.
واعتبر الناشط في الحراك الشعبي نور الدين خدير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "من لم يدن ما قام به بن صالح في سوتشي وعرضه للأزمة الجزائرية أمام بوتين، يصبح موقفه اليوم من خطوة البرلمان الأوروبي منقوصة، وغير موضوعية، فالسيادة واستقلالية القرار الوطني مسالة لا تتجزأ بالمطلق".
وكانت شعارات مواقف الحراك الرافضة للتدخل الأجنبي ترد على جلسة نقاش عقدها البرلمان الأوروبي الخميس الماضي، خصصت للوضع السياسي وتطورات الحراك الشعبي في الجزائر، وتمت خلالها المصادقة على لائحة أدانت بشدة الاعتقالات التعسفية والملاحقات ضد الصحافيين والنقابيين والمحامين والطلاب والمدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني، وجميع المتظاهرين السلميين، ودعت السلطة إلى إقامة حوار سياسي لإيجاد حل سلمي للأزمة، ويؤسس لانتقال ديمقراطي سلس في البلاد، وتحرير العدالة واحترام الأقليات الدينية.
وبدت مواقف الحراك الشعبي منسجمة مع موقف الحكومة الجزائرية، التي كانت قد ردت مساء الخميس بلهجة حادة وغير مسبوقة على لائحة ستراسبورغ، وهددت بمراجعة وإجراء تقييم شامل ودقيق لعلاقاتها مع المؤسسات الأوروبية كافة، ودانت ما وصفته بـ"التدخل السافر في شؤون الجزائر الداخلية"، واعتبرت أن خطوة البرلمان الأوروبي جاءت "بإيعاز من مجموعة من النواب متعددي المشارب وفاقدي الانسجام، ذهبوا إلى حد منح أنفسهم، دون عفة ولا حياء، الحق في مطالبة البرلمان الجزائري بتغيير القوانين التي اعتمدها نوابه بكل سيادة، ومنح البرلمان الأوروبي نفسه، بكل جسارة ووقاحة، حرية الحكم على المسار السياسي الراهن في بلادنا في الوقت الذي يستعد فيه الجزائريون لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بكل ديمقراطية وشفافية".
ورأت أن "هذا التصرف يحمل ازدراء ليس للمؤسسات الجزائرية فحسب، بل لآليات التشاور الثنائي التي نصّ عليها اتفاق الشراكة، بما فيها تلك المتعلقة بالمجال البرلماني".
واستمرت مظاهرات الحراك الشعبي في رفض إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في 12 ديسمبر المقبل، وهتف المتظاهرون ضد المرشحين الخمسة للانتخابات، بشعار: "لا انتخابات مع حكومة العصابات"، و"الانتخابات والله ما تديرو، بدوي وبن صالح لازم يطيرو (يرحلوا)"، في إشارة إلى الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، والدعوة إلى تمدين الحياة السياسية والنظام القائم، واستبعاد سيطرة قيادات الجيش على القرار السياسي، وكذا المطالبة بإطلاق سراح الناشطين الموقوفين في السجون، ورفض حملة الاعتقالات السياسية التي تقوم بها السلطة، وتحرير الصحافة والإعلام من الضغوط الممارسة عليها، وكذا العدالة والقضاء.
ويعتبر المتظاهرون أن انتخابات ديسمبر/ كانون الأول لن تؤدي سوى إلى تجديد النظام السياسي لنفسه، وهتف المتظاهرون ضد المرشحين، وخاصة رئيس الحكومة السابق عبد المجيد تبون الذي يتهمه الحراك الشعبي بأنه يمثل مرشح السلطة والجيش، وهتفوا ضده بشعارات تلمح إلى علاقة نجله الموقوف مع بارون المخدرات الموقوف كمال البوشي.
وحث النشطاء والمتظاهرون على التمسك بالروح السلمية والتزام النضال السلمي وعدم الانجرار إلى ممارسة العنف أو الاستفزاز على خلفية أحداث عنيفة شهدتها الأربعاء منطقة البويرة قرب العاصمة الجزائرية، رفضاً لتجمع انتخابي للمرشح الرئاسي علي بن فليس، وكذا مواجهات بين الشرطة ومحتجين في منطقة بني دوالة بمنطقة القبائل، كانوا يحاولون مهاجمة مقر الدائرة.
ولوحظ انتشار كبير لقوات الشرطة وسط العاصمة الجزائرية، حيث كان احتكاك طفيف قد حدث في وقت سابق لصلاة الجمعة بين الشرطة ومجموعة متظاهرين رفعت شعارات ضد قوات الأمن، والتي استخدمت بخاخات الغاز لتفريقهم، واعتقلت ستة من المتظاهرين، كما استمرت الشرطة في إغلاق النفق الجامعي وتشديد مراقبة مداخل العاصمة.
وشهد أغلب المدن الجزائرية مظاهرات رافضة للانتخابات الرئاسية، خاصة في مدنبجاية وتيزي وزو والبويرة في منطقة القبائل وعنابة وسطيف وقسنطينة والبرج شرقي الجزائر، ووهران وتلمسان ومستغانم غربي البلاد، ما صعّب اليوم من حركة المرشحين الخمسة للانتخابات الرئاسية علي بن فليس وعبد المجيد تبون وعبد القادر بن قرينة وعز الدين ميهوبي وعبد العزيز بلعيد، والذين اكتفوا بتنشيط تجمعات داخل قاعات مؤمنة تلافياً للاحتكاك مع المتظاهرين من رافضي الانتخابات.
وفي المقابل تحشد السلطة الأحزاب والجمعيات والدوائر الحكومية لتنظيم مسيرة مركزية كبيرة وسط العاصمة وفي مختلف المدن السبت، دعماً للجيش والانتخابات الرئاسية، ورفضاً للتدخل الأجنبي، والرد على الخطوة التي اتخذها البرلمان الأوروبي.
وتزامن بدء المظاهرات اليوم مع تجمع للصحافيين في شارع ديدوش مراد وسط العاصمة للمرة الثالثة، استجابة لنداء مبادرة "تصدي صحافة"، للمطالبة برفع الضغوط والإكراهات على المؤسسات الإعلامية، وهتف المتظاهرون والصحافيون بشعار "صحافة حرة ديمقراطية"، و"حرروا الصحافة".
وسبقت مظاهرات اليوم دعوات إلى مسيرات شعبية في العاصمة والمدن دعا إليها الاتحاد العام للعمال الجزائريين دعما للجيش والانتخابات الرئاسية، وردّا على لائحة البرلمان الأوروبي ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.