سورية: روسيا تستغل الانتخابات الأميركية لإبادة حلب

09 نوفمبر 2016
"درع الفرات" تواصل التقدم باتجاه الباب (مأمون أبو عمر/الأناضول)
+ الخط -
استغلت روسيا والنظام السوري انشغال العالم بالانتخابات الرئاسية الأميركية لشن حرب إبادة في حلب، والضغط على فصائل المعارضة السورية للاستسلام والإذعان للشروط الروسية بالانسحاب من المدينة، مهددة باستخدام أقوى أسلحتها التدميرية، وهي صواريخ "كاليبر" المجنحة، بالإضافة إلى مشاركة الطائرات الحربية الموجودة على متن حاملة الطائرات في البحر المتوسط، وأخرى بعيدة المدى. وقال مصدر عسكري روسي، في تصريح لموقع "غازيتا رو" الإلكتروني أمس الثلاثاء، إن "مجموعة السفن الحربية الروسية، التي تقودها حاملة الطائرات الأميرال كوزنيتسوف، ستنضم إلى معركة حلب في غضون ساعات، وستوجه ضربة إلى الإرهابيين على مشارف المدينة". وأضاف أنه "من المتوقع توجيه الضربة التي ستشارك فيها الطائرات الحربية، من على متن حاملة الطائرات، بالإضافة إلى إطلاق صواريخ كاليبر المجنحة، إلى مواقع الإرهابيين على مشارف حلب، وليس في الأحياء السكنية في المدينة". وذكر المصدر أن "مجموعة السفن التابعة لأسطول الشمال الروسي والتي تضم، بالإضافة إلى الأميرال كوزنيتسوف، الطراد الذري الصاروخي الكبير بطرس الأكبر، والسفينتين سيفيرومورسك والفريق البحري كولاكوف الكبيرتين المضادتين للغواصات، وصلت إلى سواحل سورية، وتستعد لضرب مواقع الإرهابيين في غضون 24 ساعة. تكمن المهمة الرئيسية لمجموعة السفن في المشاركة، بالتعاون مع سفن أسطول البحر الأسود، وطائرات من الطيران الاستراتيجي وبعيد المدى، والطائرات الحربية في قاعدة حميميم الجوية بريف اللاذقية، في توجيه ضربات جوية وصاروخية إلى عصابات الإرهابيين على تخوم حلب، والتي تحاول اختراق المدينة". ووصف "الضربات المزمع توجيهها، بأنها ستكون واسعة النطاق"، مضيفاً أن "العسكريين الروس سيستخدمون نماذج حديثة من الأسلحة، بما في ذلك صواريخ كاليبر عالية الدقة".

إلى ذلك، تحاول قوات النظام السوري، ومليشيات طائفية إيرانية، استعادة زمام المبادرة في مدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري، إثر تراجعها تحت ضربات المعارضة السورية أخيراً، حيث شنت هجوماً في غرب المدينة، استعادت عبره مواقع خسرتها قبل مدة. كما يسعى النظام إلى انتهاز فرصة انشغال العالم بالانتخابات الأميركية، للضغط بشكل وحشي على الغوطة الشرقية بهدف إخضاعها، من خلال ارتكاب مجازر بحق مدنيين، في الوقت الذي لم يفارق فيه الطيران الروسي، ومقاتلات النظام، سماء محافظة إدلب، حيث ارتكبت الأخيرة مجزرة راح ضحيتها العشرات، بينهم أطفال.

وشنت قوات النظام، ومليشيات طائفية صباح أمس الثلاثاء، هجوماً في غرب حلب، لاستعادة ما خسرته من مواقع منذ بدء معركة "ملحمة حلب الكبرى"، التي بدأتها قوات المعارضة أخيراً. وقال ناشطون إن قوات النظام والمليشيات التي تساندها استعادت بالفعل عدة كتل من الأبنية في مشروع 1070 شقة السكني في حي الحمدانية غرب حلب، إثر معارك مع قوات "جيش الفتح" التابع للمعارضة السورية المسلحة. وأكدت مصادر في المعارضة أن المعارك "لا تزال مستمرة"، نافية الأنباء التي يروجها إعلام النظام عن سيطرة قوات النظام على أجزاء واسعة من مشروع 1070 شقة، مشيرة إلى أن الطيران الروسي "يشارك بضراوة" في المعارك، مضيفة "لكن مقاتلي المعارضة صامدون، ويحاولون صد الهجوم".

وكان من المتوقع أن تستأنف قوات النظام والمليشيات الطائفية العمليات العسكرية واسعة النطاق بالتزامن مع انشغال العالم بالانتخابات الأميركية، من أجل إيقاف قوات المعارضة عن التوغل أكثر في أحياء حلب الغربية، وتوسيع دائرة سيطرتها، وعزل الأكاديمية العسكرية، أقوى الحصون العسكرية التابعة للنظام، وأكثرها تحصيناً في غرب المدينة. واستعادت فصائل المعارضة المسلحة، أمس، حي العويجة شمالي مدينة حلب، إثر اشتباكات مع قوات النظام والمليشيات الطائفية، التي شنت، مساء أول من أمس، هجوماً على الحي، وسيطرت على عدة نقاط داخله، لكن قوات المعارضة كبدتها خسائر كبيرة، وأعادت بسط سيطرتها الكاملة على المنطقة. وأكدت وكالة النظام "سانا"، أن قوات الأخيرة استعادت، بالتعاون مع ما أطلقت عليها اسم "القوات الرديفة والحلفاء"، السيطرة بشكل كامل على مشروع 1070 شقة، والمزارع والتلال المحيطة به جنوب غرب حلب. وجاء هجوم قوات النظام والمليشيات الطائفية بعد يوم من تأكيد الكرملين، أن سلاح الجو الروسي سيلتزم بوقف إطلاق النار في حلب، ما لم يشن مقاتلو المعارضة هجوماً، ما يؤكد مرة أخرى عدم احترام موسكو لتعهداتها.
واكد النقيب عبد السلام عبد الرزاق، المتحدث العسكري باسم "حركة نور الدين زنكي"، كبرى فصائل المعارضة في مدينة حلب، أن روسيا وإيران، ونظام بشار الأسد، وضعوا كل ثقلهم العسكري على الجبهة الغربية في حلب، موضحاً، في حديث مع "العربي الجديد"، "أنهم يستخدمون قوة تدميرية كبيرة".


بموازاة ذلك، قُتل وأصيب عشرات المدنيين، بينهم أطفال ونساء، في عدة مدن وبلدات في ريف إدلب شمال غرب البلاد، بقصف جوي من الطيران الروسي ومقاتلات النظام. وقال ناشطون إن عشرة مدنيين، بينهم أربعة أطفال وامرأة، قتلوا بقصف من طائرات حربية على مدينة خان شيخون. كما قُتل وأصيب مدنيون في مدينة إدلب مركز المحافظة، وفي بلدة بنّش، وفي معرة مصرين بقصف من الطيران الروسي بقنابل عنقودية وفسفورية.

حرب إبادة في الغوطة

وواصل الطيران الروسي، ومقاتلات النظام، حرب الإبادة في الغوطة الشرقية لدمشق، في مسعى لإخضاعها، وتكرار سيناريو التهجير. وقال ناشطون محليون إن هناك تصعيداً كبيراً على غوطة دمشق الشرقية، التي تعرضت أمس لعشرات الغارات الجوية، ما أدى إلى مقتل وإصابة عشرات المدنيين. وقال الناشط محمد المحمد، لـ"العربي الجديد"، إن أربعة مدنيين قتلوا، وأصيب آخرون، بقصف لطائرات النظام استهدف النشابية، والزريقية، وأوتايا في منطقة المرج. كما قتل سبعة مدنيين في قصف جوي آخر استهدف الأحياء السكنية في مدينة دوما بريف دمشق، تبعه قصف من ثكنات النظام بصواريخ تحمل قنابل عنقودية استهدف سوقاً في المدينة. وأصيب مدنيون بقصف جوي لطيران النظام على عين ترما وزملكا وحرستا وعربين، أدى أيضاً إلى دمار بالممتلكات والمنازل. ويمارس النظام سياسة "الضغط المتوحش" على فصائل المعارضة السورية في الغوطة الشرقية، من خلال قتل أكبر عدد من المدنيين لإجبارها على الرضوخ لإملاءاته، وأبرزها الخروج من الغوطة إلى مناطق الشمال السوري، كما سبق وحدث في العديد من المناطق في محيط دمشق من أجل تأمين العاصمة.

ومن المرجح أن يصعّد النظام من غاراته الجوية على مدن وبلدات الغوطة في الأيام القليلة المقبلة من أجل تمهيد الطريق لقواته، التي تحاول التقدم أكثر في عمق مناطق المعارضة، بعد سيطرتها منذ أيام، على منطقة تل كردي القريبة من مدينة دوما، أهم معاقل المعارضة السورية في غوطة دمشق الشرقية. وتركز القصف أمس على هذه المدينة، وهي المعقل الأبرز لـ"جيش الإسلام"، حيث بث ناشطون صوراً ومقاطع فيديو تحوي مشاهد مروعة، عن القتلى والمصابين، وتظهر حجم الدمار الذي لحق بمنازل وممتلكات المدنيين.

معركتا الرقة والباب

وأعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، أمس الثلاثاء، أن واشنطن وعدت أنقرة بعدم دخول المليشيات الكردية إلى الرقة، وذلك بعد يوم من إعلان رئيس هيئة الأركان الأميركية، جوزيف دانفورد، أن التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، سيعمل مع تركيا على إعداد خطة بعيدة المدى من أجل تحرير الرقة والمحافظة عليها وإدارتها. وقال جاووش أوغلو، في أنقرة، إن الولايات المتحدة وعدت تركيا بأن القوات الكردية ستشارك فقط في حصار الرقة، لكنها لن تدخل المدينة بعد تحريرها. وأعرب عن الأمل في أن تفي الولايات المتحدة بهذا الوعد، لكنه أضاف أن واشنطن تعهدت أيضاً في وقت سابق بانسحاب المقاتلين الأكراد من مدينة منبج، وهو ما لم يحدث. وأكد أن بلاده تفضل دخول سكان المدينة العرب وربما تشارك في ذلك قوات برية تركية. وتابع "لن تكتمل عملية الرقة قبل أسابيع. نصيحتنا للقوات المحلية أن تحصل على دعم من القوات الخاصة". وأعرب عن اعتقاده بإمكانية نجاح عملية تحرير الرقة عبر العناصر المحلية والقوة الخاصة لبلدان التحالف الدولي، و"بهذا الشكل يمكن كسب دعم السكان المحليين، ولكن يجب علينا ألا نرغم السكان على الاختيار بين شيطانين، في حال دخول قوات حزب الاتحاد الديمقراطي".

في غضون ذلك، تتواصل الاشتباكات بين "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، وبين تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) شمال مدينة الرقة. وقال ناشطون إن "قسد" حققت تقدماً محدوداً في محيط بلدة عين عيسى، إذ سيطرت على قرية لقطة، مشيرين إلى أن "داعش" فجر جسور قنوات الري قرب عين عيسى، في محاولة لإعاقة هجوم "قسد"، التي بدأت مساء السبت الماضي عملية "غضب الفرات"، بإسناد جوي من طيران التحالف الدولي واشراف مباشر من خبراء أميركيين وفرنسيين من أجل "عزل" الرقة قبل استعادة السيطرة عليها من "داعش" الذي فرض سيطرة مطلقة على المحافظة مطلع 2014، وأصبحت معقله الأبرز في سورية.
وتواصل قوات تابعة للمعارضة السورية بدعم تركي، تقدمها باتجاه مدينة الباب، آخر معاقل "داعش" في شمال شرق حلب. وقال ناشطون إن هذه القوات سيطرت على قريتي سوسنباط وترحين شمال المدينة، في وقت أكد فيه قائد ميداني في لواء "السلطان مراد"، المشارك في عملية "درع الفرات" التي بدأت أواخر أغسطس/آب الماضي أن "لا تراجع عن السيطرة على مدينة الباب"، في تأكيد على أن مساعي الوحدات الكردية بالتقدم نحوها ستبوء بالفشل.