الجزائر: حرب السلطة على الإعلام والمعارضة

29 مايو 2016
الفريق الحاكم يعدّ لمرحلة ما بعد بوتفليقة(فاروق بطيش-فرانس برس)
+ الخط -
تخوض السلطة الجزائرية ما بات يمكن وصفه بالحرب ضد الإعلام المستقل والمعارضة التي تطرح خيارات غير تلك التي تحاول السلطة فرضها، ضمن مساعي الأخيرة لإضعاف المعارضة ولجم الإعلام المستقل، مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في العام 2017 والتحضيرات لما بعد عهد الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة.
وفي سياق ترتيبات مرحلة ما بعد بوتفليقة، تبدو السلطة مهتمة أكثر بترتيب المشهد الإعلامي، و"تطهيره" من كل المؤسسات الإعلامية التي لا تحوز على ترخيص رسمي، بحسب ما أعلن رئيس الحكومة، عبد المالك سلال. مع العلم بأن السلطة الجزائرية غير مستعدة لمنح ترخيص لصحف وقنوات لا يتماشى خطّها الإعلامي مع توجهات السلطة ومشاريعها السياسية. والسبب يتمثل في أن المجموعة الحاكمة، المحيطة بالرئيس بوتفليقة، تسعى إلى استبعاد أي تشويش إعلامي وسياسي على خياراتها المستقبلية، قبل أقل من سنة على الانتخابات التشريعية، وقبل أقل من ثلاث سنوات على الانتخابات الرئاسية المرتقبة في عام 2019، والتي قد تجري قبل موعدها.

التضييق على الإعلام تجلّى، أخيراً، مع اعتراض الحكومة على صفقة بيع قسم من أسهم صحيفة "الخبر" لرجل الأعمال الجزائري، يسعد ربراب. الصحيفة المعارضة، والتي تتمتع بصدقية عالية في البلاد، تعاني من ضائقة مالية حادة، ما دفعها إلى عقد شراكة مع ربراب، في إطار خطة مالية إنقاذية. لكن الحكومة الجزائرية تدخلت لمنع إتمام الصفقة ورفعت دعوى قضائية، منذ شهر، بهدف إبقاء الصحيفة المعارضة في أزمتها المالية.
لكن مبادرة الحكومة السلبية، تسببت في ردة فعل سياسية وشعبية كبيرة رافضة لموقفها. ما إن تمّت عرقلة عملية إنقاذ صحيفة "الخبر"، حتى شهدت الجزائر حملات تضامنية مع الصحيفة، وسرعان ما اتخذت الأزمة بعداً سياسياً. فالقوى المعارضة لم تتردد في اتهام الحكومة بالسعي لتحييد الصحف ووسائل الإعلام المستقلة، في سياق ترتيبات المرحلة السياسية المقبلة.

ولم تتوقف عملية التضييق على الإعلام الجزائري المستقل عند هذا الحد، إذ تعتزم الحكومة إغلاق 55 قناة تلفزيونية محلية، تحت ذريعة عدم حصولها على ترخيص قانوني. لكن السلطة نفسها، هي من كانت قد سمحت بعمل هذه القنوات، دون توفير الإطار القانوني الذي ينظم القطاع "السمعي-البصري" في الجزائر.
وعلى الرغم من صدور قانون الإعلام، في شهر يناير/كانون الثاني 2012، وصدور قانون "السمعي-البصري" في إبريل/نيسان 2014، لم تبدأ السلطات بتنفيذ بنود هذه القوانين، ولم تقدم على إنشاء الهيئات الرسمية المخولة تنظيم القطاع الإعلامي والإشراف عليه.

في إطار ترتيب مرحلة ما بعد بوتفليقة، تبدو الصلة واضحة بين الحملة الحكومية ضد المؤسسات الإعلامية ومعركتها السياسية ضد قوى المعارضة الجزائرية. وقد بدأ يتجلى التصعيد من خلال العنف اللفظي، الذي تمارسه قيادات أحزاب الموالاة ضد شخصيات وأحزاب المعارضة. ويتصدر هذه الحملات ضد المعارضة كل من الأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني"، عمار سعداني، والأمين العام لـ"التجمع الوطني الديمقراطي"، أحمد أويحيى. كما يتجلى التصعيد أيضاً من خلال اتهام قوى السلطة للمعارضة السياسية والمدنية بـ"الخيانة والعمالة للخارج"، فضلاً عن محاولة استجلاب الربيع العربي إلى الجزائر.
ولم يتوقف هجوم السلطة عند هذا الحد. فقد تم اعتقال عدد كبير من الناشطين المدنيين في هيئات معارضة، بينهم مسؤولون في لجنة البطالين (العاطلين من العمل)، مثل عبد العزيز نور الدين وصالح خشنة، وناشطون في رابطة حقوق الإنسان، كالناشط بديع بيكيني، فضلاً عن المضايقات التي تستهدف المحامين، على غرار ما لحق بالمحامي صالح دبوز، والمحامي أحمين نور الدين. وتضاف إلى ذلك الاعتقالات التي طاولت، في وقت سابق، ناشطين من حركة "بركات" والحركات المناوئة للعهدة الرابعة (الولاية الرئاسية الرابعة لبوتفليقة) ولسياسات السلطة الحالية.
ويعتقد مراقبون أن كل هذه الممارسات القمعية تعكس مشهد الصراع بين "القوى المحافظة التي تريد استمرارية السياسة الحالية للنظام، والقوى المعارضة الدافعة باتجاه الإصلاح". 
وفي السياق، يرى القيادي في حركة "مجتمع السلم"، ناصر الدين حمدادوش، أن "هناك ترتيبات تقوم بها عصبة السلطة التي تريد أن تمهد منفردةً للمرحلة المقبلة، على الرغم من كل المخاطر التي تهدد البلاد والإخفاقات السياسية والاقتصادية التي واجهتها الجزائر في المرحلة الماضية بسبب السياسات غير الرشيدة". وفي ما يتعلق بأزمة صحيفة "الخبر"، يعتبر حمدادوش أن الأمر لا يتعلق بالمشكلة بين الحكومة و"الخبر" بقدر ما يتعلق بـ"أزمة الحكم المافيوي، وبعملية تصفية الحسابات بين أطراف فريق السلطة، التي لا تمثل الشعب ولا مؤسسات الدولة، والتي تنتهج سلوكاً خطيراً" على حد تعبيره.

من جهته، يقول الباحث رابح لونيسي إن "ما يحدث اليوم في الجزائر من بلبلة، يشبه إلى حد بعيد ما كان يقع عشية أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988، حين كان الصراع حاداً بين المحافظين والإصلاحيين في قمة السلطة، عشية المؤتمر السادس لحزب جبهة التحرير الوطني، الذي بدأ الحديث فيه حول التجديد للرئيس الشاذلي بن جديد أو خلافته بمرشح آخر". ووفقاً للونيسي فإنه "لا يمكن فصل ما يحدث اليوم عن الصراع حول خلافة الرئيس بوتفليقة، وأيضاً حول صراع بين من يريد الحفاظ على الدور الاجتماعي للدولة ومن يعمل من أجل سيطرة أوليغارشية مالية على الدولة".

وبانتظار معرفة المنحى الذي ستسلكه حملة السلطة ضد الإعلام المستقل في الجزائر، تزداد التساؤلات حول معالم ورموز المرحلة المقبلة، التي يستعد الفريق الحاكم للدفع بها إلى الواجهة في مرحلة ما بعد بوتفليقة. لم يتوصل المقربون من محيط الرئيس الحالي والشركاء في صنع القرار، ولا سيما الطغمة المالية التي باتت جزءاً من الحكم، إلى اتفاق نهائي بشأن البديل المحتمل والوريث الذي ستوكل إليه مهمة الرئاسة، والذي سيكون مطلوباً منه الحفاظ على إرث بوتفليقة السياسي وحماية مصالح المقربين منه.
ومن بين الأسماء المحتملة والمطروحة وزير الطاقة السابق، شكيب خليل، العائد أخيراً من الولايات المتحدة، ورئيس ديوان الرئاسة أحمد أويحيى. لكن يعتبر مراقبون أن طرح هذا الاسم أو ذاك ليس سوى مجرد "بالون اختباري"، يهدف لجسّ نبض الرأي العام ومعرفة مدى القابلية السياسية والشعبية لهذه البدائل في انتظار التوافقات الأفقية للسلطة.

من جهته، يعتقد الخبير في علم الاجتماع السياسي، ناصر جابي، أن "الجزائر مرشحة لتغييرات سياسية يمكن حدوثها في أي وقت جراء مرض الرئيس الطويل". ويشير جابي إلى أن الصراع بين السلطة والمعارضة في ما يتصل بترتيبات المرحلة المقبلة، يرتكز على تناقض حاد بينهما، إذ يعتبر الفريق الحاكم أن الانتخابات تشكل الأداة الوحيدة لإقامة المؤسسات الرسمية، فيما تعتقد المعارضة أن الانتخابات، بأدواتها الحالية المتميزة باحتكار وزارة الداخلية والسلطة لتنظيم الانتخابات، غير مجدية ولا يمكن أن تكون سبيلاً لإنتاج مؤسسات قوية وذات مصداقية.

لا يبدو الأفق السياسي واضحاً في المرحلة المقبلة في الجزائر. فحالة التدافع العنيف بين السلطة والمعارضة بمختلف مكوناتها، تزيد من تعقيد الوضع، لكن تبقى الاحتمالات مفتوحة إزاء مستقبل البلاد، في ظل أزمة مالية بدأت تلقي بثقلها على الجزائر، وتراجع أسعار النفط وانهيار العائدات المالية، وإخفاق سياسات التنمية واستمرار الفساد.
المساهمون