بيد أن السيطرة على معرة النعمان من ناحية ميدانية، تكمن خطورتها في اتخاذ المدينة نقطة انطلاق للقوات المهاجمة نحو السيطرة على مدن سراقب من جهة الشمال، وأريحا من الشمال الغربي، ومن ثم الانطلاق نحو جسر الشغور، بالإضافة إلى أن المعرة ستكون بوابة لتوغل هذه القوات في قرى جبل الزاوية، حيث تعد معرة النعمان خط الدفاع الشرقي الأول عنه، وعن بلداته وقراه الـ35.
وكان ثوار المدينة، الذين وضعوا تسميات فصائلهم جانباً، قد خاضوا حرب شوارع مفتوحة، يوم أمس، عند بدء اقتحام المعرة من قبل القوات المهاجمة، وكبدوها خسائر فادحة ولا سيما في الأرواح، وأجبروا تلك القوات على الانسحاب عصراً من أغلب أحياء المدينة بعد دخولها، إلا أن كثافة الغارات الجوية والقصف المدفعي الثقيل ورصد طريق الإمداد الوحيد في غرب المدينة من قبل النظام وحلفائه، حالت دون صمود الثوار داخل الأحياء وسط نقص في الإمداد والذخيرة، بل وانعدامها.
وتواجه مدينة سراقب شمالاً، مصيراً مشابهاً لمصير مدينة معرة النعمان، حيث تتقدم قوات النظام باتجاهها بعدما سيطرت على قرى بابيلا، والدانة، ومعصران، والصوامع، وباتت على تخوم بلدة خان السبل التي تعد المحطة قبل الأخيرة باتجاه سراقب في عمق محافظة إدلب والريف الأوسط منها، والعقدة الرئيسية لتقاطع الطريقين الدوليين (الحسكة – حلب – اللاذقية) المشار إليه بطريق الـ"أم 4" وطريق (دمشق – حلب) المشار إليه بطريق الـ"أم 5".
ولا شك أن مدينة أريحا، غربي إدلب، والواقعة على طريق (حلب – اللاذقية)، تعد كذلك هدفاً قادماً لقوات النظام بعد السيطرة على معرة النعمان وقرية الدانة التي تقع شمالهاً إلى الغرب قليلاً، ولا سيما في حال تقدمت القوات نحو قرى حنتوتين وبينين، غرب معرة النعمان، بعد السيطرة عليها، ما سيجعل الطريق مفتوحاً باتجاه أريحا، بانتظار حجم المقاومة التي ستبديها الفصائل في القرى والبلدات على طريق معرة النعمان – أريحا.
ويرفض قادة ميدانيون ومسؤولون عسكريون في المعارضة التعليق على عدم الزج بطاقات عسكرية كبيرة من عناصر وعتاد لصد الهجوم نحو المدينة ومؤازرة ثوارها وثوار قرىً قريبة منها كانوا يقاومون حتى اللحظات الأخيرة، وسط اتهامات شعبية من قبل المدنيين لقادة الفصائل بالتخاذل في الجدية بالدفاع عن معرة النعمان، وتنفيذ اتفاقات بين دول إقليمية لتسليم المنطقة بكاملها ضمن خرائط جديدة تم رسمها في اجتماعات ومفاوضات هذه الدول حول إدلب والملف السوري عموماً.
وخلال الحملة العسكرية الأخيرة التي بدأت في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، شن سلاح الجو الروسي وذاك التابع لقوات النظام أكثر من ألف غارة على أحياء معرة النعمان ومداخلها، بالإضافة لرشقها على مدار الساعة بعشرات القذائف الصاروخية من الراجمات والمدفعية الثقيلة، بغية تدميرها لتسهيل الدخول إليها، كذلك تعرض ريف المدينة لحملة جوية ومدفعية مشابهة، ما أدى لنزوح حوالي 350 ألف مدني من المعرة وريفها نحو الشمال السوري.
وتعدّ معرة النعمان وريفها جزءاً من "منطقة خفض التصعيد الرابعة" المتفق عليها بين روسيا وتركيا وإيران ضمن مباحثات مسار أستانا، والتي تم تثبيتها في لقاء سوتشي في أيلول/ سبتمبر 2018 بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، وتضم كامل محافظة إدلب وأجزاءً من أرياف حلب الغربي والجنوبي، واللاذقية الشرقي، وحماه الشمالي.
إلا أن الروس والنظام ضربوا بكل الاتفاقيات عرض الحائط، وتقدموا بادئ الأمر نحو ريف حماه في معارك بدأت في نيسان/ إبريل من العام الماضي، وسيطروا على الكثير من المدن والبلدات، أهمها قلعة المضيق وكفرنبودة، وواصلوا التقدم نحو ريف إدلب الجنوبي، وسيطروا على العديد من القرى والمدن، أهمها خان شيخون والهبيط، قبل إيقاف المعارك في آب/ أغسطس من العام ذاته، إلا أن قوات النظام وحلفاءها استأنفوا المعارك في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، من محاور جنوبي شرق إدلب وسيطروا على حوالي 50 قرية وبلدة، أهمها مدينة معرة النعمان، يوم أمس، وسط عجز تركي عن وضع الروس والنظام أمام حد لتنفيذ الاتفاقيات المبرمة.
وكان الرئيس التركي قد أعلن، ظهر اليوم الأربعاء، أن "روسيا لا تلتزم بمخرجات أستانا وسوتشي حول سورية"، وقال: "أبلغنا روسيا بنفاد صبر تركيا تجاه استمرار القصف في إدلب"، مشيراً إلى أنه "لم يعد هناك شيء اسمه مسار أستانا، وعلينا أن نبحث عن طريقة لإعادة إحيائه".