هؤلاء هم رجال المرحلة المقبلة في المغرب

25 ديسمبر 2017
إدريس جطو في صورة تعود لعام 2007(عبدالحق سنّا/فرانس برس)
+ الخط -

يبزغ نجم سياسيين ومسؤولين كبار في المغرب أخيراً وسط اعتقاد واسع لدى مراقبين أنهم باتوا "رجال دولة" في الوقت الراهن، فيما تتجه الأنظار إلى آخرين يعتقد أنه تتم تهيئتهم من طرف صناع القرار في البلاد ليكونوا "رجال المرحلة المقبلة" في المشهد السياسي والحزبي في المملكة، بعد أن تم "التخلص" من وجوه أخرى.

وبدأت صورة إعادة ترتيب البيت الحزبي والسياسي في المملكة تتضح من خلال "إبعاد" أو "ابتعاد" شخصيات عن الأضواء وعن مناصب المسؤولية السياسية والحزبية، من قبيل عبد الإله بنكيران الذي أعفي من رئاسة الحكومة، ثم لم يُسمح له بتولي ولاية ثالثة على رأس حزب العدالة والتنمية.

وقبل بنكيران تمت الإطاحة بحميد شباط من قيادة حزب الاستقلال، بعد أن تعرض لغضب السلطات العليا لتوالي "أخطاء سياسية" ارتكبها. كذلك قرر إلياس العماري الاستقالة من زعامة حزب الأصالة والمعاصرة، فيما يعتزم نبيل بنعبد الله عدم الترشح لولاية ثالثة على رأس حزب التقدم والاشتراكية، وهو الذي تم إعفاؤه أخيراً من منصبه كوزير للإسكان.

ولتكتمل صورة المشهد تم تعويض هؤلاء "الزعماء المغضوب عليهم" بآخرين، يُرتقب أن يكونوا رجال هذه المرحلة، كما يريد لهم صناع القرار السياسي في البلاد. اختير سعد الدين العثماني عوض بنكيران على رأس العدالة والتنمية وكرئيس للحكومة، ونزار بركة صار هو زعيم الاستقلال بدل شباط، فيما ينتظر أن يتم تعويض كل من بنعبد الله والعماري بقادة حزبيين آخرين.

وفي غمرة كل هذه التحولات الحزبية والسياسية الجارية تارة على "نار هادئة"، وتارة أخرى من خلال قرارات قوية سميت بـ"الزلزال السياسي"، عاد نجم "رجل دولة" إلى البزوغ بقوة، وهو رئيس المجلس الأعلى للحسابات، إدريس جطو، من خلال تكليفه بتقارير أطاحت برؤوس كبيرة في البلاد. كما أن زعيم حزب "الأحرار"، وزير الفلاحة، عزيز أخنوش، والمقرب من صناع القرار في البلاد لا يزال محافظاً على وجوده في هذه المرحلة.

ويمكن بالتالي اختزال لائحة رجال المرحلة الحالية والمقبلة في المشهد السياسي والحزبي، في كل من إدريس جطو، وعزيز أخنوش، ونزار بركة، لكن يمكن إضافة آخرين بدا أنهم صاروا يأخذون قسطاً وافراً من ثقة القصر الملكي، من قبيل وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، ورجل الأعمال، وزير الصناعة والتجارة مولاي حفيظ العلمي.

ويمكن اعتبار إدريس جطو أحد رجالات المرحلة الراهنة في المغرب، فالرجل ارتفعت أسهمه بشكل واضح، بفضل لجوء الملك محمد السادس إليه في أزمة "حراك الريف" الذي اندلع منذ أكتوبر 2016، إذ كلفه بإنجاز تقارير تهم الكشف عن المتسببين في تأخر تنفيذ مشاريع "الحسيمة منارة المتوسط".

وكلّف العاهل المغربي جطو في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بأعمال المجلس الذي يرأسه، وهو مؤسسة رسمية مكلفة بمراقبة المالية العمومية وتقييم المشاريع الرسمية والحكومية، بتحديد القطاعات وأسماء المسؤولين الذين تورطوا في تأخر تنزيل المشروع الذي أطلقه الملك في 2015، طالباً منه إعمال مبادئ "العدالة والصرامة والشفافية".

ويرى مراقبون أن جطو، وهو رئيس وزراء سابق عُرف بنزاهته السياسية والمالية إبان فترة توليه مسؤولية تسيير الحكومة، بات رقماً صعباً في تطبيق المبدأ الدستوري الجديد القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، إذ أفضت تقارير الرجل إلى إحداث "زلزال سياسي" وفق تعبير الملك نفسه.

وبعد أن أدت تقارير جطو التي يرفعها مباشرة إلى الملك، إلى إعفاء أربعة وزراء في الحكومة الحالية، وخمسة وزراء في الحكومة السابقة، انطلق الرجل في مهمة جديدة بتكليف من العاهل المغربي تهم وضعية المراكز الجهوية للاستثمار، والتي جاء تقرير جطو ليدين عملها وتباطؤ أدائها. وقد دفع هذا الأمر القصر إلى توجيه أوامر إلى الحكومة لإعداد رؤية جديدة لعمل هذه المراكز المكلفة بجذب الاستثمارات إلى جهات المملكة.

بدوره بدأ وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت يأخذ مكانه في البيت الداخلي للمملكة، وبدأ نجمه يسطع بقوة من خلال ثقة "صناع القرار" في عمله وأدائه وصرامته التي عرف بها لما كان والياً على العاصمة. وقد تم تكليفه في البداية بتقرير حول مشروع الحسيمة، ثم كُلف بمراقبة عمل رجال السلطة بمختلف رتبهم في البلاد.

وأدى التقرير الذي واكبته وزارة لفتيت، ورفعه إلى الملك قبل أيام مضت، إلى زلزال سياسي جديد، لكن هذه المرة على صعيد وزارة الداخلية، من خلال معاقبة وإعفاء وتوبيخ العشرات من رجال السلطة التابعين للداخلية، جراء اختلالات مهنية حسمها تقرير لفتيت، على رأسهم والي مدينة مراكش، وستة محافظي مدن، وستة كتاب عامين، وقياد (فئة من الموظفين داخل وزارة الداخلية) وباشوات.

من جهته، ظهر زعيم حزب الأحرار، الوزير المكلف بقطاع الفلاحة، عزيز أخنوش، كرجل المرحلة الحزبية والسياسة، خصوصاً في فترة مشاورات تشكيل الحكومة التي قادها رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، إذ انتهت بالخضوع لشروطه في تشكيل الحكومة، وإعفاء بنكيران وتعويضه بالعثماني، ليكون بذلك الرقم الصعب الجديد في المعادلة الحزبية والسياسية بالبلاد.

ويرشّح مراقبون أخنوش بأن يقود حزبه "الأحرار" إلى صدارة الانتخابات التشريعية المقبلة في 2021، بالنظر إلى المكانة المحورية التي بات يشغلها داخل المشهد الحزبي اليوم، خصوصاً بعد ما يروج بشأن "فشل" إلياس العماري زعيم "الأصالة والمعاصرة" في كبح جماح إسلاميي "العدالة والتنمية"، وفق ما تعهد هو نفسه بذلك، إذ تمكنوا من الفوز في محطات انتخابية متتالية.

ومثل أخنوش، يتوقع متابعون للشأن السياسي والحزبي في المغرب، تصاعد أسهم الأمين العام لحزب الاستقلال نزار بركة بشكل أقوى مما هي عليه حالياً، بعد تمكنه من إزاحة شباط من قيادة هذا الحزب، باعتبار أنه يحظى بثقة جهات نافذة في الدولة، ويرأس مؤسسة محورية في هرم المؤسسات الدستورية بالمغرب، وهي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

وزير الصناعة والتجارة مولاي حفيظ العلمي أيضاً يستمتع حالياً بتصاعد نجمه السياسي رغم أنه بعيد عن مخاض وصراعات الأحزاب، لكنه رجل أعمال ناجح في الأصل، قبل أن يتقلد منصب وزير الصناعة. واستطاع جذب العديد من الاستثمارات القوية خصوصاً في مجال صناعة السيارات إلى المملكة، وهو ما منحه نقاطاً إيجابية جداً لدى حكام البلاد.

المساهمون