خطة أمنية ضد اللاجئين: اليمين الأوروبي المتطرف ينتصر

30 يونيو 2018
انتقد ماكرون منظمات الإغاثة (تييري موناس/ Getty)
+ الخط -

في الوقت الذي قلّ فيه عدد المهاجرين الذي يريدون عبور الحدود الأوروبية، على مدار الأشهر الستة الأولى من هذا العام، باعتراف المسؤولين الأوروبيين أنفسهم، وانخفاض عدد الوافدين إلى إيطاليا من حوض البحر المتوسط بنسبة تزيد عن 70 في المائة مقارنة مع عام 2017، ما زالت بضع مئات من قوارب الموت تجوب المتوسط، بحسب المنظمات غير الحكومية، جاعلة بالتالي الاتحاد الأوروبي يعتبر مواجهتها أولوية. إذ وضعت القمة الأوروبية، التي عُقدت يومي الخميس والجمعة 28 و29 يونيو/ حزيران الحالي في بروكسل البلجيكية، مرة أخرى، على صدارة جدول أعمالها ملف الهجرة، مع حلول نددت بها المنظمات العاملة في قطاع الهجرة واللجوء حتى قبل اعتمادها. واتفقت الدول الـ28 على مبدأ أن "من يصل إلى إيطاليا، فهو قد وصل إلى أوروبا"، قاطبة، وليس إلى بلد بعينه. واتفقت على "إمكانية إنشاء مراكز إنزال المهاجرين في بلدان، غير بلدان الاتحاد الأوروبي، تحت إشراف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين". وهنا لم تتحدد بعد أسماء البلدان التي سيتم فيها إنزال هؤلاء المهاجرين في أفق دراسة ملفاتهم وانتقائهم، علماً أن الجزائر والمغرب وألبانيا عبّرت عن رفضها استقبال هذه المراكز. وأخيراً، إمكانية إنشاء مراكز استقبال في دول أوروبية، ولكن على "قاعدة اختيارية"، مع وجود "إدارة جماعية أوروبية".

وفي بادرة أخرى من دول الاتحاد الأوروبي لممارسة مزيد من الضغوط على المنظمات غير الحكومية، وهو ما عبّرت عنه انتقاداتٌ حادة من قبل رئيس الوزراء الإيطالي جيوزيبي كونتي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبعض مستشاريه، ضد الدور الذي تؤديه بعض المنظمات غير الحكومية، ومن بينها "أكواريوس" و"لايفلاين" المعنية بتوفير الدعم والإغاثة للمهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، إلى درجة اتهامها، صراحة، بعدم احترام القوانين، وضمناً، وبشكل غير مباشر، بخدمة مهرّبي البشر. وتقرّر اعتماد "مقاربة جديدة لعمليات الإغاثة في البحر، من خلال عمل منسّق بين دول الاتحاد". وهو ما يعني في نظر قادة الاتحاد الأوروبي، خصوصاً كونتي وماكرون، أن "جميع السفن يجب عليها احترام القوانين، بما فيها سفن المنظمات غير الحكومية، وعدم التداخل مع العمليات التي يقوم بها حرس الشواطئ الليبيون".

وبخصوص تعزيز الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، الذي يظل الشاغل الرئيسي للدول الأعضاء، اعتبرت القمة النهج المتبع حتى الآن ناجحاً. إذ انخفض عدد الوافدين بشكل غير قانوني إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 95 في المائة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2015. وينصّ النهج الأوروبي على إعطاء مزيد من الموارد، بما في ذلك العسكرية، لحرس الحدود، تحديداً ما يتعلق بوكالة حماية الحدود الأوروبية (فرونتكس)، إضافة إلى "مضاعفة التعاون واتفاقيات إعادة القبول مع الدول الجنوبية دون الأخذ بعين الاعتبار احترامها معايير حقوق الإنسان من عدمه"، كما يقول المرصد الأوروبي للهجرة في بيان. ويسعى الأوروبيون إلى زيادة الدعم لدول منطقة الساحل الأفريقي وخفر السواحل الليبية والدولة الواقعة في شمال أفريقيا، منطقة انطلاق معظم المهاجرين الذين يودون العبور من جنوب حوض المتوسط إلى إيطاليا.



وقد أصرّت كل من إيطاليا ومالطا على أن يتضمن البيان فكرة أن السفن المستأجرة من قبل المنظمات غير الحكومية لإنقاذ قوارب المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط عليها "احترام القوانين وعدم عرقلة عمل خفر السواحل الليبية". "وهو ما يعني عملياً منع وصول المهاجرين إلى أوروبا وإرجاعهم إلى دول مثل ليبيا لإدارة الملف نيابة عن الاتحاد الأوروبي"، حسبما قال الناشط في إحدى منظمات دعم المهاجرين واللاجئين، فرنسوا ليرس، لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن "الحلول الأوروبية المقترحة في هذه القمة، كتعزيز الحدود وإنشاء مراكز الفرز، تشكّل خطوة أخرى في تدهور الحقوق الأساسية للمواطنين ويعزز اليمين المتطرف الحركات القومية والشعبوية".

وكما جاء في بيان المرصد الأوروبي للهجرة "يحلم صانعو القرار الأوروبيون بأن ليبيا، التي تبدو مستقرّة، يمكن أن تؤدي دور الدولة العازلة المحصنة بمليشياتها وحرس الحدود، بدعم من الاتحاد الأوروبي لمواجهة موجات الهجرة في المستقبل". وهو موقف شاطرته، النائبة الأوروبية عن الكتلة اليسارية، غابي زيمر التي ذكرت لـ"العربي الجديد" أن "هذه القرارات الأخيرة هي جزء من حملة قوية لإضفاء الطابع الشرعي على تصدير إدارة ملف الهجرة إلى خارج حدود الاتحاد الأوروبي، من خلال صفقات مشبوهة مع أنظمة قمعية أدت إلى استعباد المهاجرين في ليبيا وآلاف الوفيات في البحر المتوسط".

وتعالت الأصوات، خصوصاً من قبل الدول الأوروبية المطلة على حوض المتوسط، منذ أزمة الهجرة لعام 2015 بضرورة إصلاح نظام دبلن، الذي يضع على عاتق الدول الأولى التي تستقبل المهاجرين إدارة طلبات اللجوء وإعادة الأشخاص الذين لا يحق لهم الحصول على الحماية. وعلى الرغم من العمل الذي أُنجز حتى الآن، من قبل المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي، لإصلاح النظام، فإن الملف ما زال شائكاً بسبب معارضة بلدان أوروبا الوسطى لفكرة تقاسم أعباء استقبال المهاجرين. وهو ما دفع بإيطاليا إلى المطالبة بإيجاد حل وتفعيل مبدأي المسؤولية والتضامن بين الدول الأعضاء. وإذا كان قادة الاتحاد الأوروبي قد توصلوا إلى توافق، مرة أخرى، بشأن العمل على إصلاح نظام دبلن، إلا أن الإجراءات الفعلية أُجّل النظر فيها إلى القمة الأوروبية المقبلة في أكتوبر/ تشرين الأول مع مطالبة الرئاسة النمساوية للاتحاد الأوروبي، التي ستبدأ في الأول من يوليو/ تموز المقبل، بإعداد مقترحات لعرضها على الدول الأوروبية.



"يجب على أوروبا تغيير المسار. فمن دون التخلي عن منطق تصدير قرارات منح اللجوء إلى دول أخرى وتعزيز مراقبة الحدود، سوف يواجه الاتحاد الأوروبي أزمة أخلاقية وسياسية ضحاياها هم الآلاف من الوفيات على الحدود". حسبما يقول المرصد الأوروبي للهجرة في بيانه، مضيفاً بأنه "من أجل العودة إلى المشروع الأصلي المتعلق بالتنقل الحر داخل الحدود الأوروبية، الذي أصبح الآن في خطر بسبب السياسات الحالية، يجب على الاتحاد أن يعترف بأن الحق في الهجرة لا يناقش. وعليه بالتالي وضعه في قلب الإجراءات الداخلية والخارجية لسياسة الهجرة الأوروبية".

واستطاع المسؤولون الأوروبيون، في نهاية الأمر، تجاوز المعضلة الإيطالية، التي كانت تهدّد المؤتمر بالفشل. وكان الجميع على علم بتغيّر الموقف الإيطالي على الأرض، بعد وصول الحكومة اليمينية الجديدة، التي كانت تريد من الاتحاد الأوروبي التزامات ملموسة حول إدارة قضية وصول المهاجرين إلى موانئها وشواطئها.

وإذا كان الاتفاق الجيد هو الاتفاق الذي يمكن الجميع من اعتبار أنفسهم فائزين. فاتفاق سياسي على المستوى الأوروبي هو الذي يسمح لكل زعيم أن يكون قادراً على العودة إلى بلده ويتمكن من تقديم الاتفاق للرأي العام أو شركائه في التحالف على أنه انتصار. غير أن القادة الذين لن يضطروا لأي تفسيرات أمام جمهورهم هم في بلدان مجموعة "فيشغراد" (المجر وبولندا والتشيك وسلوفاكيا)، التي لم تقدم سوى تنازلات قليلة. "فحتى مفهوم مراكز فرز المهاجرين، التي يمكن ترجمتها في لغة رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، بمنصات تضمّ المسلمين البرابرة الخطرين، لا يطيق وجودها على القارة المسيحية. والدول الأعضاء الأخرى حرة في قبولها على أراضيها. لكن هو وحلفاؤه رفضوا الفكرة قطعاً"، وفقاً للخبيرة في الشؤون الأوروبية ماريا أورديسكو، في حديثها لـ "العربي الجديد". مضيفة أنه "في الوقت الحالي، يخفي النهج الأوروبي المتماسك الذي أثنى عليه الفرنسي ماكرون مشروعاً غامضاً يستند فقط إلى حسن نية الدول الأعضاء. وقد ينهار مثل بيت من ورق حالما يبدأ أول زعيم أوروبي بتفجير أزمة جديدة حول موضوع الهجرة". وأشارت إلى أن "المنتصر الحقيقي في هذه القمة الأوروبية هي الأفكار القومية والشعبوية التي لا تساهم تصريحات وقرارات القادة الأوروبيين سوى في تعزيزها".



المساهمون