غزة بين التهدئة وتثبيت تفاهمات وقف إطلاق النار

22 مايو 2019
وسّع الاحتلال نطاق مجال الصيد إلى 16 ميلاً بحرياً(الأناضول)
+ الخط -
على نحو مفاجئ، سرّب الإسرائيليون، مساء أول من أمس الاثنين، أخباراً عن اتفاق تهدئة لمدة ستة أشهر كمرحلة أولى، تمّ توقيعه بين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" والفصائل في غزة من جهة، والاحتلال الإسرائيلي من جهة ثانية، برعاية مصرية وأممية، فيما سارعت كل من "حماس" وإسرائيل لنفيه. غير أنّ هذه التسريبات التي أفردت لها وسائل الإعلام الإسرائيلية مساحة كبيرة، كانت مشابهة في ما تضمنته للاتفاق الذي تمّ بموجبه في السادس من مايو/ أيار الحالي وقف إطلاق النار، عقب يومين من التصعيد في غزة، أدى لاستشهاد 25 فلسطينياً وكاد يتطور إلى حرب رابعة.

وتتطابق التسريبات الإسرائيلية مع التفاهمات التي جرى التوصّل إليها مرات عدة في أوقات سابقة برعاية مصرية وقطرية وأممية، والتي تتعلّق بالجوانب الإنسانية والمعيشية والاقتصادية، وتحسين ظروف الغزيّين وتخفيف الحصار عن القطاع.

وتتحدّث التسريبات عن اتفاق لتوسيع مساحة الصيد حتى 15 ميلاً بحرياً، فيما لوحظ أنّ هذا الأمر قد بدأ تنفيذه عملياً صباح أمس الثلاثاء، إذ أعلن منسق أعمال الاحتلال، كميل أبو ركن، عن توسيع نطاق مجال الصيد في البحر إلى 16 ميلاً بحرياً، واضعاً الخطوة في إطار منع تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة. كما تحدّثت التسريبات عن السماح بتدفق المساعدات المالية والإنسانية والصحية للقطاع، إضافة إلى بحث ملف تحسين الكهرباء والتوظيف المؤقت للفلسطينيين للحدّ من البطالة.

أمّا من الناحية الفلسطينية، فالمطلوب فقط، وفق التسريبات، ضمان إبعاد المتظاهرين في مسيرات العودة وكسر الحصار عن الحدود لمسافة 300 متر، إضافة لتثبيت وقف إطلاق النار، واستمرار وقف الحراك البحري قرب قاعدة "زيكيم" العسكرية الإسرائيلية شمال القطاع.

وعلى الأرض، يجرى تطبيق البند الأول من قبل الجانب الفلسطيني بشكل تام. فمنذ انتهاء جولة التصعيد الأخيرة، وتثبيت وقف إطلاق النار، جرى إبعاد المتظاهرين عن الحدود، في مسعى لمنع الاحتكاك بينهم وبين جيش الاحتلال.

من جهته، نفى القيادي في حركة "حماس"، باسم نعيم، صحة هذه التسريبات والحديث عن عقد حركته اتفاق تهدئة مع الاحتلال لمدة ستة أشهر، قائلاً إنها "غير صحيحة". وأوضح نعيم في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "كل ما في الأمر هو ما تم التوافق عليه من تفاهمات برعاية مصرية أممية، واحترام وقف إطلاق النار الذي تمّ التفاهم عليه في 2014". ورجح أن تكون التسريبات لأسباب إسرائيلية داخلية، من دون تقديم المزيد من الإيضاحات حول ذلك.

وأبدى الكاتب والمحلل السياسي من غزة، تيسير محيسن، تأييده لرأي نعيم. وقال في حديث مع "العربي الجديد" إنّ "توقيت التسريبات عن التفاهمات مرتبط بالبعد الداخلي الذي يعيشه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وحاجته الماسة إلى أنّ يحافظ على حالة الهدوء مع المقاومة حتى الانتهاء من تشكيل الحكومة".

وأوضح محيسن أنّ "نتنياهو قد يكون أراد عبر التسريب عن التفاهمات، ألا يثير حفيظة التكتلات والأحزاب التي لا مفرّ من مشاركتها في حكومته الجديدة، من خلال الحديث عن وجود اتفاق لا بدّ من تنفيذه مقابل تحقيق أهداف أكبر"، مضيفاً "رئيس وزراء الاحتلال ينظر كذلك للبعد الإقليمي والدولي والتحركات التي تقوم بها الإدارة الأميركية حالياً، والتي تسعى إلى تطويع المزاج العربي، للوصول إلى قناعة متعلقة بالملف الفلسطيني، بعد إعادة موضعة العداء مع إيران من قبل النظام العربي".

كذلك لفت محيسن، والذي لم يستبعد أنّ تكون التسريبات مرتبطة فعلاً بتحركات التهدئة، إلى أنّ ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية من أكثر المشاكل التي تحيط بنتنياهو، خصوصاً أنّ الشارع الإسرائيلي وخصومه متفقون على ضرورة استعادتهم من القطاع بأي ثمن، وقد تكون التسريبات حول الاتفاق مرتبطة بهذا الأمر. وأوضح أنّ التفاهمات التي كانت جرت بين المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة "حماس" من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، نصّت على فتح ملف الأسرى والحديث به بعد تنفيذ البنود الأولى، مضيفاً "يبقى شرط كتائب القسام، (ذراع حركة حماس العسكرية)، بالإفراج عن محرري صفقة وفاء الأحرار الأولى، أحد الشروط التي تعترض طريق نتنياهو في فتح ملف الجنود الأسرى الذين أسروا خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع عام 2014".

وأكد محيسن أنّ نتنياهو غير راغب بالمطلق في هذه الفترة في إشعال الجبهة مع غزة، خصوصاً أنّ الجولة الأخيرة من التصعيد كانت رسائلها قوية جداً، وكادت أن تضع رئيس وزراء الاحتلال في واقع صعب للغاية أمام جمهوره وخصومه، وحتى حلفائه، بسبب ضربات المقاومة.

المساهمون