سيناريو انشقاق "نداء تونس" يقترب

04 نوفمبر 2015
ناصر ومرزوق خلال اجتماع بمقرّ الحزب الشهر الماضي(أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -
سيكون الحزب الأغلبي في تونس، "نداء تونس"، بحاجة إلى معجزة من الحجم الكبير لتفادي خطر الانقسام، والذي بات حتمياً بعد أحداث اليومين الماضيين؛ فقد شهد اجتماع للحزب يوم الأحد أحداث عنف بين شقين متصارعين على قيادته منذ أشهر، تلاها بيان من عدد من النواب (أكثر من ثلاثين نائباً)، إلى الرئيس المؤسس للحزب الباجي قائد السبسي بالتدخل في شؤون الحزب والكتلة النيابية، وإلى مدير ديوانه رضا بلحاج ونجله حافظ قائد السبسي بالوقوف وراء أعمال العنف وتعطيل اجتماع المكتب التنفيذي.

اقرأ أيضاً: نداء تونس: اشتباكات بين فريقين متصارعين تهدد بانفجار الحزب 

معسكران

ووصل الاحتجاج إلى حد إعلان بعض النواب الغاضبين نيتهم الاستقالة من الكتلة. وطالب النواب في بيانهم السبسي بوضع حد لما يحدث في الحزب، وهو ما دفعه الى إصدار دعوة عاجلة للكتلة النيابية للقائه مساء الإثنين. غير أن النواب المعترضين رفضوا الحضور. ونشر 31 نائباً رسالة عبّروا فيها عن رفضهم لقاء السبسي، فيما حضره نحو 47 نائباً، بحسب ما أكدت شخصيات حضرت الاجتماع لـ"العربي الجديد".

وأكد النواب الحاضرون أن السبسي عبّر عن إدانته لحالة العنف والفوضى التي شهدها اجتماع الحمامات يوم الأحد، داعياً رئيس الحزب محمد الناصر (الذي يرى شق من الندائيين ومعهم السبسي أنه جزء غير مباشر من الأزمة) ونواب الحركة، إلى تحمّل مسؤولياتهم لفض الخلافات التي يشهدها الحزب، وإلى فتح تحقيق في أحداث الأحد.

ورأى السبسي أن إعلان بعض النواب الاستقالة والخروج عن الكتلة بمثابة خيانة، وأخطر من الأحداث التي حصلت في اجتماع المكتب التنفيذي للحزب يوم الأحد، لأنها تمثل خطراً كبيراً على استقرار البلاد والاستقرار السياسي.

ودافع السبسي عن نفسه بعد توجيه اتهامات مباشرة له بمحاولة توريث ابنه في الحزب، معتبراً أنه ضدّ هذا الأمر، وأنّ الرئاسة غير معنية بمشاكل الأحزاب، رافضاً إقحام مؤسسة الرئاسة في أزمة النداء. غير أن هذا الأمر صعب بسبب وجود نجله ومدير ديوانه في قلب الأزمة.

وعلى الرغم من أن غالبية النواب حضروا الاجتماع ويساندون جناح نجل السبسي، إلا أنّ تطورات الأحد جاءت لتبين أنّ كتلة من الحجم الكبير تقف أيضاً على الرصيف المقابل، وباتت تُعلن صراحة موقفها مما يحدث في الحزب، وهو ما يُنذر بانفجار قريب على الأبواب قد لا ينتظر المؤتمر نهاية هذا العام.

ووصل الأمر ببعض النواب الغاضبين الى حد الإعلان عن إمكانية تشكيل حزب جديد، وهو تطور لافت جداً، إذ كان كثيرون يعتقدون أنّ جناح الأمين العام محسن مرزوق ضعيف وأقلّوي في الحزب، ولكن التطورات أثبتت أن كثيرين يناصرونه.

في المقابل، وجّه النائب عبد العزيز القطي اتهاماً صريحاً إلى مرزوق بتنفيذ أجندة خاصة تعكس طموحاته الشخصية منذ خروجه من القصر الرئاسي، وتوليه مهمة إدارة الحزب، وهي طموحات تستهدف مباشرة رئيس الجمهورية ومؤسسات الرئاسة، على حدّ قوله.

واعتبر القطي أن مرزوق كشر عن أنيابه، وخصوصاً بعد الزيارة الأخيرة إلى الولايات المتحدة، وأن المعطيات المتوافرة تؤكد أن مرزوق عاد بخريطة طريق واضحة المعالم جوهرها الإطاحة برئيس الجمهورية.

ارتدادات على المشهد السياسي

وألقت هذه الأحداث بظلالها على الساحة السياسية التونسية بكل مكوّناتها، إذ اعتبر القيادي في "حراك شعب المواطنين"، عدنان منصر، والذي يترأسه المنصف المرزوقي، أنه يفترض في هذا الحزب أن يحلّ مشاكل البلاد، لكن ما يحدث يدفع إلى الشعور بالخجل، معتبراً إياه خطراً عظيماً على كيان الدولة ووجودها، متسائلاً "ما هي المرحلة المقبلة؟ هل تحسمون صراعكم بالرصاص في الشوارع؟".

بدوره، رأى القيادي في حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" طارق الكحلاوي، أن "نداء تونس" ليس حزباً بل هو مجمع لوبيات ليس له علاقة بالسياسة.

وجاء لافتاً ما أشار إليه أحد قياديي "الجبهة الشعبية" اليسارية، محسن النباتي، في نص نشره على صفحته الرسمية، حين اعتبر أن حركة "النهضة" "ستعيد السيناريو التركي بطريقة تونسية، وذلك من خلال انسحابها من الائتلاف الحاكم قريباً بعد أن ينقسم النداء إلى شقين"، بحسب قوله.

وأضاف أن "نداء تونس" في الأصل حالة سياسية مفتعلة صعدت نتيجة كوارث الترويكا من جهة، وبحث الدوائر الاستعمارية عمن يحفظ مصالحها بعدما تيقنت من فشل جماعة "الإخوان المسلمين"، من جهة ثانية، بحيث سارعت لتركيب حالة سياسية مؤقتة. واعتبر أن استمرار الحزب على نفس الشاكلة من شبه المستحيل.

ولا يقتصر الأمر على بعض المعارضين، فقد اعتبر أحد أبرز قياديي النداء ورئيس لجنة التشريع العام في مجلس النواب، عبادة الكافي، أن حزب "النهضة" قد ينقض على الغالبية النيابية في البرلمان، مستفيداً من الانقسامات التي تعصف بـ"نداء تونس". وقال إن الانقسام يعني أن تتحول الغالبية في البرلمان الى حركة "النهضة"، لأن الكتلة النيابية انقسمت بالفعل.

ولم يتأخر ردّ رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، والذي قال إن "النهضة" ليس لها النية للانفراد بالحكم أو حتى قيادته، بل ترى أن الوضع الحالي الذي تعيشه البلاد يتطلب استمرار حكم الائتلاف الرباعي، وأن تقود الحكومة شخصية مستقلة متميزة.

بموازاة ذلك، قلّل قياديون بارزون من حركة "النهضة" لـ"العربي الجديد" من احتمال حصول تداعيات سريعة لانقسام "نداء تونس" على طبيعة الائتلاف الحاكم، مؤكدين أنهم لا يطمعون في سقوط الحكومة وانقسام النداء لأن هذا الوضع لا يخدم أحداً في الوقت الحالي وأن "النهضة" ليست لها نيات لإدارة الحكم. من جهة ثانية، لم يستبعد مراقبون إمكانية حصول انتخابات سابقة لأوانها في حال انشق النداء.

حكومة الصيد في عين العاصفة

وتنعكس الأزمة على حكومة الحبيب الصيد، والذي يراقب المشهد من بعيد ويحاول أن ينأى بحكومته عن مختلف الأزمات، مردّداً باستمرار أن مشاكل النداء لن تؤثر على التحالف الحكومي. غير أنه يتناسى بقوله هذا أن شعلة انفجار الأزمة في النداء بدأت بعد استقالة الوزير "الندائي" الأزهر العكرمي، والذي وجه وابلاً من الاتهامات للصيد نفسه، ثم جاءت إقالة وزير العدل، قبل أن تنفجر وزير التنمية ياسين إبراهيم، زعيم حزب "آفاق". لذلك، يبدو أن عاصفة "نداء تونس" ستطيح بالمشهد السياسي برمته.

اقرأ أيضاً: الغنوشي يؤكّد دعم "النهضة" الكامل لسياسة السبسي