ويشرع الفخفاخ في حشد الداعمين لتشكيل حكومة وصفها بـ"المصغّرة، تجمع بين الكفاءة والإرادة السياسية القوية، والوفاء لأهداف الثورة والثوابت الوطنية"، على حدّ توصيفه. وقد قال في تصريح له عقب تكليفه، إنه ملتزم بنتائج الانتخابات التي أبرزت رغبة في التغيير الجدي، لذلك ستكون حكومته متناغمة مع ما عبّر عنه التونسيون من إجماع على الحرص على التغيير الجدي في السياسات العامة ومؤسسات الدولة الصادقة والعادلة المنصفة للمناطق كافة، والتي تنهي عقوداً من الفقر والتهميش، وتعمل في ظلّ تعاون مستمر مع رئاسة الدولة بهدف تظافر الجهود لإنقاذ البلاد.
وتعهّد الفخفاخ بالامتناع عن الدخول في أي مناكفات سياسية والتركيز فقط على العمل من أجل رفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية، مع الالتزام بفتح المجال لأوسع حزام سياسي ممكن بعيداً عن الإقصاء والمحاصصة والوفاء للتوجه الأغلبي. واقتبس شعار حكومته من شعار "التيار الديمقراطي"، قائلاً إنها ستسعى لتحقيق أسس الدولة القوية الصادقة والعادلة.
ويعزّز موقف الفخفاخ في تمرير حكومته ونيلها الثقة عند عرضها على البرلمان أنها تعدّ حكومة الفرصة الأخيرة، ولا تحول بينها وبين إعادة الانتخابات التشريعية سوى فرضية حلّ البرلمان، في حال تم إسقاطها. ولكن تبقى مهمة حشد حزام برلماني قوي ومتين بمثابة التحدي الكبير أمام الفخفاخ الذي يقف وحيداً بلا حزب برلماني داعم أو كتلة قوية، لأنّ حزبه "التكتل الديمقراطي" فشل في الحصول على أي مقعد خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، كما لم يحظ الفخفاخ بدوره سوى بـ0.34 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية.
ويبدو أنّ الفخفاخ يضمن دعم كتلتي حزبي "تحيا تونس" و"التيار الديمقراطي"، اللذين اقترحاه على رئيس الجمهورية قيس سعيّد خلال المشاورات، أي بدعم برلماني يقارب 36 نائباً، في وقت أعربت فيه كتل عن ترحيبها به وأخرى أعلنت رفضاً ملفتاً، مشككةً بأحقيته في الوصول إلى هذا المنصب بعد فشله وفشل حزبه انتخابياً.
ورحبت قيادات "تحيا تونس" بانحياز سعيّد إلى مرشحها إلياس الفخفاخ، وكذلك عدد من الأحزاب الاجتماعية والتقدمية التي اعتبرت الأخير ابن الخط الثوري وسليل اليسار الاجتماعي. غير أنّ "التيار الديمقراطي" الذي زكى ترشح الفخفاخ، رأى أنّ مهمته بتشكيل الحكومة ليست بالأمر السهل، وتنتظر الرجل تحديات كبيرة ومشاورات طويلة مع الكتل والأحزاب.
وتعتبر الأحزاب التي تدعم الفخفاخ أنه قادر على قيادة "حكومة إنجاز"، على حدّ توصيف القيادي في "تحيا تونس" مروان الفلفال، الذي ثمّن في حديث مع "العربي الجديد"، اختيار الرئيس "لمرشح ذي كفاءة وقدرة وبرنامج إصلاحي قادر على إنقاذ البلاد". وأضاف أنّ الفخفاخ "يعدّ مرشحاً توافقياً يستطيع الجلوس مع جميع الأطراف السياسية وإقناعها برؤاه وبشراكة سياسية واسعة وحشد دعم المنظمات الوطنية حوله".
ولم يعطِ الفلفال أهمية كبيرة لانتقاد بعض السياسيين لاختيار الفخفاخ واعتباره امتداداً لزعيم "تحيا تونس" يوسف الشاهد، الذي بدت بصماته واضحة في هذا التكليف، مشيراً إلى أنّ "المرحلة تقتضي إصلاحات، واقتراح تحيا تونس لهذه الشخصية دافعه اقتناعه بها لا بحثه عن امتداد في الحكم".
من جهته، ينتظر "التيار الديمقراطي" برامج الرئيس المكلف وتشكيلة حكومته، وبناءً على ذلك سيقرر ما إذا كان سيدعم حكومته ويجمع حزاماً نيابياً لها، وفق ما أكده نائب الأمين العام للحزب محمد الحامدي، الذي حيا في تصريح لـ"العربي الجديد"، "اختيار سعيّد لوجه ذي لون سياسي مختلف، وذي بعد اجتماعي ينتمي لتونس بعد الثورة وجامع للمعرفة الاقتصادية والخبرة السياسية". وأشاد بعدم اختيار سعيّد للصيغ السهلة وفق عملية حسابية لأكثر المرشحين دعماً نيابياً، وإنما مارس دوراً تحكيمياً.
وعلى الرغم من أنّ الفخفاخ لم يكن مرشح حركة "النهضة"، صاحبة المركز الأول برلمانياً بـ54 نائباً، لكن يبدو أنّ الحركة قد تتوجّه لدعمه، على الرغم من أصوات الغاضبين داخلها والمحتجين على اختياره من قبل الرئيس التونسي.
وفي السياق، قال المتحدث الرسمي باسم "النهضة" عماد الخميري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ الحركة "لن ترفع الفيتو في وجه الفخفاخ وليست لديها اعتراضات شخصية عليه، على اعتبار أنه عمل في حكومات النهضة وكان حزبه، التكتل الديمقراطي، شريكاً في الحكم". وأضاف أنّ مؤسسات الحركة ستعلن موقفها رسمياً في وقت لاحق، موضحاً أنّ "قرار النهضة سيراعي المصلحة الوطنية للبلاد ولا شيء سواها".
كما علق القيادي في "النهضة"، ناجي الجمل، على تكليف الفخفاخ بالقول: "علينا الإقرار بكل تواضع ومرارة، بنجاح قيادتي حزبي تحيا تونس والتيار الديمقراطي في حسن اختيار مرشحيهم لرئاسة الحكومة، وخصوصاً في التسويق لهم، وبالفشل لما عداهما من قيادات الأحزاب ولا سيما النهضة وقلب تونس".
ويرى مراقبون أنه في حال حصلت "النهضة" على شروطها خلال مشاورات تشكيل الحكومة، فمن المرجح أن تصوّت لصالح حكومة الفخفاخ من أجل تثبيت استقرار البرلمان الذي يترأسه زعيم الحركة راشد الغنوشي من جهة، ومن جهة ثانية فرض هدنة سياسية تمكنها من رصّ ملفاتها المبعثرة وجمع أوراقها الداخلية.
في المقابل، بدا حزب "قلب تونس" متجهاً لعدم منح ثقته لرئيس الحكومة المكلف. وتساءل القيادي في الحزب، أسامة الخليفي، عن أسباب إجراء الانتخابات إذا ما تمّ تكليف شخصية فشلت في الانتخابات التشريعية والرئاسية، متوقعاً عدم قدرة الفخفاخ على جمع الدعم اللازم لهذه الحكومة. وأضاف الخليفي في تصريح صحافي، أنّ "قلب تونس" سيجتمع لتحديد موقفه الرسمي من المشاركة في الحكومة من عدمها والتصويت لها أو رفضها.
ومن جهته، رأى المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ اختيار سعيّد للفخفاخ يعكس إحياء التوليفة البرلمانية الأصلية التي جمعت "النهضة" بـ54 نائباً و"تحيا تونس" بـ14 نائباً و"التيار الديمقراطي" بـ22 نائباً و"حركة الشعب" بـ17 نائباً، كما يمكن أن تلتحق بها أصوات جماعية أو فردية من كتل أخرى، على غرار "الإصلاح الوطني" بـ15 نائباً و"المستقبل" بـ9 نواب، وحتى "ائتلاف الكرامة" صاحب الـ18 نائباً.
ولفت المؤدّب إلى أنّ حكومة الفخفاخ أمام فرضيتين؛ إمّا الحصول على حزام نيابي قوي فتكون حكومة برلمانية تستمرّ لسنوات وذلك بضمان تمثيل كل الكتل عبر الانفتاح على شخصيات حزبية ونواب من الكتل الداعمة، أو أنها ستكون حكومة موقتة بحزام برلماني هشّ لتجاوز عقبة حلّ البرلمان، ليتم إسقاطها بعد أشهر وتكليف حكومة أخرى.
ويرى متابعون أنّ الحلّ الأمثل أمام الفخفاخ هو تعيين مرشحي الكتل والأحزاب البرلمانية المقترحين لرئاسة الحكومة كوزراء في حكومته، حتى تكون جميع الكتل ممثلة فيها وحتى يضمن أكبر قدر من الدعم النيابي.
وينتظر الفخفاخ شهر صعب من المشاورات واللقاءات مع الأحزاب البرلمانية التي تقبع بين خيارين أحلاهما مر؛ إمّا القبول بالفرصة الأخيرة أو إعادة إجراء الانتخابات، خصوصاً أنّ سعيّد كان حازماً في بلاغ التكليف، إذ شدّد على أنّ المهلة شهر وحيد لتشكيل الحكومة، غير قابل للتجديد.
يذكر أنّ الفخفاخ من مواليد سنة 1972 في تونس، حاصل على الشهادة العليا في الهندسة، وكان قد عُين في ديسمبر/ كانون الأول عام 2012 وزيراً للمالية، كما تقلّد بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عقب الثورة التونسية منصب وزير السياحة، إذ عمل على وضع خطة استراتيجية لقطاع السياحة خلال خمسة أعوام.
وانخرط رئيس الحكومة المكلف في الحياة السياسية بعد الثورة التونسية. إذ التحق بحزب "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" لمؤسسه مصطفى بن جعفر، الذي تولى رئاسة البرلمان مباشرة بعد الثورة. وقاد الفخفاخ الحملة الانتخابية للحزب سنة 2011 وانتخب بعد المؤتمر الثالث للحزب رئيساً لمجلسه. كما خاض الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي آلت نتيجتها النهائية لقيس سعيد. لكنه لم يحصل سوى على 0.34 بالمائة من الأصوات، أي نحو 11532 صوتاً.
وتميزت فترة تولي الفخفاخ لوزارة المالية بوضعه برنامج إصلاح جبائي شامل وطموح بمشاركة الشركاء الاجتماعيين والفاعلين في القطاع المالي يرتكز على وضع نظام جبائي جديد مبسّط وأكثر عدالة.