تعرّف على طائرات الحوثيين المسيّرة وصواريخهم وأسباب فشل المنظومة الدفاعية السعودية
وفي معرض للسلاح خلال شهر يوليو/تموز بالعاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة حركة أنصار الله (الحوثيين)، رفع مسؤولون عسكريون ملاءات حريرية ليكشفوا عما قالوا إنها طائرات مسيرة وصواريخ تم تطويرها حديثا.
وكشفت تلك الحركة المسرحية عن شعار "صنع في اليمن" المطبوع على تلك الأسلحة.
وكانت تلك اللحظة لحظة احتفال بالنسبة للمقاتلين الحوثيين، فعلى الرغم من الضربات الجوية التي استهدفتهم على مدار سنوات، أصبحت الحركة تتباهى بطائرات مسيرة وصواريخ قادرة على الوصول إلى عمق السعودية، وقد تحقق ذلك بفضل حملة تسلح اتبعتها الحركة وتوسعت فيها بهمة ونشاط منذ بدأت حرب اليمن قبل أربع سنوات.
وسواء كانت الحركة المتحالفة مع إيران، كما تؤكد الحركة، التي نفذت غارة يوم السبت تسببت في عرقلة قطاع النفط في السعودية أم لا، فإن قدراتها تعني أن بإمكانها إعلان المسؤولية بشكل مقنع عن الهجوم الذي يعتبر ضربة مهينة لأكبر خصومها.
ولا يزال الغموض يلف الكثير مما حدث في الهجوم. ويعتقد بعض المسؤولين الغربيين أن المسؤولية تقع على عاتق فصائل تدعمها إيران في العراق أو على إيران نفسها، لكن الشيء المؤكد، حسب ما يقوله محللون وتبينه بيانات الأمم المتحدة ووسائل الإعلام الحوثية، أن قدرات الأسلحة الحوثية تطورت سريعا في العامين الأخيرين من حيث الدقة والمدى، كما تبرز قدرات الحوثيين المتنامية الخطر الذي يمثله حلفاء إيران الآخرون على المستوى الإقليمي سواء في العراق أو سورية أو لبنان لخصومهم والقوى العالمية التي تسعى لاحتوائهم.
وفي مقطع فيديو بثه الحوثيون ولم يتم التحقق من صحته، ترتفع عربة إطلاق معدلة بشكل أشبه بالروبوت الآلي من أرض الصحراء وتطلق صواريخ لارتفاعات تصل إلى آلاف الأقدام في سماء زرقاء صافية، وذلك قبل أن تتراجع تلك العربات إلى مخبئها.
الدقة في تحديد الهدف
وتنقل وكالة "رويترز" عن مصدر أمني لم تكشف عن هويته، يعمل في السعودية، قوله: "هم يتحسنون في ما يتعلق بالدقة، والرسالة التي يبعثون بها إلينا هي: نحن نحقق الاختراق ونضرب المواقع الصائبة".
وقال الأستاذ المساعد المتخصص في الدراسات الحربية بجامعة جنوب الدنمارك جيمس روجرز، للمصدر نفسه: "بانتشار تلك التكنولوجيات، الطائرات المسيرة بعيدة المدى وصواريخ كروز، يزيد فعلا مدى الحرب، كما يزيد ذلك من قدرة الجاني على الإنكار".
وكانت القدرات العسكرية المتنامية لدى الحوثيين سببا في الحد من الطموحات السعودية في اليمن. وتقود الرياض تحالفا تدخل في العام 2015 لإعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي التي أطاح بها الحوثيون من السلطة في العاصمة صنعاء في أواخر 2014.
وقال التحالف بقيادة السعودية في يونيو/حزيران إن الحوثيين أطلقوا 226 صاروخا باليستيا و710 آلاف و606 مقذوفات خلال الحرب، وحدث كل هذا رغم الحصار الجوي والبحري المستمر منذ سنوات على المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن وسنوات الضربات الجوية التي يقول التحالف إنه شنها على مستودعات أسلحة ومواقع لتصنيع الطائرات المسيرة ومراكز اتصالات عسكرية، وأصبحت أسلحة الحوثيين تصل إلى مسافات أبعد.
وظهر في منتصف العام 2018 نوع جديد من طائرات الحوثيين المسيرة قالت الأمم المتحدة إن بإمكانه الطيران لمسافة تراوح بين 1200 و1500 كيلومتر، الأمر الذي يجعل الرياض وأبوظبي ودبي داخل مداه.
وجاء في دراسة لقوات الحوثيين أجراها مايكل نايتس، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، عام 2018، أن أوضح مثال على المساعدة الإيرانية المباشرة في أسلحة الحوثيين المتطورة هو الصاروخ الباليستي بركان 2-اتش متوسط المدى، مشيرا إلى أن حطام عشرة من صواريخ بركان يشير إلى أنه تم تهريبها إلى اليمن في صورة أجزاء وتجميعها على أيدي فريق هندسي واحد تم العثور على "بصمة أسلوبه في اللحام خارج المصانع على كل الصواريخ".
وتنفي إيران تسليح الحوثيين وتقول إنها ليس لها دور في هجوم يوم السبت الذي رفع حدة التوترات القائمة بالفعل في المنطقة بين طهران وخصومها من دول الخليج والولايات المتحدة.
الطائرات المسيرة والصواريخ
قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن الهجوم نفذه اليمنيون ردا على الحرب في بلادهم، وقال الحوثيون الذي سبق أن شنوا هذا العام هجمات أصغر على أهداف نفطية ومطارات في جنوب السعودية إنهم نفذوا الضربات التي استهدفت شركة أرامكو السعودية بمركبات جوية غير مأهولة.
وتقول الأمم المتحدة إن ترسانة الحوثيين تشمل أيضا صواريخ كروز المضادة للسفن ومركبات مائية محملة بالمتفجرات وصواريخ باليستية وصواريخ كروز وصواريخ أخرى. وقد استولت الحركة على جانب من ترسانة القوات المسلحة اليمنية عندما اقتحمت صنعاء في 2014، لكن محرر الشرق الأوسط وأفريقيا في نشرة "جينزديفنس ويكلي" جيريمي بيني قال إنه لم يكن لأي منها المدى الذي وصل إليه الحوثيون اليوم.
وقال تقرير أعدته هيئة خبراء تابعة للأمم المتحدة في يناير/كانون الثاني 2018، إن تحليلا لأسلحة تم الاستيلاء عليها أو شوهدت في صور للحوثيين يبين مزيجا من التصميمات المحلية والقطع الأجنبية بالكامل ومكونات تم جلبها من الخارج لتطوير مخزونات قائمة.
وأضاف التقرير "يعتمدون بشكل متزايد الآن على واردات المكونات ذات القيمة العالية التي يتم بعد ذلك دمجها في نظم الأسلحة التي يتم تجميعها محليا، مثل المركبات الجوية غير المأهولة التي تمت إطالة مداها".
خبراء على الأرض
وتنقل "رويترز" عن دبلوماسي غربي قوله إن ثمة انخفاضات ملحوظة في هجمات الحوثيين بعد الضربات الكبيرة التي يشنها التحالف، لكن يبدو أن إمدادات جديدة تستمر في الوصول كما يتواصل الإنتاج المحلي.
وقال الصحافي بيني: "ترون ذلك في كل مكان فيه جماعات إيرانية، فمن الأمور الأولى ستكون محاولة تشغيل القدرات التصنيعية المحلية، وربما يبدأ هذا بصواريخ مدفعية في غاية البساطة ثم يتطور".
وتربط إيران والحوثيين علاقات وثيقة، ويقول محللون إن بعض تكنولوجيا السلاح لديهم يشبه التصميمات الإيرانية. وقد زار وفد من الحوثيين طهران في أغسطس/آب الماضي وتبادل الجانبان السفراء للمرة الأولى.
وقال مسؤول كبير في المنطقة تربطه صلات وثيقة بأصحاب القرار في إيران لـ"رويترز"، إن حوالي 35 من كبار المقاتلين الحوثيين شاركوا في تلك الزيارة وتلقوا تدريبات على الصواريخ والطائرات المسيرة.
وسبق أن قال التحالف إن جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران لها خبراء على الأرض في اليمن يساعدون الحوثيين. ونفى حزب الله المساعدة في المجهود الحربي الحوثي. كما أشار الحوثيون إلى أن هجوم يوم السبت على شركة أرامكو كان ممكنا بفضل وجود مخبرين على الأرض. وقال المتحدث العسكري باسم الحركة إن الهجوم جاء بعد عملية استخبارات دقيقة ورصد مسبق وتعاون من أفراد وصفهم بأنهم شرفاء وأحرار داخل المملكة.
المليارات على منظومة دفاعية فاشلة
من جهة أخرى، اتضح أن مليارات الدولارات التي أنفقتها السعودية على العتاد العسكري الغربي لا سيما المصمم لردع أي هجمات على ارتفاعات عالية، لم تحقق لها الندية في مواجهة صواريخ كروز والطائرات المسيرة منخفضة الكلفة التي استخدمت في شن هجوم عرقل صناعة النفط السعودية العملاقة.
فقد كشف الهجوم الذي وقع يوم السبت على منشآت نفطية سعودية وقلص إنتاج المملكة إلى النصف مدى ضعف استعدادات هذه الدولة الخليجية للدفاع عن نفسها رغم تكرار الهجمات على أصول حيوية خلال الحرب المستمرة منذ تدخلها في اليمن قبل أربعة أعوام ونصف العام. وقالت السعودية والولايات المتحدة إنهما تعتقدان أن إيران ألد خصوم المملكة تقف وراء الهجوم على الأرجح.
وفي تقرير آخر، تنقل "رويترز" عن مصدر أمني سعودي لم تكشف هويته قوله: "نحن مكشوفون، فأي منشأة حقيقية ليس لها غطاء حقيقي". وكان هجوم الرابع عشر من سبتمبر/ أيلول على معملين يتبعان لشركة أرامكو العملاقة للنفط الأسوأ من نوعه على منشآت نفطية في المنطقة منذ أحرق صدام حسين آبار النفط الكويتية خلال أزمة الخليج 1990-1991.
وفي البداية، تحدثت السلطات عن استخدام طائرات مسيرة في الهجوم الحوثي، لكن ثلاثة مسؤولين أميركيين قالوا إن استخدام صواريخ كروز وطائرات مسيرة يشير إلى درجة من التعقيد والتطور أكبر من التصورات الأولية.
ويكشف محلل أمني سعودي طلب عدم نشر اسمه، أن "الهجوم مثل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) بالنسبة للسعودية وسيغير قواعد اللعبة".
ويتساءل قائلا "أين نظم الدفاع الجوي والسلاح الأميركي الذي أنفقنا عليه مليارات الدولارات لحماية المملكة ومنشآتها النفطية؟ إذا كانوا قد فعلوا ذلك بهذه الدقة فبإمكانهم ضرب محطات تحلية المياه وأهداف أكثر".
وتتمثل منظومة الدفاع الجوي الرئيسية في السعودية في نظام باتريوت بعيد المدى الأميركي الصنع، وهو منصوب للدفاع عن المدن والمنشآت الكبرى، وقد نجح في اعتراض صواريخ باليستية على ارتفاعات عالية أطلقها الحوثيون على مدن سعودية كانت الرياض من بينها منذ تدخل تحالف بقيادة السعودية في اليمن لمحاربة الحركة في مارس/آذار 2015، إلا أنه في ضوء طيران الطائرات المسيرة وصواريخ كروز بسرعات أبطأ على ارتفاعات أقل فمن الصعب على نظام باتريوت رصدها في وقت مناسب يسمح باعتراضها.
وتنقل الوكالة عن مسؤول خليجي كبير لم تسمه قوله إن "الطائرات المسيرة تمثل تحديا ضخما للسعودية لأنها تطير في كثير من الأحيان دون مستوى الرادار، ونظرا لطول الحدود مع اليمن والعراق فإن المملكة مكشوفة جدا".
موجة هجمات
وحملت واشنطن والرياض إيران والفصائل التي تعمل لحسابها المسؤولية عن سلسلة من التفجيرات بناقلات في مياه الخليج، من بينها سفينتان سعوديتان في شهر مايو/أيار وهجمات على منشآت نفطية سعودية.
وفي ذلك الشهر، أصيبت محطتان لضخ النفط، وتعرضت محطة محولات قرب محطة تحلية في الجنوب لهجوم خلال يونيو/حزيران، وتسببت تلك الهجمات في أضرار محدودة على عكس هجمات يوم السبت على بقيق وخريص والتي ألحقت أضرارا بأكبر منشأة في العالم للمعالجة النفطية وعطلت إنتاج 5.7 ملايين برميل يوميا.
وبحسب ما يكشف مصدر خليجي مطلع على عمليات أرامكو، فإن النظام الأمني في بقيق غير مثالي في مواجهة الطائرات المسيرة. ويضيف المصدر أن السلطات تتحقق مما إذا كانت أجهزة الرادار قد رصدت الطائرات التي نفذت ضربتها في الظلام قبل الفجر.
وقال مسؤول تنفيذي بشركة غربية للمعدات الدفاعية تتعامل مع السعودية إن صواريخ باتريوت كانت تحمي بقيق حتى عام مضى.
وُسئل العقيد تركي المالكي، المتحدث باسم التحالف، عن سبب عدم رصد الدفاعات السعودية لهجوم يوم السبت، فقال للصحافيين إن قوات التحالف اعترضت أكثر من 230 صاروخا باليستيا وإن المملكة لديها القدرة على التصدي لكل التهديدات وحماية الأمن الوطني السعودي.
ولم يرد رد فوري من مركز التواصل الحكومي على طلب للتعليق، وليس من الواضح ما إذا كان نظاما أفنجرز قصير المدى وآي هوك متوسط المدى الأميركيان ونظام أورليكونز السويسري قصير المدى التي تملكها السعودية تعمل في الوقت الحالي.
خطر المسيّرات
وقال المصدر الأمني السعودي نفسه، ومصدران بالصناعة لم تسمهما "رويترز"، إن الرياض مدركة لخطر الطائرات المسيرة منذ سنوات وإنها تجري مباحثات مع مستشارين وشركات للوصول إلى حلول ممكنة لكنها لم تنصب أي نظم جديدة بعد.
وقال المصدر الأمني إن السلطات نقلت بطارية صواريخ باتريوت إلى حقل الشيبة النفطي بعد إصابته الشهر الماضي. وتوجد صواريخ باتريوت عند مصفاة رأس تنورة التابعة لأرامكو.
لماذا لا يتم اعتراض الصواريخ الحوثية؟
ويوضح ديف ديروش، من جامعة الدفاع الوطني في واشنطن، أن "أغلب أجهزة الرادار التقليدية للدفاع الجوي مصممة للتهديدات على ارتفاعات عالية مثل الصواريخ"، مضيفا "أما صواريخ كروز والطائرات المسيرة فتعمل بالقرب من الأرض ولذا لا يتم رصدها بسبب كروية الأرض. والطائرات المسيرة صغيرة جدا وليس لها بصمة حرارية بالنسبة لأغلب أجهزة الرادار". كما أن اعتراض الطائرات المسيرة التي قد تكون قيمتها عدة مئات من الدولارات فقط بنظام باتريوت مكلف للغاية أيضا، إذ يبلغ ثمن الصاروخ الواحد من صواريخ باتريوت نحو ثلاثة ملايين دولار.
وقال الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس بشركة ديدرون الأميركية للأمن الجوي جورج لامبريكت، إن ثمة وسائل أكثر فاعلية في التصدي للطائرات المسيرة لا سيما إذا كانت تطير في مجموعات.
وأضاف أنه يمكن رصدها بالجمع بين أجهزة الرصد اللاسلكي والرادار واستخدام كاميرات عالية الدقة في التحقق من حمولاتها وتكنولوجيات مثل التشويش في تعطيلها، غير أن أحدث وسائل التكنولوجيا تجلب معها تحديات خاصة، فالتشويش على الموجات اللاسلكية قد يعطل أنشطة صناعية وتكون له آثار سلبية على صحة البشر.
تخوفات سعودية من استهداف محطة تحلية المياه
وتقول مجموعة سوفان الاستشارية الأميركية إن الطائرات المسيرة المسلحة أصبحت متوفرة ولذا فإن التهديد الذي تتعرض له البنية التحتية الحيوية يتزايد بشكل غير متناسب. ويقول المصدر السعودي نفسه إن المسؤولين السعوديين يخشون منذ فترة طويلة من وقوع هجوم على محطة تحلية في الجبيل تخدم وسط السعودية وشرقها، وإن من الممكن أن يسفر هجوم ناجح عليها عن حرمان الملايين من المياه وربما يستغرق إصلاحها وقتا طويلا.
وقال مصدر بالصناعة على دراية بالوضع في السعودية: "هذه بيئة في غاية الثراء بالأهداف. وقد ضربوهم حيث يؤلم الضرب وتوجد الكثير (من الأهداف) حولهم".
(رويترز)