بهرام قاسمي: لا نسمح بتقسيم سورية ولدينا اتصالات بـ"طالبان"

14 مايو 2017
قاسمي: هناك مساعٍ لمحاصرة إيران ومحاربتها وشيطنتها (العربي الجديد)
+ الخط -
يعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، في حوار مع "العربي الجديد"، أن طهران جاهزة لإطلاق حوار مع الرياض، شريطة تراجعها عن سياساتها إزاءها، مؤكداً وجود مبادرات ووساطات لتحسين الوضع. ويشدد قاسمي على موقف بلاده مما يجري في سورية واليمن، نافياً كل الاتهامات الموجهة لطهران، مشيراً إلى وجود اتصالات بين إيران وحركة "طالبان" في أفغانستان حول أمن الحدود المشتركة. ويعلق الرجل بدبلوماسية على التوتر الأخير مع باكستان، من دون أن ينفي إمكانية تصاعد حدّته، إذ صدرت تصريحات عسكرية هددت بتجاوز حدود هذا البلد لمحاربة الإرهاب. قاسمي، الذي تولى منصبه كمتحدث رسمي باسم الخارجية الإيرانية منذ يونيو/حزيران العام الماضي، كان سفيراً لبلاده في كل من إيطاليا وإسبانيا. كما أنه رئيس دائرة الدراسات الدولية في مركز التحقيقات التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام.


* يُنظر إلى إيران اليوم من قبل العديد من دول الجوار على أنها مصدر تهديد. ألا يضع هذا عليكم مسؤولية المبادرة لاتخاذ خطوات تطمينية؟
هناك مساعٍ عدة لمحاصرة إيران ومحاربتها وشيطنتها، وكل الادعاءات المطروحة غير واقعية. إن الدور الإيراني في الإقليم نابعٌ من مكانتها ومقوماتها الجغرافية والحضارية والاقتصادية. نحن لا نفرض سياساتنا على أحد بالقوة، ولا نحمّل رغباتنا لأطراف ثانية. من يرون في إيران تهديداً يحققون عملياً خطة مُعَدٌّ لها مسبقاً، لكن هذه المساعي لن تصل إلى نتيجتها المرجوة.

* التوتر الإيراني السعودي ينعكس على الكثير من الملفات، بل وكان مسبباً لبعضها. دار الحديث منذ فترة عن وجود وساطات أطلقتها دول تحاول أن تقرّب بينكما. إلى أين وصلت هذه المبادرات، ومن هي هذه الأطراف؟

لا أعتقد أن العلاقات مع السعودية تحتاج بالضرورة إلى وسيط. ملفاتنا العالقة ليست بذلك التعقيد. ما أثر على العلاقات الثنائية بين البلدين ناتج بالأساس عن سوء فهم واتهامات واهية لإيران. بعد التوصل إلى الاتفاق النووي تخوفت عدة أطراف، ومنها السعودية، من تعاظم الدور الإيراني وعودة البلاد للمشهد الدولي بقوة. نحن جاهزون لفتح حوار ثنائي، إذا ما أوقفت السعودية تصريحاتها وسياساتها المضادة لإيران. لا نريد استمرار المشكلات مع الدول الجارة، وسياستنا الخارجية تقوم على مبدأ بناء علاقات بناءة مع الآخرين، والدول الخليجية جزءٌ من هذه المعادلة. في الحقيقة هناك تواصل مع أطراف في المنطقة حول ملفات العلاقات الثنائية مع إيران والعلاقات الإقليمية والدولية. أجرينا اتصالات وزيارات متبادلة بين إيران وكل من قطر والكويت وسلطنة عمان، ولكني أستطيع أن أجزم أن المشكلة الرئيسية في المنطقة تعود للعلاقات المتوترة بين إيران والسعودية.


* ما يجري في اليمن ملف خلافي بين الرياض وطهران، وعدد من الأطراف. هل قمتم باستنساخ تجربة "حزب الله" في اليمن، وما الدور الذي لعبته بلادكم وأثّر على انقلاب "أنصار الله" (الحوثيين)؟
هذه مجرد اتهامات. نحن على قناعة بأنه عندما لا يستطيع طرف أن ينتصر على طرف آخر فسيبدأ بمقاومته بأي شكل، لذا يتم الترويج بأن "أنصار الله" يتلقون دعماً. أعتقد أن السعودية ارتكبت خطأ كبيراً واعتدت على اليمن، وهذا غير مقبول من الطرف الإيراني. الشعب اليمني صبور، قوي ومحارب، وتختلف ظروفه المعيشية عن بقية سكان المنطقة. من جهة ثانية، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن السلاح منتشر كثيراً بين اليمنيين. وبوجود هذه الوقائع، التي لم تحسب الرياض لها حساباً، فإنها توقعت انتهاء الأمور لصالحها خلال فترة وجيزة، ولم تكن تتخيل وجود مقاومة شعبية. اليمن بالأساس بلد بعيد، والطريق نحوه غير مفتوحة، ولا يمكن لإيران أن تصل إليه. فكيف يتهمونها بتهريب الأسلحة التي لا يحتاجها اليمنيون أصلاً؟

* لكن قبل مدة أسقطت القوات الإماراتية طائرة من دون طيار إيرانية الصنع، هل تنفي هذا أيضاً؟
نعم أنفيه. نحن لا نتدخل، لا عسكرياً ولا مالياً، في اليمن.

* في ما يتعلق بالملف السوري. كيف تنظر إيران إلى مفاوضات جنيف، وما الفروقات التي تراها بينها وبين أستانة؟
ما يجري في سورية معقد ومأساوي، وبدأ بخروج مجموعات حاولت تغيير الواقع على الأرض وتقرير مصير السوريين، وقد حصل هؤلاء على رعاية مالية وعسكرية، والموقف الإيراني كان واضحاً منذ البداية ونكرره اليوم: مصير سورية يقرره السوريون أنفسهم، وهو ما يجب أن يتحقق ضمن أجواء سياسية. إن الأطراف التي فتحت حدودها، وأمنت الدعم لبعض المجموعات المسلحة، ظناً منها أن الأمور ستنتهي إلى صالحها خلال فترة وجيزة، فشلت وعاد أفرادها إليها وشكلوا تهديداً إرهابياً. كثر تراجعوا عن سياساتهم، واقتنعوا بعدم وجود بديل لبشار الأسد، وبأن عدم وجوده في السلطة يعني فقدان من سيواجه "داعش". نحن ما زلنا نؤكد على المفاوضات السياسية، والتي حصلت بالفعل بتقارب وجهات النظر الروسية التركية الإيرانية في أستانة، وهي مباحثات ذات هدف دقيق وخطة عمل محددة، وهو ما يجعلها مختلفة عن جنيف. لكل منهما مهمة مختلفة، وقد انطلقت محادثات أستانة بناء على التوصل لقرار وقف إطلاق النار ومراقبة تطبيقه وضمان استمراره، وهو ما اتفق عليه الأطراف الثلاثة والحكومة السورية وبعض المعارضين. أما طاولة جنيف فتضم فاعلين كثراً، يضاف إليها الأمم المتحدة، ومع ذلك نحن نعتبر أن (مفاوضات) أستانة لن توصل السوريين لحل قضيتهم بالكامل، وإنما هدفها تهيئة الأرضية اللازمة لعقد طاولة حوار مجدية.

* يصف البعض التعاون الإيراني الروسي في سورية بتعاون المصالح والضرورة، لوجود تقاطعات واختلافات بينكما. وفي الوقت ذاته تعقد القيادة الروسية لقاءات مع مسؤولين أميركيين، كاللقاء الذي جمع وزيري خارجية البلدين أخيراً. أين إيران من هذا؟

يتعدد الفاعلون والمؤثرون في الأزمة السورية، فملفها معقد ولا يرتبط ببلد واحد، ومن الطبيعي أن يصبح محط تركيز كثر. أما عن علاقاتنا مع روسيا، فأستطيع وصفها بالهامة، كوننا اتفقنا على مبدأ واحد، ألا وهو الحرب على الإرهاب، وهو ما استلزم تنسيقاً وتعاوناً أدى إلى تراجع التنظيمات على الأرض. لولا هذا التعاون لباتت الأمور أصعب في العراق أيضاً. وأشير إلى أنه من الطبيعي أن تتخذ حكومات الدول قراراتها بناء على مصالحها، ومن يتقاطعون بوجهات النظر يتعاونون. هناك مصالح واحدة في سورية رغم عدم تطابق الرؤى مع موسكو فيما يتعلق بهذا البلد بشكل كامل.

* تم الاتفاق أخيراً على وثيقة المناطق الآمنة الأربع، بضمانة روسية تركية إيرانية، كما يتم نقل وتهجير مدنيين وعسكريين من مناطق إلى أخرى في سورية. ألا يعني هذا أن الأمور تجري نحو تقسيم هذا البلد؟
لا. إيران لن تكون مع تقسيم سورية، ولن تسمح بحصوله، وتحرك الأمور نحو هذا الخيار سينعكس سلباً على المنطقة برمتها، وسيسبب جرحاً عميقاً سيزيد من النزاعات القومية والطائفية.


* أعلن البيت الأبيض أخيراً عن الموافقة على تسليح الوحدات الكردية لمواجهة "داعش". هل سيكون هذا مقلقاً لتركيا وإيران؟ ألا تعتقدون أن هذه الوحدات تحقق ذات الهدف الإيراني الذي تتحدثون عنه وهو محاربة "داعش"؟
ليس لدى إيران أي مشكلة مع الأكراد، سواء في كردستان العراق أو في سورية، وعلاقاتنا متوازنة. نحن ندعم توجه كل طرف يريد مواجهة الإرهاب بشكل حقيقي، وأكراد سورية جزء من هذا البلد ومن الطبيعي أن يشاركوا في حربه. لكن فيما يتعلق بالسياسة الأميركية، فلا يمكن لطهران أن تثق بواشنطن، لا في سورية ولا في أي بقعة من المنطقة. إن تجارب العقود الأخيرة أثبتت تحرك الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها وحسب، اعتدت على أفغانستان والعراق وهيأت الأجواء لتعقيد الوضع الإقليمي وزيادة مشكلاته المجتمعية ودعمت المجموعات الجهادية والمتطرفة. هذه الأخطاء استراتيجية، وبعض الأطراف ترى أنها صحيحة من دون أن تفكر على المدى البعيد، وعلى هؤلاء التنبه والحذر.

* في ما يتعلق بدوركم في سورية كذلك، انتقد عمدة طهران السابق أمين حزب "كوادر البناء" المعتدل، غلام حسين كرباستشي، تواجد العسكريين الإيرانيين في سورية، داعياً إلى فتح المجال للدبلوماسية. وعلقت الخارجية، على لسانك، بالقول إن الإرهاب لا يفهم إلا لغة القوة. أليست هذه تناقضات بين أفراد تيار واحد؟
تعليقي لم يأتِ بهذه الطريقة. وكون تصريحات كرباستشي جاءت خلال الدعاية الانتخابية للرئيس (حسن) روحاني رفضت التدخل بالشأن الداخلي، كونه ليس من صلاحياتي. إلا أنني أعتقد أن الدبلوماسية التي يتحدث عنها أمر إيجابي يستطيع أن يوصل الكل لنتيجة في ملفات صعبة، لكن في الوقت ذاته يجب أن أضيف أنه وفي بعض الحالات توجد أطراف لا تتفاهم بلغة الحوار، والتعامل مع المجموعات الإرهابية يكون بالسلاح.

* تسلّم جواد ترك أبادي منصبه سفيراً في سورية بعد محمد رضا شيباني المقرب من الحرس الثوري، وتم تعيين مستشار قائد فيلق القدس في الحرس إيرج مسجدي سفيراً في العراق. أخذ الملفان وقتاً طويلاً، حتى أن مقاعد السفراء بقيت شاغرة لفترة. هل تم عقد صفقة بين الخارجية والحرس؟ وهل هناك اختلاف ما؟

أنباء كثيرة دارت حول الأمر، وغالبيتها غير دقيقة، ولا يوجد خلاف بين الخارجية وبين أي جهاز آخر. شيباني بقي في سورية لخمس سنوات، وإيجاد خلفه لم يكن سهلاً بسبب الوضع في هذا البلد، ونظراً للعلاقات الاستراتيجية بين طهران ودمشق. تم طرح عدة أسماء، حتى أجمع الكل على ترك أبادي الذي لم يمانع تولي هذا المنصب بعد شغوره لفترة. بالنسبة إلى مسجدي فقد تم الاتفاق معه على شغل منصب السفير في العراق منذ فترة، لكن توجب طي بعض المراحل القانونية، وكان يفضل استلام مهامه في مارس/آذار الماضي، متأخراً قليلاً عن الوقت المحدد، وهذا اعتيادي كذلك.

* بالنسبة إلى علاقاتكم المتوترة مع باكستان إثر هجوم مسلح وقع على الشريط الحدودي، تسبب بمقتل عشرة عسكريين إيرانيين، فقد تم استدعاء السفير الإيراني في إسلام آباد احتجاجاً على تصريحات هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية، والتي لم تستبعد الهجوم على الأراضي الباكستانية للقضاء على التهديدات. ما رأي الخارجية في ذلك؟
بالنسبة إلى إيران فما حدث في منطقة ميرجاوه كان صعباً، وتم التعامل معه عبر كل القنوات الدبلوماسية. أرسل الرئيس حسن روحاني رسالة إلى نظيره هناك، واجتمع سفيرنا مع رئاسة الوزراء، كما قدمنا مذكرة اعتراض بعد استدعاء سفير إسلام أباد في طهران، وتوجه وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، على رأس وفد أمني وعسكري إلى هناك وعقد عدة اجتماعات تصب في اتجاه واحد، ألا وهو ضرورة حفظ أمن الحدود، وتم الاتفاق على عقد مباحثات أخرى لاحقاً لصياغة خطة عمل. نحن نشعر بوجود أطراف تدعم التحركات على الحدود بين البلدين بما يقض مضجع إيران ويزيد من تعقيدات الإقليم. في كل الأحوال علي أن أوضح أنه إذا لم تقم الحكومة الباكستانية بما عليها من خلال محاربة التحركات الإرهابية الموجهة ضد إيران داخل أراضيها، وإذا رفضت التعاون مع إيران ثنائياً لتحقيق هذا المطلب، ستكون البلاد مضطرة لاتخاذ خطوات أخرى بحال عدم تحقق أي من هذين الأمرين، وستحارب التهديدات بنفسها هناك، بعد إبلاغ حكومة إسلام أباد.

* قبل مدة صدرت أنباء عن دعم روسيا لـ"طالبان"، نفتها بعض المصادر لاحقاً. كما نقلت مواقع إيرانية عن السفير الروسي في طهران تأكيده وجود اتصالات بين موسكو و"طالبان" لإقناعها بالحوار مع الحكومة في كابول. هل تتواصلون مع "طالبان" لذات الغاية، وهل تسعى طهران وموسكو لتطوير علاقاتها مع هذا الطرف، ولماذا؟

أفغانستان بلد جار، أمنه من أمن إيران، وبالتالي فإن استقرار الأوضاع هناك من مصلحتنا بالنتيجة. نعتبر أن مسؤولية تحقق هذا الأمر تقع على عاتق الحكومة نفسها، لكنْ هناك أطراف ثانية على الأرض، ما يعني أنه يجب مساعدة الكل لتحقق الاتفاق بينها. كانت لنا اتصالات مع "طالبان" بالفعل، ولم تكن بهدف تطوير عمل سياسي مشترك، وإنما للاتفاق على صيغة لحفظ أمن واستقرار الحدود الإيرانية الأفغانية المشتركة. نحن مضطرون للدخول في حوار حول هذه النقطة مع الحكومة الأفغانية ومع الأطراف الفاعلة، فالإرهاب والمخدرات تهديدان على ذاك الشريط الحدودي، وهو الأمر الوحيد الذي نبحثه مع "طالبان"، رغم أنني أؤكد أننا نوصي "طالبان"، كما نوصي الحكومة الأفغانية، بضرورة الجلوس حول طاولة حوار واحدة، لكننا غير مهتمين بالبحث عن تقاطعات لإبرام صفقات تعاون سياسي طويل الأمد.

* تم الإعلان عن زيارة مرتقبة لمسؤول من الخارجية الكندية لطهران في المستقبل القريب، بعد خمس سنوات من قطيعة دبلوماسية بين البلدين. إلى أين وصلت قضية ترميم العلاقات، عقب ترحيب الطرفين بها؟
فتحنا قنوات التواصل مع كندا منذ عام تقريباً، عبر بلد ثالث، واجتمع وزيرا الخارجية خلال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي. عقدنا عدة جولات من المباحثات، ووصل من كندا إلى طهران وفد رسمي قبل أيام، واجتمع مع المعنيين في البلاد صباح الأربعاء (الماضي)، بغية وضع خطة عمل لإحياء العلاقات وحلحلة المشكلات بأسرع ما يمكن.

المساهمون