أحيا إعلان بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، أمس الخميس، عن اتفاق رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج، وقائد القوات الموالية لبرلمان طبرق خليفة حفتر، خلال اجتماع بينهما الأربعاء في أبوظبي، على "إنهاء المرحلة الانتقالية" في ليبيا "من خلال انتخابات عامة"، الآمال بتحوّل جديد يمكن أن يمهّد الطريق أمام حل الصراع في ليبيا، المستمر منذ نحو ثماني سنوات، خصوصاً مع مؤشرات عن دعم دولي للاتفاق الجديد. غير أن هذا الاتفاق لا يزال مهدداً بجملة من الصعوبات التي قد تمنع تنفيذه مثلما حصل في اتفاقات سابقة بين الرجلين، لعل أبرزها عدم وجود التزامات واضحة يمكن أن تُلزم حفتر وحلفاءه بالمضي في تنفيذه، إضافة إلى تساؤلات عن قدرة السراج على إقناع المشاركين معه في السلطة في طرابلس بالالتزام بالاتفاق.
لكن مصدراً برلمانياً مقرباً من حفتر، كشف لـ"العربي الجديد" أن الأخير وصل ظهر الأربعاء إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي بعد ممانعة كبيرة منه، مضيفاً أن اللقاء بين الرجلين الذي استمر ثلاث ساعات متواصلة وكان بحضور سلامة، رعته أطراف دولية فاعلة، على رأسها فرنسا. وعن فحوى الاتفاق، أكد المصدر أن بيان البعثة الأممية المقتضب عن نتائج اللقاء صدر بناء على طلب بعض الأطراف الدولية التي رأت في الحضور المتأخر لحفتر سبباً قد يُضعف من قوة النتائج وصلابة الاتفاق، فكان من المفترض أن يصدر بيان رسمي من الدولة الراعية للقاء.
لكن المصدر اعتبر أن الإطار العام الذي تتحرك فيه فرنسا أخيراً يمكن أن يدلّ على بعض تفاصيل الاتفاق، موضحاً أن "فرنسا اقتربت منذ فترة بشكل كبير من الدبلوماسية الإيطالية لوضع تصور موحّد حول ليبيا يكون في مصلحة باريس وروما، واتفقتا على طلب إجراء تغييرات على الخطوة الأممية، بتجاوز مرحلة الملتقى الوطني الجامع والذهاب إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية في أقرب وقت"، لافتاً إلى أن فرنسا لا تزال ترى في حفتر والسراج الرجلين الأكثر فاعلية والأكثر قدرة على قيادة البلاد في المرحلة المقبلة، مؤكداً أن تفاصيل الاتفاق ستكون ضمن أجواء المساعي الفرنسية عند إعلانه.
الربط بين كلام السلاك، وتسريبات المصدر البرلماني، يكشف أن الأطراف الدولية المؤثرة في الملف الليبي اتفقت على تسوية قوامها حفتر والسراج، يمثّل السراج فيها السلطة المدنية، بينما يشغل حفتر فيها منصباً أمنياً. وقد يشير تأخر مشاركة حفتر في لقاء الأربعاء إلى قبوله مرغماً بالشكل الجديد للتسوية، لا سيما بعد إعلان السراج ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، مساء الثلاثاء، من أبوظبي، عن ضرورة إخراج حفتر لمسلحيه من حقول النفط في الجنوب كشرط لإعادة الإنتاج فيها. ومن جهة أخرى، يتيح قبول السراج بالاتفاق مع حفتر سبيلاً لإبعاد خطر حفتر عن العاصمة طرابلس وإمكانية تفرده بالحكم عسكرياً إذا سيطر عليها.
وبالتزامن مع هذا التطور، برزت مؤشرات في اليومين الأخيرين قد تعكس اتفاقاً مسبقاً بين حفتر والسراج. فقد أثنت حكومة الوفاق للمرة الأولى على عمليات حفتر العسكرية في الجنوب الليبي، بعد شهر ونصف الشهر من التحفّظ عليها ومحاولة عرقلتها. وخلال كلمته أمام أعضاء مجلس الأمن، اعتبر مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة، التابع لحكومة الوفاق، المهدي المجربي، أن "الجهود التي يقوم بها الجيش الوطني الليبي (قوات حفتر) في منطقة الجنوب ستساهم كثيراً في تنفيذ الاتفاقات الأمنية مع دول الجوار"، مشيراً كذلك إلى أن عملية حفتر في الجنوب "ستضع حداً لانتشار الجريمة المنظمة، مثل الاتجار بالبشر والسلاح والجماعات الإرهابية". حتى إنه اعتبر أن عملية حفتر "تعمل على فرض سلطة الدولة على كامل التراب الليبي وتحقق الأمن والاستقرار في المناطق الحدودية مع دول الجوار وفي منطقة الساحل ككل".
أما حفتر، فقد أرسل إشارتين تعكسان تغيراً نسبياً في مواقفه، إذ قرر آمر حرس المنشآت النفطية التابع لحفتر، ناجي المغربي، وبقرار مفاجئ، تسليم حقل الفيل، جنوب غرب البلاد، إلى وحدة مسلحة تابعة للمؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، مشدداً على رغبة قوات حفتر في "إنهاء كافة العراقيل التي تقف أمام عودة الإنتاج في حقول الجنوب الليبي". وبالتزامن، أعلن المتحدث باسم قيادة قوات حفتر، العميد أحمد المسماري، خلال مؤتمر صحافي ليل الأربعاء، عن رسالة وجهها حفتر لمصراتة، الواقعة تحت سيطرة حكومة الوفاق، حيّا فيها "جهاز مكافحة الإرهاب" لإلقائه القبض على أحد العناصر الفارين من بنغازي، والذي كان يقاتل حفتر في السابق، بل شدد المسماري على أن حفتر اعتبر أن "ما قام به جهاز مكافحة الإرهاب في مصراتة يدل على أن الوطن متماسك ومترابط والجميع في خندق واحد ضد الإرهاب والجريمة".
وعلى الرغم من القدر الكبير من التفاؤل، إلا أن جملة من الصعوبات لا تزال تهدّد اتفاق أبوظبي، فهو يشير بوضوح إلى تجاوز مرحلة الملتقى الوطني الجامع، وفق الخطة الأممية، إلى مرحلة الانتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية، وهو تجاوز يحتاج إلى الكثير من المعالجة من قبل البعثة الأممية للمحافظة على ثقتها لدى قطاع كبير من الليبيين يستعدون للمشاركة في الملتقى وتحقيق مكاسب سياسية والمشاركة في منظومة الحكم المقبلة، ما قد يؤثر سلباً على قناعة هذه الأطراف بالانتخابات وقبولها بنتائجها التي ستشرف عليها البعثة.
يُذكر أن الاتفاقين السابقين بين حفتر والسراج في أبوظبي وباريس، أكدا ضرورة إجراء انتخابات في البلاد، لكن تشديدهما على ضرورة أن تكون الانتخابات وفق مبادئ الاتفاق السياسي الموقّع في الصخيرات نهاية 2015، شكّل عامل عرقلة أمام تنفيذهما، لا سيما أن بنوداً أساسية في اتفاق الصخيرات تهدد وضع حفتر في أي مشهد مقبل، وتجعل المناصب العسكرية شاغرة إلى حين إفراز الانتخابات وجوهاً سياسية جديدة تتكفل بترشيح من يشغل هذه المناصب.
ومنذ انعقاد مؤتمر باليرمو في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بدأت البعثة الأممية تتحرك باتجاه تجاوز الأجسام السياسية الحاكمة حالياً في البلاد من خلال دعوة كل الأطراف الليبية، حتى غير الممثلة في المشهد السياسي، إلى الاجتماع في ملتقى وطني جامع، لتقرير مصير الانتخابات ودستور البلاد، في وقت كان فيه سلامة يشدد في إحاطاته المتتالية أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي على أن حكام المشهد في ليبيا يمثلون العرقلة الأساسية لأي تسوية سياسية وسبباً في تعثّر الجهود، مدللاً على فشل مساعي البعثة في تعديل الاتفاق السياسي بسبب تعنّت هذه الأطراف وتمسكها بمصالحها.
وعلى الرغم من أن التوجّه الجديد للبعثة بالاستعانة بكل الأطراف الليبية في ملتقى جامع شكّل بارقة أمل عند الليبيين، إلا أنه شكّل أيضاً فرصة لتحرك حفتر لتوسيع رقعة سيطرته، ما دفع الكثير من المراقبين إلى اتهام البعثة بالسير في ركاب السياسة الفرنسية التي تدعم حفتر، من خلال تعاطيها بشكل غامض مع استحقاق عقد الملتقى، ما تسبّب في تأجيل عقده مرات عديدة.