لم يخرج الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن القاعدة، بإجراء تعديل على حكومته الأولى قبل أن ينقضي عامها الأول وشهرها السادس حتى. ففي عام 2000، أجرى الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، تعديلاً على حكومته الأولى التي كان يقودها وقتها أحمد بن بيتور، وهي لم تكن قد أنهت شهرها التاسع. ويطرح ذلك تساؤلات حول مسألة استقرار الحكومات ومعايير اختيار الوزراء من جهة، ومن جهة أخرى مسألة السرعة التي تتم بها هيكلة الحكومة وفصل أو تجميع الوزارات، بشكل يوحي بغياب خطة سياسية واضحة لإدارة الدولة.
ومنذ الخميس الماضي، أُبلغ كبار مسؤولي وسائل الإعلام الرسمية بتوقّع صدور بيان يتضمن تعديلاً على الحكومة، لكن الإعلان تأجل حتى أول من أمس الثلاثاء، وقد خلا من أي بعد سياسي، إذ لم يشمل أيا من الوزارات السياسية والسيادية التي يمكن أن تعطي لهذا التعديل معنى سياسياً. فقد حافظ وزراء الخارجية صبري بوقادوم، والداخلية كمال بلجود، والاتصال عمار بلحيمر، والصحة عبد الرحمن بن بوزيد، على مناصبهم، في حين شمل التعديل فقط وزارات تقنية وخدمية، ما جعل هذا التعديل الأول على حكومة عبد العزيز جراد المعيّنة في الخامس من يناير/كانون الثاني الماضي، يبدو أقرب إلى تصحيحات طفيفة.
لكن إبقاء تبون على عدد من الوزراء الذين كانوا تعرضوا لانتقادات حادة بسبب أدائهم، طرح تعليقات كثيرة. ولعل أبرز هؤلاء هو وزير العدل بلقاسم زغماتي الذي وجهت نقابة القضاء بشأنه إلى الآن، أكثر من ثلاث رسائل إلى تبون لدعوته إلى التدخل لإنهاء ما تعتبره هيمنةً وتدخلاً من الوزير في عمل القضاء. إضافة إلى وزير التربية محمد أجاووط الذي بدت معه وزارة التربية مرتبكة إلى حدّ كبير في التعاطي مع تأثيرات أزمة وباء كورونا على السنة الدراسية، إلى جانب الإخفاق الواضح في رقمنة القطاع التربوي وضمان تقديم الدروس عبر المنصات الرقمية. كما تمّ الإبقاء على وزير الصناعة، فرحات أيت علي، الذي تجمع كل التحليلات على أنّه يبدو بعيداً عن القدرة على تحريك قطاع بالغ الحيوية والأهمية بالنسبة للخطط المستقبلية التي كان أعلن عنها تبون في برنامجه، فضلاً عن الإبقاء على وزير التجارة كمال رزيق الذي فشل في ضبط الأسواق والأسعار خلال شهر رمضان وفي ظلّ الأزمة الوبائية، وتخلّف عن تنفيذ جملة من الوعود التي كان أعلن عنها في وقت سابق.
واللافت في التعديل الحكومي عودة تبون إلى ما يوصف في الجزائر بـ"خزانة النظام"، عبر استدعاء رجالات ووزراء عملوا في عقود ماضية، وإعادة توزيرهم، على غرار وزير الطاقة الجديد عبد المجيد عطار، والذي شغل في التسعينيات منصب وزير الموارد المائية، ومديراً لشركة المحروقات الحكومية "سوناطراك". وكان ورد اسم عطار في قضية التلاعب بتمويلات "النفط مقابل الغذاء" في العراق (برنامج صدر بموجب قرار عن مجلس الأمن عام 1995، يسمح للعراق بتصدير جزء محدد من نفطه، ليستفيد من عائداته في شراء الاحتياجات الإنسانية لشعبه، تحت إشراف الأمم المتحدة)، لكنه دافع عن نفسه وبرّأ ساحته تماماً من القضية. ويأتي ذلك بعد أن كان تبون استدعى قبل أيام، وزير التجارة الأسبق في حكومة عام 1986، عبد العزيز خلاف، لتعيينه مستشاراً خاصاً له للشؤون المالية والاقتصادية.
وتسجّل في الحكومة الجديدة ملاحظة سياسية هامة، وهي استمرار الجزائر في الاعتماد على الحكومات الموسعة ذات العدد الكبير، مقارنة مع دول أخرى. إذ باتت تضم الحكومة الجديدة 41 وزيراً، بزيادة وزيرين مقارنة مع الحكومة المعلنة في يناير الماضي، من دون الالتفات إلى ما قد ينجم عن ذلك من إرهاق للخزينة العامة وتكبّد تكاليف إضافية، في ظلّ أزمة مالية تعاني منها البلاد بسبب تراجع أسعار النفط وأزمة كورونا. كما تبدو لافتةً السرعة التي تتم بها عملية استحداث وزارات في الجزائر أو الفصل بين قطاعات وزارية أو إعادة جمعها معاً مرة أخرى. فهذه المرة ألغى تبون كتابة دولة خاصة بالإنتاج الثقافي كان استحدثها لدى تعيين الحكومة في يناير الماضي، واستحدث وزارة للانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة، ونقل لإدارتها وزير التعليم العالي شمس الدين شيتور. كما قام بالفصل بين وزارة الطاقة ووزارة المناجم، علماً أنّ الأخيرة كانت تتبع وزارة الصناعة، وقبل ذلك كانت ضمن وزارة الطاقة نفسها.
ويعتقد خبراء في الشأن الاقتصادي أنّ فصل قطاع المناجم عن الطاقة قد يحرّر وكالة الثروات المنجمية لفتح المناجم للقطاع الخاص، إذ إنّ الوكالة تملك سيطرة كاملة على كل ثروات الجزائر المنجمية المعدنية والنفيسة والتي تدخل كمواد أولية في الأشغال العمومية كالجبس والرمل.
وعادت المخاوف من التوجهات الإيديولوجية لبعض الوزراء الجدد، خصوصاً في قطاعات حساسة، ولا سيما في ما يتعلّق بتعيين نائب الأمين العام للمنظمة الفرنكوفونية في فرنسا، عبد الباقي بن زيان، وزيراً للتعليم العالي والجامعات، في ظرف يتسم بتصاعد خطاب شعبي ورسمي معاد للفرنكوفونية.
كما عاد الرئيس تبون إلى المراهنة مجدداً على وجوه رياضية معروفة في البلاد، فبعد إخفاق العداء والبطل الأولمبي نور الدين مرسلي، في إدارة كتابة الدولة لرياضة النخبة، لجأ تبون هذه المرة إلى البطلة في رياضة الجودو، سليمة سواكري، التي خلفت مرسلي في المنصب نفسه. وتطرح في السياق تساؤلات عن معايير التقييم التي سمحت لتبون بإقالة وزراء آخرين، على غرار وزير الفلاحة شريف عماري، الذي يحظى بقبول كبير في الجزائر، بسبب تحقيقه نتائج جيدة في الإنتاج الزراعي، أقر بها الرئيس تبون نفسه. هذا على الرغم من كون الوزير الجديد عبد الحميد حمدان هو الأمين العام لنفس الوزارة، ما يعني أنّ السلطة حافظت على تقليد تعيين أبناء القطاع الفلاحي في الوزارة، بهدف الاستمرار في تشجيع الاستثمار الفلاحي وتطوير القطاعات الإستراتيجية، خصوصاً في الصحراء التي تعاني على الصعيد الأمني والإداري والاقتصادي. وشمل التعديل أيضاً وزارة المالية المكلفة إعداد ميزانية الدولة ومتابعة تنفيذها، بتعيين محافظ بنك الجزائر المركزي أيمن عبد الرحمن، خلفاً لعبد الرحمن راوية. كما تم تغيير وزير السياحة حسن مرموري، الذي حلّ مكانه محمد حميدو.
وترى بعض التحليلات أنّ التعديل الحكومي مرتبط برغبة الرئيس تبون في ترميم سريع للحكومة وتجهيزها لتنفيذ خطة إقلاع سياسي واقتصادي مباشرةً بعد أزمة كورونا، وتمرير مسودة تعديلات الدستور، وإجراء إصلاحات سياسية مرتقبة. كما ترى أنّ الوزراء الذين تمت تنحيتهم ليسوا من رجالات الرئيس، وليس لديهم نفوذ سياسي يسندهم، وبالتالي كان سهلاً التضحية بهم، خصوصاً أنّ ظروف تعيينهم في يناير الماضي كانت مرتبطة بحسابات أخرى داخل السلطة. في المقابل، فإنّ محللين آخرين يفسرون التعديل الحكومي الجديد على أنّه مؤشر آخر على وجود مشكلات داخل السلطة، ليست بالضرورة في صورة صراع، ولكن على صعيد غياب مشروع سياسي واقتصادي واضح المعالم.
وفي السياق، رأى المحلل السياسي الجزائري رياض حاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "تغيير حكومة لم يمض على تعيينها أكثر من ستة أشهر، هو أمر غير مطمئن"، موضحاً أنه "عندما لا يكون لديك تصوّر للحكم، ولا تملك تصورا للإصلاح السياسي والاقتصادي، وعندما تكون عاجزاً عن تصوّر برنامج واقعي، ستبقى على خطى الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وأعتقد أنّ هذا سيربك مؤسسات الدولة ويدفع إلى تغيير الوزراء قبل أن يجف حبر تعيينهم. ثمّ إنّ المواطن لا يستطيع فهم لماذا عُين الوزراء، وعلى أي أساس قبل ستة أشهر، لتتم إقالتهم اليوم".
في المطلق، لن يتجاوز عمر الحكومة الحالية الستة أشهر، على قاعدة تعهّد الرئيس تبون بتنظيم انتخابات نيابية قبل نهاية السنة، إذ يكون من الإجباري بعدها تشكيل حكومة جديدة مطلع السنة المقبلة، وهو ما يجعل سقف الطموحات والتوقعات من الحكومة الجديدة إدارة المرحلة بكل مقتضياتها، أكثر من توقع تحقيقها لمنجز سياسي واقتصادي.