انتخاب ممثلي "البعث" بالبرلمان السوري: ديكور سياسي لنظام الأسد

07 يونيو 2020
حزب البعث "قائد للدولة والمجتمع" في دستور النظام (Gety)
+ الخط -
لم يكن "حزب البعث العربي الاشتراكي" سوى ديكور سياسي في الجمهورية التي أسسها حافظ الأسد في عام 1970، والتي تُحكم بشكل مباشر من أجهزة أمنية يتولاها ضباط بعثيون ينتمون إلى الطائفة العلوية، إذ لم يكن لهذا الحزب، الذي تأسس في أربعينيات القرن المنصرم، أي دور حقيقي في مجريات الحياة السورية، رغم كونه، وفق دستور الأسد الأب، "قائدا للدولة والمجتمع".


ورغم كل ما جرى في سورية منذ عام 2011 من أحداث جسام بسبب الحرب المفتوحة التي شنها النظام على السوريين، والتي وضعت البلاد برمتها أمام خيارات صعبة، منها التشظي والتقسيم، لا يجري هذا الحزب أي مراجعات فكرية يمكن أن تسهم في تهيئة أجواء سياسية تؤدي إلى حلول للقضية، بل لا يزال أسير خطاب حزبي اكتشف السوريون مبكرا عبثتيه وانفصاله عن الواقع السوري والعربي، وهو ما أدى إلى الثورة التي حشد النظام كل قواه للقضاء عليها، بما فيها حزب البعث الذي يستعد لانتخابات برلمانية، هي نسخة جديدة من انتخابات متكررة دأب النظام على إجرائها وباتت مدعاة لسخرية السوريين موالين ومعارضين.

وقرر "حزب البعث العربي الاشتراكي"، الحاكم شكلا في سورية منذ 57 عاما، انتخاب ممثليه إلى "مجلس الشعب" (البرلمان) عبر مؤتمرات موسعة لفروعه في المحافظات السورية، في خطوة وُصفت بأنها "غير مسبوقة" في تاريخ الحزب. وكانت ما تسمّى بـ"القيادة القطرية" في الحزب المذكور هي من تعيّن ممثليها إلى مجلس الشعب والذين ينجحون في انتخابات شكلية تُجرى منذ سبعينيات القرن الفائت.
وذكرت "القيادة المركزية للحزب" أن الأمين العام المساعد هلال الهلال ناقش مع قياديي فروع الحزب "قرار القيادة الناظم لعملية الاستئناس الخاصة باختيار الرفاق البعثيين للدور التشريعي الثالث لمجلس الشعب السوري". وأشارت القيادة، في بيان، إلى أنها "المرة الأولى في تاريخ الحزب التي يتم فيها اختيار ممثليه لهذا الاستحقاق عن طريق هذا العدد الكبير من البعثيين وبشفافية عالية".

وذكرت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام أن رئيس مجلس الشعب الحالي حموده الصباغ، وهو قيادي في حزب البعث، "شدد على ضرورة انتقاء المرشحين وفقاً لرؤية القائد بشار الأسد، لتكون كتلة حزب البعث العربي الاشتراكي قدوة في خدمة الجماهير وتحقيق تطلعاتهم تحت قبة مجلس الشعب". وأشارت "الوطن" إلى أن عددا من فروع الحزب "بدأت بفرز الأسماء التي يحق لها الترشح وشطب الأسماء الأخرى التي لا تنطبق عليها الشروط، على أن تتوالى العملية في مختلف الفروع"، وفق الصحيفة.

وكان بشار الأسد، وهو الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، قد أجّل انتخابات ما يسمّى بـ "الدور التشريعي الثالث" إلى منتصف الشهر القادم، وذلك بسبب الإجراءات الاحترازية من أجل التصدي لتفشي فيروس كورونا في البلاد. وتجرى الانتخابات بناء على الدستور الذي وضعه بشار الأسد في عام 2012، في محاولة لم تجدِ لمحاصرة الثورة السورية والتي كانت في ذروتها في ذاك العام. وحاول الأسد تهدئة الشارع المعارض من خلال حذف المادة الثامنة من الدستور الذي وضعه والده في سبعينيات القرن الفائت، والتي تنص على أنّ: "حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية".

ولكن المعطيات تؤكد أن النظام أزال هذه المادة شكلا، من أجل التحايل على الحراك الثوري وإطفاء جذوته، إذ لا يزال حزب البعث يحتفظ بكل سلطاته في البلاد، حيث لم يتغير شيء، وحيث لا يزال الرؤساء الثلاثة (الجمهورية، مجلس الوزراء، مجلس الشعب) من حزب البعث، إضافة إلى المحافظين ورؤساء الجامعات ورؤساء النقابات المهنية والمنظمات الشعبية، وعدد كبير من الوزراء، وخاصة الوزرات المهمة، والمديرين العامين للمؤسسات الحكومية. ولم يتغيّر شيء على فروع الحزب في المحافظات، حيث لا يزال أمناء الفروع هم المشرفون على أعمال الدولة، بل إن أمين الفرع يرأس اللجنة الأمنية في محافظته.


كما لا يزال التداخل ما بين الحزب والدولة قائما، وما يسمّى بـ"الجبهة الوطنية" التي أنشأها الأسد الأب في السبعينات من القرن الفائت لتقييد الحياة السياسية في سورية، ووضع الأحزاب التي كانت قائمة تحت عباءة حزب البعث. وتولى حزب البعث، الذي تأسس في عام 1947، السلطة في آذار/ مارس من عام 1963، عقب انقلاب عسكري سرعان ما جيّره ضباط بعثيون من الطائفة العلوية لصالحهم للسطو على السلطة في سورية، وهو ما تحقق بشكل فعلي في انقلاب آخر جرى في شباط/ فبراير من عام 1966، قاده هؤلاء الضباط، ومنهم صلاح جديد وحافظ الأسد.

وفي عام 1970، انقلب الأسد على رفاقه في الحزب بعد أن لمس توجها لطرده منه، فوضع أغلب قيادات الحزب غير الموالية له في سجن المزة العسكري، بمن فيهم رئيس الدولة آنذاك نور الدين الأتاسي، ورئيس الحكومة يوسف زعيّن، والأمين القطري للحزب صلاح جديد، وعدد كبير من الوزراء والضباط المنتمين لحزب البعث الذين كان يشك الأسد بولائهم.

وفي عام 1973، وضع الأسد الأب دستورا جديدا كرّس فيه حزب البعث قائدا للمجتمع والدولة في سورية، ليلغي بذلك الحياة السياسية فيها، مكرسا حكم الفرد والحزب والطائفة. وأبقى الأسد على عدة أحزاب تدور في فلك حزب البعث الذي كان يدعو إلى الوحدة العربية والاشتراكية، في حين لم يحقق من هذه الأهداف شيئا، إذ اكتشف السوريون لاحقا أن البعث كان مجرد مطية لحافظ الأسد لحكم سورية وتوريثه لأبنائه.
وفي المؤتمر القطري الثامن، الذي عقد في عام 1985، أطلق الأسد الأب رصاصة الرحمة على حزب البعث، إذ لم يعقد الحزب أي مؤتمر قطري في حياة الأسد الأب، وتحوّل "البعث" إلى مجرد ديكور سياسي في دولة تُحكم من قبل أجهزة أمنية يرأسها ضباط من الطائفة العلوية، اتخذوا من الفساد سبيلا لتكوين ثروات طائلة في بلاد كانت ولا تزال ترزح تحت الفقر. وفي يونيو/حزيران من عام 2000، انعقد المؤتمر القطري التاسع على عجل، بعد أيام من وفاة حافظ الأسد، لتعيين بشار الأسد أمينا عاما للحزب كي يتسنى له استلام السلطة المطلقة في البلاد. ورفض الأسد الابن كل دعوات الإصلاح التي تقدم بها معارضون، بل فتك بـ"لجان إحياء المجتمع المدني في سورية" التي نشطت عقب وفاة الأسد الأب، وأغلق كل المنتديات السياسية التي كانت تنشط إبان "ربيع دمشق"، الذي كان يأمل السوريون أن يؤدي إلى تغيير حقيقي في البلاد، ويؤدي إلى نظام ديمقراطي متعدّد الأحزاب، وسيادة القانون، والاعتراف بحرية التجمع والصحافة وحرية التعبير، والإفراج عن السجناء السياسيين، والحقوق الاقتصادية المستحقّة لجميع المواطنين، وإنهاء الوضع الخاص لحزب البعث بوصفه "الحزب القائد في المجتمع والدولة".

ومع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، دعا المعارضون السوريون إلى كتابة دستور جديد وعقد مؤتمر وطني عام وإطلاق سراح المعتقلين، وحرية الصحافة، وتفكيك الأجهزة الأمنية التي كانت كابوس السوريين طيلة عقود. ولكن بشار الأسد قرر مواجهة الثورة بالحديد والنار، حيث زج كل قواه في سبيل وأد الثورة، بما فيها حزب البعث العربي الاشتراكي. وأسس "البعث" في عام 2012 كتائب مسلحة من أعضائه تحت مسمّى "اللجان الشعبية" لمواجهة الثورة إلى جانب قوات النظام والأجهزة الأمنية ومجموعات الشبيحة.
المساهمون