الشائعات تغزو المجتمع العراقي: سلاح بيد السياسيين والأحزاب

13 ابريل 2017
تتحكم الشائعات بالكثير من تحركات العراقيين (مرتضى سوداني/الأناضول)
+ الخط -


يغرق المجتمع العراقي شهرياً بعشرات الشائعات التي تُبث على مواقع التواصل الاجتماعي، وتنتشر في المقاهي الشعبية والمنتديات انتهاءً بسائقي التاكسي والحافلات، تتناول معلومات مختلفة تتعلق بجوانب سياسية وأمنية واجتماعية متعددة، وتجد صدى في الشارع العراقي وعلى مستويات متفاوتة من منطقة إلى أخرى.
ويقول خبراء ومختصون في الشأن العراقي، إن قسماً كبيراً من تلك الشائعات يتم تأليفها من قِبل جهات حكومية وأخرى سياسية، تكون موجّهة لصالح طرف وتضر بآخر، ما يمكن وضعها ضمن أساليب الحرب الباردة بين الأحزاب والجهات السياسية المختلفة، أو الموجّهة ضد شخصيات حكومية معينة أو الحكومة بشكل عام.
ومنذ احتلال العراق وبدء الفوضى في هذه البلاد، كانت آفة الشائعات أحد أسباب الموت اليومي، إذ سقط وما زال، الكثير من المواطنين ضحايا بسببها، خصوصاً في ما يتعلق بالشق الطائفي وشحن الشارع أو نشر فضائح ضد أحزاب، وحركات سياسية تتعلق بالفساد المالي والأخلاقي وغيرها. وتعدى ذلك إلى الترويج لصالح المليشيات المدعومة من إيران، أو لصالح تنظيم "القاعدة"، ومن بعده تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وأخيراً طاولت الشائعات شخصيات اجتماعية وأخرى دينية وحتى تجارية.
في العامين الماضيين أخذت الشائعات حيزاً كبيراً في الأحداث السياسية والأمنية، وباتت السلاح الموجّه من الكل ضد الكل، وهو ما دفع وزارة الداخلية إلى إنشاء قسم خاص يُعرف باسم "مكافحة الشائعات". وباتت الوزارة تُصدر بشكل مستمر بيانات تنفي فيها أبرز الشائعات، خصوصاً تلك التي تتعلق بالأمن العام في البلاد أو ذات الطابع الطائفي الحساس. وفي الفترة الأخيرة، فعّل القضاء محاكمات بحق من يثبت تبنّيهم شائعات خطيرة وترويجها بين الناس، بعدما لمس أغلب العراقيين خطرها.
ويصف العقيد محسن العلي، أحد المسؤولين في قسم محاربة الشائعات، عمله بأنه أصعب من ملاحقة المجرمين والخلايا الإرهابية. ويشير إلى أن "الكثير من الضحايا راحوا بسبب الشائعات، ونركز حالياً عملنا على محاربة أي شائعة طائفية أو تتعلق بالأمن، أما تلك التي تتعلق بالشق الاجتماعي والاقتصادي فهي تأتي في المرتبة الثانية".
ويضيف: "في لحظة تتخيل أنك أمام مصانع كثيرة وكبيرة للشائعات، فنجد يومياً ما بين خمس إلى سبع شائعات، عادة ما تنطلق من صفحات فيسبوك وتتسع لتشمل المقاهي وسيارات الأجرة"، لافتاً إلى "أننا نشكو من بعض الفضائيات والصحف التي تبني على تلك الشائعات قصصاً وتقارير وتنسبها إلى مصادر خاصة مطلعة لتكتسب بعد ذلك هذه الشائعة حلة شبه رسمية، ما يجعلنا في النهاية ننفيها، ولكن على الرغم من نفينا نجد من يقول إن الحكومة تُكذّب، المعلومات صحيحة".


وشهد شهر مارس/آذار الماضي نسبة هائلة من الشائعات السياسية في العراق، تناولت في مجملها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وخطواته المقبلة في العراق منذ بدء تصريحاته حول البلاد ومهاجمته إيران، وحتى الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى واشنطن على رأس وفد حكومي رفيع، وهي شائعات تضمّنت تفاصيل مملة، دفعت حتى من هم في دائرة صنع القرار في العراق إلى القول "قد تكون صحيحة ولم يبلغني أحد بها"، كما يقول النائب محمد الجاف لـ"العربي الجديد".
ويشرح الجاف أن "هناك اشخاصاً متخصصون في بث الشائعات، فيوجد ما لا يقل عن ألف حساب على فيسبوك تتبع الأحزاب والسياسيين والجهات الحكومية، وبعضها يديرها وزراء وبرلمانيون بأسماء وهمية عدة، هدفها التسقيط للآخر من خلال الشائعات". ويتابع: "هناك حسابات أخرى تتقاضى أموالاً لقاء نشر ما يريده الزبون، فباتت للشائعة دكاكين أيضاً".
ومن بين نحو 20 شائعة تتعلق بما سيفعله ترامب في العراق، ما زال العراقيون يتناولونها في مجالسهم، كانت هناك ثلاث شائعات سبّبت قلقاً حتى لمن يسميهم العراقيون بسكان المنطقة الخضراء، ومنها أن "ترامب قرر طرد إيران من العراق وبدأ خطواته الفعلية لذلك"، وأيضاً أن "ترامب طالب بتشكيل حكومة عراقية من مغتربين موجودين في واشنطن لاستبدالهم بالشخصيات الحالية التي جاؤوا أول مرة عام 2003"، وأخرى قالت إن "ترامب حذر العبادي بأنه سيعيد احتلال العراق مجدداً، في حال لم يتم إصلاح الوضع في العراق"، أو أن "ترامب ناقش تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم، سنّي وشيعي وكردي"، وأن "أموال النفط العراقي ستشرف على إنفاقها الولايات المتحدة، ولن تسمح للحكومة بالتصرف بها بسبب الفساد"، فيما كانت الشائعة الأبرز هي أن "ترامب سيُصدر قائمة بأسماء 54 مطلوباً من ضمنهم رئيس الحكومة السابق نوري المالكي بتهمة بيع العراق لإيران".
وحول هذا الموضوع، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة الأنبار محمد الجبوري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الشائعة في العراق باتت سلاحاً رئيساً بيد السلطة والأحزاب وجميع أصحاب المصالح، والشارع له قدرة كبيرة على استقبالها بل العيش والتخطيط على ضوئها".
ويرى الجبوري أن هذه الشائعات "باتت وسيلة التخدير الرئيسية للشعب، وهي عادة ما تُطلق من جهات عدة ولأسباب مختلفة"، معتبراً أن "استمرارها بالانتشار في هذا الشكل وتجاوب الناس معها دليل على أن الشارع وصل إلى مرحلة من اليأس والإحباط، وهو يرغب بأن يخالف عقله والوقائع على الأرض فقط، كي يصل إلى شعور بأن المقبل أفضل، كما في حالة شائعة أنه سيتم توزيع عائدات النفط على العراقيين بشكل شهري أو منح منزل مجاني لكل موظف"، مشيراً إلى أن "شائعات أخرى تجعل العراقي منشغلاً على الدوام، مثل الاستدعاء الإجباري للخدمة العسكرية، أو أن هناك هجوماً إرهابياً واسعاً، وغيرها من تلك الشائعات التي تحتاج شعباً واعياً لإيقافها".
ويشير إلى أن "الشارع بات يصدق الشائعات أكثر من تصديقه تصريحات الوزير أو المسؤول نفسه في مؤتمر صحافي"، خاتماً بالقول: "الشعب العراقي بات أكثر الشعوب التي تعيش على الشائعات".