إيران: الملف النووي قبل "داعش"

18 يناير 2015
لم يناقش ظريف وكيري موضوع "داعش" (جون ماكدوغال/فرانس برس)
+ الخط -
عاد وزير الخارجية الايراني، محمد جواد ظريف، إلى مدينة جنيف السويسرية، بعد إتمامه جولته الأوروبية، والتي زار فيها باريس وبرلين وبروكسل، والتقى عدداً من المسؤولين الأوروبيين لمناقشة التطورات الإقليمية، والمحادثات النووية مع دول "5+1".

وكان لافتاً، خلال هذه الجولة، لقاء ظريف نظيره الأميركي جون كيري، مرتين، الأربعاء في جنيف، والجمعة في باريس. كما التقى معاونا وزيري الخارجية الايراني والأميركي على طاولة الحوار لثلاثة أيام متتالية، قبل انعقاد الاجتماع الأساسي بين إيران والسداسية الدولية، اليوم الأحد.

ويسود الاعتقاد بأن تكون الاجتماعات المكثفة، قد حملت نقاشاً إيرانياً أميركياً على مستويات عدة، وليس فقط على الصعيد النووي. فبعد ثمانية أعوام من التشدد الحكومي في البلاد، وبعد أكثر من ثلاثة عقود من القطيعة الدبلوماسية بين البلدين، بات مشهد لقاء ظريف وكيري عادياً للغاية في الأوساط الإيرانية، على الرغم من التحفظات والانتقادات من قبل بعض الأطراف في الداخل الإيراني. إلا أن المسؤولين الإيرانيين ينفون وجود أي حوار إيراني أميركي، إلا في ما يتعلق ببرنامج البلاد النووي، فالخلافات بين البلدين كبيرة وجوهرية وتاريخية، حسب ما يكررون.

وأشار رئيس الدائرة العربية في الخارجية الايرانية، حسين أمير عبد اللهيان، في حوار مع قناة "العالم" الإيرانية، إلى أن "المحادثات بين إيران والغرب نووية بحتة، ولن يتم التطرق لبحث أي مواضيع إقليمية، على الرغم من رغبة العديد من الأطراف". وقال إن "مسار المحادثات ونتائجها، منفصل تماماً عن الموقف الإيراني إزاء القضايا الأخرى، فحلّ مشاكل المنطقة يكون بيد أصحابها، لا عبر النقاش مع القوى الكبرى خارجها".

في هذا الصدد، قال نائب رئيس لجنة "الأمن القومي والسياسات الخارجية" في البرلمان الايراني، منصور حقيقت بور، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن "بلاده لن تقف في خندق واحد مع واشنطن في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، (داعش). فبعد أن ساهمت أميركا في صنعه، أدركت بأنه يشكّل تهديداً على مصالحها، وعلى كل الغرب".

وأضاف أن "القضاء على داعش قريب، ولا حاجة للتفاوض حول هذه القضية، خلال المفاوضات النووية، فالسوريون والعراقيون وحكومتا البلدين يقفون بوجه التنظيم، كما أن طهران لن تتردد بتقديم المساعدات اللازمة لهما، في ما يتعلق بهذا الأمر".

أما في الملف النووي، فيؤكد حقيقت بور أن "بلاده ستستمر في مفاوضاتها حتى النهاية، وإن وصلت لنتيجة فهذا جيد، وإن لم تصل فلن تتغيّر الأمور بالنسبة لإيران". وفي إطار تحليل الموقف الإيراني، يرى أستاذ الدراسات الأميركية في جامعة طهران، فؤاد إيزدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المجتمع الدولي يركز حالياً على محاربة الإرهاب، لا سيما بعد أحداث باريس، وهو ما يوحي وكأن الملف النووي الايراني وُضع جانباً، لكن هذا الوضع لن يستمر".

ولفت إلى أنه "يُمكن لطهران وواشنطن الوصول لصيغة تعاون، ولكن هناك خلافات حقيقية وجدية على قضايا مفصلية عدة، منها ما يتعلق بالروابط الثنائية، ومنها ما يتعلق بقضايا إقليمية. وهذا الأمر لا يرتبط بشكل الحكومة الحالية وإنما بنظام بأكمله يحكم في البلاد".

وعلى الرغم من هذه التصريحات، إلا أن طهران أكدت من قبل، تسلّم المرشد علي خامنئي، رسالة من الرئيس الأميركي باراك أوباما، يتحدث فيها عن ضرورة مواجهة "داعش" في العراق. غير أن ايران، التي نفت أنباءً عن شنّ القوات الجوية الايرانية غارات على مواقع تابعة لـ"داعش" في العراق، ترفض، على لسان مسؤوليها، وضع يدها بـ"يد عدو تاريخي لها"، تعتبر أنه "أدّى دوراً في خلق داعش لإضعاف الحكومة السورية"، الحليفة الاستراتيجية لطهران. ومع ذلك لا تنفي إيران مشاركتها في عملية القضاء على التنظيم، من خلال تصريحات رسمية، تفيد بأنها ترسل مستشاريها العسكريين لتقديم اللازم على الأرض في العراق.

قد يختلف خطاب الحكومة المعتدلة، تحت قيادة الرئيس حسن روحاني، عن خطاب سلفه محمود أحمدي نجاد، وقد لا يجد فريقه المفاوض ضيراً من الحوار المتعدد الجوانب، مع أطراف غربية. فقد أفاد ظريف بأنه "ناقش ونظيره الفرنسي لوران فابيوس الأزمة السورية وقضايا المنطقة"، مع تأكيده أن "اجتماعاته مع كيري لم تتعدّ النقاش النووي".

ظريف نفسه استُدعي من قبل أعضاء لجنة الأمن القومي في البرلمان، ووُجّهت انتقادات علنية إليه، بسبب سياسته المتبعة التي تُظهر وكأنه بات للوفد الأميركي حظوة خاصة لديه، من بين بقية وفود السداسية. كما يرى مراقبون للساحة الإيرانية أن "النقاش الايراني الأميركي حول الحرب على داعش، لا يستدعي تنسيقاً عالي المستوى، ما دام الطرفان يحققان غاية الوقوف بوجه التنظيم في النهاية، بغضّ النظر عن الأساليب المتبعة".
ويبقى الملف النووي أولوية بالنسبة للايرانيين، فمن بوابته يُمكن الانطلاق نحو ملفات أخرى، وهذه الخطوة هي الأسلم داخلياً وخارجياً، ولولا هذا الملف لما جلس الإيرانيون والأميركيون معاً في الأساس، وفقاً لخبراء إيرانيين.

المساهمون