عودة قضية ناصف ساويرس: ضغوط مالية وسياسية

29 سبتمبر 2016
ناصف ساويرس أغنى رجال الأعمال المصريين (سكوت أولسن/Getty)
+ الخط -


تتخذ حكومة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خطوات متصاعدة للضغط على كبار رجال الأعمال والمستثمرين المصريين لحثّهم على دفع المزيد من الأموال لصالح صندوق "تحيا مصر" الذي تديره الدائرة المخابراتية-الرقابية التي شكّلها السيسي لإدارة المشهد السياسي في البلاد، ويستفيد من أمواله الجيش في تنفيذ المشاريع التي يقوم بها.
وتؤكد مصادر حكومية مطلعة تعمل في وزارتي المالية والعدل أن من ضمن هذه الخطوات التصعيدية إعادة تفجير قضية الضرائب المستحقة على شركة أوراسكوم التي يرأسها رجل الأعمال ناصف ساويرس شقيق رجل الأعمال والسياسي نجيب ساويرس، والمقدرة بنحو 7,2 مليارات جنيه (نحو 811 مليون دولار) عن صفقة بيع شركة أوراسكوم للإنشاء وصناعة الإسمنت لشركة لافارج الفرنسية عام 2007.
وكانت هيئة مفوضي الدولة في محكمة القضاء الإداري قد أصدرت منذ أسابيع توصية بإلزام ساويرس بسداد هذا المبلغ لمصلحة الضرائب المصرية، مع إلغاء قرار لجنة الطعن الضريبي الصادر عام 2014 بإعفاء الصفقة من الضرائب المستحقة عليها، وتأييد التفاهم الذي تم في إبريل/نيسان 2013 بين مصلحة الضرائب وساويرس على سداد مبلغ 7,2 مليارات جنيه على أقساط بدلاً من 14 مليار جنيه (نحو مليار و580 مليون دولار) كانت قد احتسبتها في البداية.
وكان النائب العام الأسبق طلعت عبدالله قد أصدر قراراً في مارس/آذار 2013 بمنع ناصف ونجيب ساويرس ووالدهما أنسي من السفر على ذمة مطالبتهم بسداد هذه الضريبة، مما أجبرهم على المطالبة بالتفاوض مع مصلحة الضرائب للوصول إلى القيمة المذكورة والاتفاق على تقسيطها بصورة معينة، إلا أن ناصف ساويرس استصدر قراراً بإعفائه من لجنة الطعن الضريبي، وأوقف بذلك حكماً ابتدائياً غيابياً حصلت عليه مصلحة الضرائب بحبسه 3 أشهر وتغريمه.
وجاءت توصية هيئة المفوضين الأخيرة في وقت كان ساويرس يعتقد فيه أن القضية قد انتهت إلى الأبد، خصوصاً بعد سداده مبلغ 2,5 مليار جنيه (نحو 282 مليون دولار) لصندوق "تحيا مصر" كدعم للسيسي الذي تتراوح علاقته مع آل ساويرس منذ توليه السلطة بين الشد والجذب والمنح والمنع، حسب حجم ما يسددونه لصندوقه من دون سند قانوني يذكر.
وتقول المصادر الحكومية إن القضية التي صدر فيها التقرير مرفوعة من مصلحة الضرائب ذاتها ضد قرار لجنة الطعن الضريبي، وكانت مجمدة في أدراج هيئة المفوضين، إلى أن أمر رئيس مجلس الدولة السابق جمال ندا، المعروف بعلاقته الوطيدة بالحكومة، بتحريكها بإيعاز من أحد قضاة المجلس المنتدبين في وزارة المالية.
وتوضح المصادر أن "تقرير المفوضين لم يكن ليتم الإعلان عنه لولا رغبة مصلحة الضرائب حالياً في زيادة عوائدها المالية، كجزء من خطة الدولة في زيادة حصيلتها من أنشطة رجال الأعمال"، وأن ناصف ساويرس، وعلى الرغم من تصريحاته المتكررة هو وشقيقه تأييداً للسيسي، إلا أنه لم يسدد أي مبالغ إضافية لصندوق "تحيا مصر" على الرغم من كونه أغنى رجل أعمال مصري حالياً. ووفقاً لقائمة "فوربس" لأثرياء العالم الصادرة في مارس/آذار الماضي، فإن ناصف ساويرس قد تصّدر قائمة أغنى رجال الأعمال المصريين، وفي المركز 421 عالمياً، بثروة صافية تبلغ 3,7 مليارات دولار، فيما كانت ثروته في العام الماضي تبلغ 6,3 مليارات دولار.


وتكشف المصادر أن ناصف ساويرس جاء اسمه على رأس تقرير أعدته لجنة سرية من مصلحة الضرائب وهيئة الرقابة الإدارية والبنك المركزي، أمر بتشكيلها السيسي منذ 5 أشهر، لتحديد رجال الأعمال الذين يمكن للدولة أن تتخذ إجراءات ضدهم لتحصيل أموال يشتبه في أحقية الدولة بها، وذلك على هيئة ضرائب مقسطة أو محل طعن، أو رسوم وجمارك مؤجلة، مشيرة إلى أن "القائمة التي أعدتها هذه اللجنة تشمل أكثر من 450 من كبار رجال الأعمال، بدأت الجهات الحكومية المختصة بالتعامل معهم، كلاً على حدة، حسب حالته، لتحصيل مزيد من الأموال".
وتصف المصادر هذه اللجنة بأنها "شبيهة بلجنة استرداد الأموال التي يرأسها حالياً رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب، لكنها تحت سيطرة هيئة الرقابة الإدارية بشكل كامل، ولا تكتفي الهيئة بالمساهمة في تحديد أسماء رجال الأعمال المطلوب تحصيل الأموال منهم، ولكن تمتد مهمتها وفقاً لتوجيهات السيسي، للإشراف على الإجراءات التي تتخذها الجهات الحكومية مع هؤلاء المستثمرين، للتأكد من صرامتها وجديتها في التحصيل".
ولا يتصادم هذا الاتجاه الجديد مع الاتجاه الذي يتبناه السيسي منذ توليه السلطة للتصالح مع رجال الأعمال المصريين والعرب في منازعات الاستثمار، فالاتجاهان يتفقان على ضرورة تحصيل المزيد من الأموال، مقابل فض المنازعات، أو عدم التعرض لرجال الأعمال بالمطالبات القضائية بالضرائب أو الرسوم.
ووفقاً لهذه الإجراءات المتصاعدة، تتوقع المصادر أن يصدر حكم محكمة القضاء الإداري في قضية ناصف ساويرس خلال العام القضائي الجديد الذي يبدأ مطلع أكتوبر/تشرين الأول المقبل، مستطردة "حتى إذا قضت المحكمة بعدم أحقية الضرائب بالحصول على أموال إضافية في صفقة لافارج على عكس توصية هيئة المفوضين، فإن ساويرس سيبقى تحت الضغط، لأن هناك مرحلة تالية للتقاضي بالمحكمة الإدارية العليا، وقد يفضل ساويرس أن يسدد مبلغاً إضافياً لصندوق "تحيا مصر" كما فعل منذ عامين ونصف لمنع تكرار التصعيد ضده".
ويبدو أن أسباب إعادة تفجير القضية لا تقتصر على الجانب الاقتصادي والجباية المالية فقط، بل تتعلق بالأوضاع السياسية أيضاً. ويكشف المصدر الحكومي العامل في وزارة العدل أن "دائرة السيسي رصدت عن كثب تحركات جديدة لجمال مبارك، نجل الرئيس المخلوع حسني مبارك، واتصالات بينه وبين رجال الأعمال المقربين منه، بما في ذلك ناصف ساويرس الذي كان عضواً بأمانة قطاع الأعمال بالحزب الوطني الحاكم قبل ثورة 25 يناير 2011"، مشيراً إلى "عدم توافر معلومات مؤكدة عن طبيعة هذه الاتصالات، وما إذا كانت تتعلق بأعمال أسرة مبارك وأسهمها في مشاريع خارج مصر، أم بتنسيق سياسي".
ويضيف المصدر أن "رجال الأعمال الذين تم رصد اتصالاتهم بجمال مبارك بعد خروجه من السجن ليسوا فقط نجوم الصف الأول مثل ساويرس وأحمد عز، بل أيضاً رجال أعمال محدودي مجالات الاستثمار كانوا جميعاً أعضاء ونوابا عن الحزب الوطني المنحل، وتم رصد شروع بعضهم في استثمار أمواله في مشروعات إعلامية من المحتمل استخدامها للترويج لجمال مبارك كمرشح مقبل لرئاسة الجمهورية بعد زوال العقوبة التبعية عنه بحرمانه من الترشح خمس سنوات بعد إدانته في القضية المعروفة إعلامياً بفساد القصور الرئاسية".
ويشدد المصدر على أن "هناك رفضاً حاسماً لعودة جمال مبارك أو أحمد عز أو المقربين منهم للمشهد السياسي، في صورة حزب أو جمعية، وهناك شكوك في تواصلهما مع نواب ورجال أعمال مشاهير كانت تربطهما بهم علاقات عمل، خصوصاً في مجموعتي القلعة وأوراسكوم الاستثماريتين، على الرغم من إعلان أبرز الأسماء في هاتين المجموعتين كأسرة ساويرس وأحمد محمد حسنين هيكل وسامح الترجمان وغيرهم تأييدهم للسيسي، وسابقة تبرعهم لصندوق "تحيا مصر" وتراجع تأثيرهم السياسي بشكل ملحوظ".
وقدّم نجيب ساويرس أخيراً العديد من عرابين التقرب للسيسي، كان أبرزها الدعاية له ولنظامه وتأييد حليفه المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب خلال رحلته الأخيرة للولايات المتحدة، وتصريحاته المتكررة في وسائل الإعلام عن تأييد سياسات السيسي الاقتصادية وقصر هجومه على جزئيات صغيرة تتعلق بالجهات المنفذة لتلك السياسات.