يوم طويل من ابتزاز المحاصرين في حلب

18 ديسمبر 2016
تظاهرة تضامنية مع أهالي حلب في بروكسل (دورسان ايدمير/الأناضول)
+ الخط -



لا تشير المعطيات السياسية والميدانية إلى قرب انتهاء معاناة نحو خمسةٍ وأربعين ألف مدني محاصرين في أحياء شرق حلب من قِبل النظام السوري والمليشيات المساندة له، في ظل عقبات تعيق تنفيذ الاتفاقات المتتالية لإخراجهم، وغياب أي رقابة دولية تمنع الانتهاكات لهذه العملية. وقد كرّست روسيا أمس الأحد مسار التعطيل بإسقاط مشروع قرار فرنسي في مجلس الأمن الدولي لإرسال مراقبين دوليين إلى شرق حلب، بعدما استبق السفير الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين التصويت على مشروع القرار الذي حدد موعده الاثنين، بإعلانه أمس الأحد أن بلاده ستستخدم الفيتو ضده، معتبراً أن نصه "كارثة". في المقابل، قامت روسيا بتوزيع مشروع قرار بديل عن المشروع الفرنسي حول حلب. وكان المشروع الفرنسي قد نصّ على الطلب من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن ينشر سريعاً في حلب موظفين إنسانيين تابعين للمنظمة وموجودين أصلاً في سورية "لمراقبة ملائمة وحيادية وللسهر بشكل مباشر" على عملية "إخلاء المناطق المحاصرة من حلب". كما نصّ على أن تشرف الأمم المتحدة على نشر مزيد من الموظفين، وطلب من النظام السوري السماح بانتشار هؤلاء المراقبين. كذلك طلب حماية الأطباء والطواقم الطبية والمستشفيات، وأشار تحديداً إلى مستشفيات البلدات المحيطة بحلب حيث سيتم نقل من سيتم إجلاؤهم.
هذه العرقلة الروسية جاءت فيما كان نحو 45 ألف مدني محاصرين شرقي حلب يعيشون أمس يوماً طويلاً مليئاً بالابتزاز، في انتظار بدء خروج دفعات جديدة منهم، نحو ريف حلب الغربي ومحافظة إدلب. فبعد عرقلة المليشيات المدعومة إيرانياً (يومي الثلاثاء والجمعة) الاتفاقات السابقة، أُقِر اتفاقٌ من ثلاث مراحل، بين المفاوضين من المعارضة ومحور النظام، من المفروض أن يخرج وفقه جميع المدنيين ومقاتلي المعارضة من مدينة حلب، على أن يخرج في 3 دفعات أربعة آلاف شخص من كفريا والفوعة في ريف إدلب، ويتم في المرحلة الأخيرة خروج 1500 شخص من الزبداني ومضايا في ريف دمشق.
وحصلت "العربي الجديد" على بنود الاتفاق الذي تم التوصل له ليل السبت-الأحد، وهو مكوّن من ثلاث مراحل، تم البدء بتنفيذ الأولى منها منذ نحو الساعة الثانية عشرة ظهر أمس، قبل أن تواجه عقباتٍ حالت حتى مساء أمس دون إتمام التنفيذ. وتتضمن المرحلة الأولى، خروج 1250 شخصاً من بلدتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام، والمحاصرتين من قِبل فصائل "جيش الفتح" في ريف إدلب الشمالي الشرقي، عبر حافلات إلى مناطق سيطرة النظام في محافظة حلب، على أن يتم في هذه المرحلة إخراج نصف المحاصرين في حلب. ويخرج في الدفعة الثانية، 1250 شخصاً من بلدتي الفوعة وكفريا، على أن يُستأنف إجلاء النصف الثاني من المُحاصرين حالياً في أحياء المشهد والأنصار والزبدية وصلاح الدين، على أن يخرج في الدفعة الثالثة، ألف وخمسمائة شخص من الفوعة وكفريا، بالتزامن مع خروج العدد نفسه من الزبداني ومضايا في ريف دمشق، واللتين تحاصرهما قوات النظام و"حزب الله" اللبناني.
وبدأت آليات تنفيذ الدفعة الأولى قبل ظهر أمس الأحد، إذ تحركت نحو 25 حافلة، برفقة الهلال الأحمر السوري، نحو بلدتي كفريا والفوعة، مقابل استعداد آلاف المحاصرين الذين تجمّعوا في حي السكري في حلب، للانطلاق عبر حافلاتٍ تقلهم إلى مناطق سيطرة المعارضة في ريف حلب الغربي ومحافظة إدلب. بالتزامن، كانت وسائل إعلام وصفحات موالية للنظام على الإنترنت، تتحدث بأنه لن يتم السماح للمدنيين والمقاتلين المحاصرين في أحياء بحلب، بمغادرتها قبل أن يخرج مزيدٌ من الأشخاص الذين تم الاتفاق على إجلائهم من بلدتي كفريا والفوعة. لكن النقيب في "جيش المجاهدين" العامل في حلب أمين ملحيس أكد لـ"العربي الجديد"، أن عمليات الخروج من الطرفين ستتم بالتزامن.


وسارت المعطيات الميدانية وفق هذه الصورة أمس، إذ تحركت الحافلات التي ستقل 1250 شخصاً من كفريا والفوعة إلى البلدتين نحو الثانية بعد الظهر، بالتزامن مع تحرك حافلات أخرى إلى الأحياء المحاصرة في حلب. وقالت مصادر ميدانية في إدلب لـ"العربي الجديد" عصر أمس، إنه كان من المفترض، ومع تحرك الحافلات لخروجها من كفريا والفوعة، أن يتم إخطار الجانب المفاوض من طرف المعارضة في حلب، لتتحرك الحافلات التي وصلت لأحياء حلب المحاصرة، نحو الراموسة، ثم مناطق سيطرة المعارضة في ريف حلب الغربي ومحافظة إدلب.
وتجري عمليات الإخلاء هذه، بحضور الهلال الأحمر السوري ومنظمة الصليب الأحمر، إذ قالت المتحدثة باسم المنظمة إلودي شيندلر لـ"رويترز" صباح أمس: "نحن نستعد لاستئناف عمليات إجلاء الناس من شرق حلب ونأمل أن يكون ذلك هذا الصباح (أمس)"، فيما قالت ممثلة منظمة الصحة العالمية في سورية إليزابيث هوف، إن فريقاً تابعاً لها، توجّه إلى منطقة الراموسة جنوب غرب حلب، وهي تقع على بعد أقل من كيلومترين جنوبي حي السكري، حيث سيُصار إلى استئناف إخلاء المحاصرين من حلب.
وحتى ساعات العصر، لم تخرج الحافلات التي دخلت إلى كفريا والفوعة، ولا تلك التي دخلت إلى أحياء حلب المحاصرة، فيما كان مسلحون مجهولون قد أحرقوا وعرقلوا مرور خمس حافلات، أثناء استعدادها للدخول إلى كفريا والفوعة، ما عرقل إتمام التنفيذ حتى ساعات متأخرة من عصر أمس. هذا الأمر علّق عليه الجيش السوري الحر في حلب، معتبراً في بيان أن "هذا العمل الفردي الذي قام به أفراد غير مسؤولين، جريمة في حق الثورة ومقامرة بمصير أهلنا الصامدين المحاصرين في مدينة حلب". وأضاف أن تعطيل خروج قافلة الفوعة وكفريا "عمل متهور من شأنه تعريض حياة نحو 50 ألف محاصر للخطر"، معلناً أن "فصائل الثورة تتبرأ من هذا العمل".
وفيما جرت اتصالات بين مختلف الأطراف، لإتمام تنفيذ الاتفاق الجديد، فقد شكك القائد السابق للمجلس العسكري في حلب وريفها العميد زاهر الساكت، بالتزام النظام والمليشيات الإيرانية التي تسانده بتنفيذ بنود الاتفاق الجديد، "خصوصاً مع غياب وجود مراقبين أممين لتنفيذه". كذلك أبدى في حديث لـ"العربي الجديد" تخوّفه من أن يبدأ "محور النظام-روسيا-ايران بشن هجماتٍ قاتلة لآلاف الناس في محافظة إدلب بعد تهجير سكان شرق حلب"، إذ باتت إدلب تجمعاً لأغلب الفصائل التي تقاتل النظام. يُذكر أن جميع مقاتلي المعارضة الذين خرجوا من مناطق ريف دمشق في السابق عبر اتفاقيات (داريا، معضمية الشام، قدسيا، الهامة، خان الشيح، التل) توجّهوا إلى إدلب، التي سيتوجه لها الآن أيضاً، مقاتلون في فصائل كانت تقاتل النظام ضمن أحياء شرقي حلب.