بروفايل شباب الانتفاضة يُحيّر الاحتلال

06 نوفمبر 2015
تستمر المواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
يواصل الاحتلال الإسرائيلي التعنّت والإنكار وعدم الاعتراف بحقيقة الانتفاضة الفلسطينية الحالية وتحديد شرارة انطلاقها ودوافعها، تماماً كما يتخبّط خبراؤه في رسم صورة أو بروفايل للشباب المنتفض.

مع اشتعال الانتفاضة في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على أثر الاقتحامات المتكررة لعناصر اليمين وحكومة الاحتلال (وزراء وأعضاء كنيست من الائتلاف الحكومي)، للمسجد الأقصى، حاول الاحتلال الادعاء بأن الرد الشعبي في القدس المحتلة، نابع بالأساس ممّا سمّاه "بتحريض السلطة الفلسطينية وحركة حماس وحتى الحركة الإسلامية" في الداخل، ثم ضم إليهم لاحقاً حزب التجمع الوطني. ومن ثم مع استمرار الانتفاضة، سعى الاحتلال إلى حصرها بداية بشباب القدس المحتلة، والحديث عن كون الانتفاضة "انتفاضة فايسبوكية" بسبب انكشاف الشباب الفلسطيني على مواد "الدعاية والتحريض" في كل ما يتعلق بمخططات الاحتلال في المسجد الأقصى المبارك، بحسب زعمه.

لكن مع تواتر الأحداث، حاول الاحتلال مواكبة انتشار الانتفاضة من حي فلسطيني إلى آخر، والبحث عن خصائص ومميّزات "محلية موضعية" لتفسير استمرار لهب الانتفاضة، ولا سيما بعد أن انتقلت في النصف الثاني من أكتوبر الماضي إلى مدينة الخليل، حيث ذكر عدد من المحللين أمثال عاموس هرئيل، أن للخليل مكانة خاصة في نظر الاحتلال لوجود الحرم الإبراهيمي، الذي تخشى سلطات الاحتلال من تحوّله إلى نقطة جذب للعمليات، باعتباره بمثابة "أقصى صغير".
وفي السياق، نشر موقع "والاه" الإسرائيلي تقريراً يشير إلى أن الاحتلال يعيد حساباته في تحليله لأنماط وبروفايل الشباب المنتفض، وهو يتزامن مع الخلاف في وجهات النظر بين المستوى السياسي في الحكومة الإسرائيلية والمستوى العسكري حول أسباب الانتفاضة واحتمالات توقفها أو عودتها للانفجار حتى لو خمدت نيرانها لبعض الوقت.

اقرأ أيضاًفلسطين.. انتفاضات مستمرة

وبحسب تقرير "والاه"، فإن الاحتلال وبالاعتماد، هذه المرة، على أرقام وإحصائيات دقيقة هي حصيلة الاعتقالات وعمليات القتل الميدانية للنشطاء ومنفذي العمليات، يرسم ملامح جديدة للشباب المنتفض، تُسقط كليّاً مقولة "انتفاضة الفايسبوك" ومقولة تحوّل ساحات التواصل الاجتماعي الفلسطينية إلى ميادين "للتحريض"، وتظهر أن الغالبية العظمى من الشهداء الذين سقطوا في عمليات الإعدام الميدانية، مثلاً، لا يتعاطون مع شبكات التواصل الاجتماعي لافتقار بلداتهم (مثل مخيم شعفاط مثلاً) إلى شبكة الكهرباء، وبالتالي أيضا شبكات الانترنت والاتصالات الهاتفية. وبالتالي فإن هؤلاء الشهداء والمقاومين لم يتأثروا "بأشرطة التحريض" التي تحدثت عنها إسرائيل لأنهم لم يشاهدوها أصلاً.
وبما أنه لا يمكن لإسرائيل أن تعترف هي أو وسائل إعلامها بأن الاحتلال هو السبب الأول والرئيسي للانتفاضة، فإنه لا بد من البحث عن تحريض من مكان آخر، في حال انتفى تحريض "الفايسبوك". وفي هذا السياق، يجد التقرير ضالته بالقول إن الدعاية التي انكشف وينكشف لها شباب الانتفاضة هي تلك التقليدية القديمة، كالتي سادت في سنوات العشرين من القرن الماضي، وهي تمتاز أساساً بانتشار الإشاعات وتناقلها كمصدر أساسي للأخبار، ويؤدي تكرارها إلى حالة تجنيد وتحشيد متسارعة تجلّت بالتظاهرات العفوية التي تندلع بشكل مفاجئ، على "غرار الفزعة" في المجتمعات العربية التقليدية.
وعلى غرار عودة نتنياهو لرمي الفلسطيني بتهمة اللاسامية وتحريض الزعيم النازي أدولف هتلر على تنفيذ المحرقة، يذهب الموقع إلى وصف التظاهرات العربية بأنها مزيج بين الفزعة، التي ميّزت نشاطات الثورة الفلسطينية الكبرى في العام 1936 وبين بعض الشباب العصري الذي يتغذى أيضاً بما يجده على صفحات الشبكات الاجتماعية في العام 2015.
ويقرّ التقرير، الذي وضعه المتخصص في الشؤون الفلسطينية آفي سيسخاروف، مع ذلك، بدور للشبكات الاجتماعية في إلهاب المشاعر وتأجيجها، لكنه دور يظل، بحسب رأيه، غير حاسم وغير كبير خلافاً لما تم الترويج له.
ويعتمد سيسخارف، في تقريره، على نتائج أو محاضر التحقيقات مع الشبان والشابات الذين اعتقلهم الاحتلال، سواء بعد محاولة تنفيذ عمليات أو في أوج مواجهات مع قوات الاحتلال. ويورد مثلاً على استنتاجاته بقوله إن إحدى الفلسطينيات اللواتي اعتقلهن الاحتلال أقرّت بأنها لا تملك حساب "فايسبوك"، لكنها حاولت تنفيذ عملية بعد أن سمعت باستشهاد هديل الهشلمون في مدينة الخليل عند الحرم الإبراهيمي، وأن الفتاة قتلت بدم بارد وتم التنكيل بجثمانها، فقررت الانتقام لفتاة لم تعرفها مطلقاً.

العامل الثاني أو الميزة الثانية التي تكشفها تحقيقات الاحتلال مع المعتقلين، الذين نجوا من الإعدامات الميدانية، تتمثّل في أن قسماً منهم قرروا بشكل مفاجئ تنفيذ العملية، وأن الوقت الذي مضى بين القرار وبين التنفيذ لم يزد عن ساعة أحياناً من لحظة مشاهدة شريط يصور استشهاد فلسطيني برصاص القوات الإسرائيلية. في المقابل، أقرّ عدد من الذين جرى التحقيق معهم بأنهم خططوا مسبقاً لعملياتهم وأنهم صوروا شريطاً مسجلاً قبل توجّههم لتنفيذ العملية.
أما الدائرة المباشرة والأكثر تأثيراً على شباب الانتفاضة، بحسب التقرير الإسرائيلي، فهي الدائرة الاجتماعية المباشرة ومشاهدة تقارير "قاسية" على شاشات التلفزيون. وعند هذه النقطة يزج التقرير، بشكل يبدو وكأنه طبيعي للغاية، بحركة "حماس" وبدور قنواتها التلفزيونية، التي تحظى بمتابعة وبشعبية كبيرتين في الشارع الفلسطيني. وبالإضافة لقنوات "حماس"، يشير التقرير إلى قنوات يملكها الجهاد الإسلامي، القدس، وقناة فلسطين مباشر، علماً بأن السلطة تحاول في هذا السياق منع "التحريض" في القنوات الفلسطينية الخاضعة لسلطتها. وهو قول يناقض ادعاء الحكومة الإسرائيلية، في السنوات الأخيرة، وبشكل أكبر بعد اندلاع الانتفاضة.
وعلى الرغم من أنّ الكاتب حاول في بداية التقرير التقليل من أهمية دور الصفحات الاجتماعية، إلا أنه يلقي مع ذلك بالمسؤولية على حركة "حماس" بأنها هي من يقف خلف الصفحات التي كان يعتقد في البداية أنها صفحات لأناس مستقلين. ويقول إن الحركة فتحت مثل هذه الصفحات التي تدعو وتحض على الانتفاضة، وكلما قامت إسرائيل والسلطة بإغلاق هذه الصفحات تم فتح صفحات بديلة وجديدة.
أما من حيث الأرقام التي يعتمد عليها سيسخاروف والأجهزة الإسرائيلية في محاولات رسم وتحديد بروفايل الشباب المقاوم، فهي تتحدث عن: 74 شاباً وشابة نفذوا أو حاولوا تنفيذ عمليات في الـ33 يوماً الأخيرة. وهم موزعون كالتالي: 24 شاباً وشابة من القدس، 48 من الضفة الغربية، منهم 33 من مدينة الخليل وقراها، اثنان من عرب الداخل، وفي المجمل 6 نساء فقط.
إلى ذلك، يتضح أن 45 منهم من سكان المدن و24 من سكان القرى، و4 من سكان المخيمات وجميعهم من مخيم شعفاط، شمالي القدس. أما المعدل العام لأعمارهم فهو 20 عاماً وعدة أشهر.
أخيراً، يلاحظ التقرير أن مخيم شعفاط هو الوحيد من المخيمات في الضفة الغربية الذي يشارك في الانتفاضة الحالية خلافاً للوضع في الانتفاضتين السابقتين، حيث كان شبان المخيمات في الضفة الغربية على رأس المشاركين في الانتفاضة وقادوا عمليات التصعيد فيها، إلا أن سكان المخيمات وبرغم ظروفهم السيئة للغاية إلا أنهم لا يشاركون في الانتفاضة الحالية.
ويخلص الكاتب إلى القول إنه على ضوء المعطيات المتوفرة لغاية الآن، فإنه من الصعب رسم ملامح بروفايل الشاب المقاوم. وهو عادة شاب في مقتبل العمر وعازب من سكان القدس أو الخليل، إلا أن النتائج تشير إلى أن "البعض جاؤوا من مواقع أخرى، نساء ورجال متعلمون وأقل تعليماً، بعضهم لهم مكانة اجتماعية بارزة، مثل الشهيد مهند الحلبي، وبعضهم انعزاليون"، بحسب زعمه.

اقرأ أيضاً: العمليات تعود لقلب مدن الاحتلال... وتقديرات باستمرار الانتفاضة

المساهمون