العراق... ممر آمن للمساعدات العسكرية الروسية إلى الأسد

18 سبتمبر 2015
تعبر الطائرات الروسية بموافقة الحكومة العراقية (كيريل كودريافتسيف/فرانس برس)
+ الخط -
اتخذت مسألة "الجسر الجويّ الروسي للنظام السوري"، أبعاداً إقليمية واسعة، مع ثبوت تحوّل الأجواء العراقية إلى ممرٍ للطائرات الروسية. وتؤكد مصادر عراقية مطّلعة في هذا الصدد لـ"العربي الجديد"، أن "المجال الجوي العراقي بات الطريق الرئيس لعبور المساعدات العسكرية الروسية إلى نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد منذ نحو أسبوعين"، فيما تشير مصادر أخرى إلى أن "الأمر بدأ منذ بدء الأزمة السورية، لكن وتيرتها ارتفعت الآن وباتت علنية أكثر".

ويكشف وزير عراقي بارز، رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "70 في المائة تقريباً من المساعدات الروسية التي وصلت إلى دمشق عبرت من خلال الأجواء العراقية، وبعلم الحكومة العراقية التي منحت الموافقة شفهياً للجانب الروسي". ويضيف الوزير أن "المساعدات الإيرانية التي تصل لنظام الأسد تتمثل في جنود ومسلحين وأفراد مليشيات عراقية وإيرانية وأفغانية، تمرّ كلها من العراق وما زالت".

وحول موقف رئيس الحكومة حيدر العبادي ومبررات سماحه لروسيا وإيران باستخدام العراق جسراً جوياً، يقول الوزير "العبادي تحدث عن الموضوع بشكل مقتضب داخل مجلس الوزراء، بعد نشر صحف أميركية معلومات عن ذلك، ولفت إلى أن المساعدات هي لقتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والإرهاب وليس الشعب". ويُبيّن أن "التبرير كان غير منطقي أو مقنع للحضور، فشمّاعة داعش أصبحت وسيلة لذبح الشعب السوري". وسبق أن كشف مسؤول عراقي في سلطة الطيران المدني، يوم الثلاثاء، عن عبور طائرة شحن روسية من طراز "أنتونوف" الأجواء العراقية، آتية من إيران ومتجهة إلى سورية، وهي الخامسة من نوعها في غضون أيام.

وفي هذا الصدد، وجّه أعضاء في البرلمان العراقي وقيادات سياسية انتقادات حادة لرئيس الحكومة. ويرى القيادي في "التحالف الكردستاني العراقي" محمد حمه أمين، أن عبور الطائرات "أمر غير أخلاقي". ويضيف أن "الحكومة العراقية مطالبة بتوضيحات عاجلة حول خرق الدستور والتسبب بإذكاء العنف والدمار في بلد مجاور لنا، ومنح الشرعية للأسد".

اقرأ أيضاً: شرطة صلاح الدين تتسلّم الأمن بعد انسحاب "الحشد الشعبي"

من جهته، يؤكد مستشار الأمن الوطني السابق، عضو البرلمان الحالي، موفق الربيعي، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أن "بغداد لا تعارض من ناحية المبدأ أي طلب روسي لاستخدام الأجواء العراقية، من أجل إيصال المساعدات إلى النظام السوري لدعمه في الحرب ضد تنظيم داعش".

أما عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، نايف الشمّري، فيُشدّد على أن "سيادة العراق خط أحمر لا يمكن تجاوزه من قبل أي دولة. وعلى وزارة الخارجية إصدار توضيح بشأن مرور طائرات شحن روسية عبر الأجواء العراقية". ويدعو في هذا السياق وزارة الخارجية، إلى إصدار توضيح بشأن مرور الطائرات الروسية إلى سورية عبر الأجواء العراقية".

ويعزو خبراء بالشأن العراقي موافقة العبادي على استخدام روسيا أجواء العراق، إلى ضغوط داخلية كبيرة يتعرض لها من قيادات "التحالف الوطني" الموالي لإيران، فضلاً عن تقديم موسكو مساعدات عسكرية لبغداد بأسعار مناسبة وأخرى مجانية.

ويقول العميد المتقاعد سعد عبد الحسن الساعدي لـ"العربي الجديد"، إن "المعلومات تتحدث عن مساعدات عسكرية مجانية وصلت لبغداد، تتمثل في ثلاثة ملايين رصاصة كلاشينكوف، وقذائف آر بي جي 7، وقطع غيار لدبابات تي 72 الروسية. علماً أن كل هذه التقديمات لا تمثل أي قيمة لموسكو إزاء خطوتها التي أربكت خطط أعدائها بالغرب".

ويتابع "عدا تلك المساعدات، فإن وجود صفقات تسليح لم تكتمل من ناحية التجهيز، يجعل العراق ضعيفاً أمام أي طلب روسي، خصوصاً أن الحرب مشتعلة والولايات المتحدة تأخرت في تسليم الأسلحة، عكس روسيا، التي وفّرت الثمن الزهيد والسرعة بالتجهيز في مجال الذخيرة أو الأسلحة". ويلفت إلى أن "رفض دول أوروبية عبور طائرات الشحن الروسية أجواءها إلى سورية، يجعل من طريق إيران ـ العراق معبرا آمنا ومناسبا، رغم طول هذه المسافة قياساً على طريق البحر عبر اليونان".

أما القيادي في "الحراك الشعبي"، محمد عبد الله، فيقول لـ"العربي الجديد"، إن "قيادات سياسية قدمت استفسارات للعبادي حول انتهاك الروس للمجال الجوي العراقي، واستخدامه في دعم نظام فاقد الشرعية، لكنه لم يصل أي جواب والعبادي يلتزم الصمت". ويتابع "قلنا للعبادي نحن عرب قبل كل شيء، وعليك أن تتذكر ذلك، وإذا خسرت ودّ طهران وموسكو، فسيفتح العرب والعالم أذرعهم إليك. ونأمل أن تكون الرسالة قد وصلت".

كما يُصنّف النائب عن "تحالف القوى" العراقيّة، محمد المشهداني، فتح الأجواء العراقيّة أمام شحنات السلاح الروسية إلى سورية، في خانة "انتهاك سيادة العراق من قبل الحكومة العراقية". ويقول المشهداني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "روسيا لا تنتهك الأجواء العراقية، إلاّ بعد حصولها على موافقة من قبل الحكومة العراقية، وبالتأكيد حصلت على هذا التفويض". ويأسف المشهداني من "تدخّل الحكومات العراقية التي تعاقبت على حكم العراق بعد عام 2003، بشؤون غيرها وفقاً لأجندات طائفية تتحكم بها".

ويشير إلى أنّ "مشاكل العراق الأمنية والسياسية التي أثقلت كاهل الشعب، يجب أن تحظى باهتمام الحكومة بدل اهتمامها بدول أخرى لها سيادتها وقوانينها الخاصة". ويؤكد أنّ "القضايا الدولية والإرهاب الدولي كلّف العراق الكثير بعد أن دخل داعش البلاد، ويجب على الحكومة أن تتعامل مع الملف الأمني الداخلي بحزم وقوة، وتترك ملفات الدول الأخرى".

من جهته، يرى الخبير السياسي، محمود القيسي، أنّ "موافقة الحكومة العراقية على استخدام أجواء البلاد هي مخالفة للدستور العراقي". ويعتبر القيسي، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحكومة العراقيّة، للأسف، تتعامل مع الملفات الخارجية على حساب الداخل، وقد انتهكت الدستور إرضاءً لدول أخرى، وهي إيران وروسيا وسورية على حساب البلاد". وينتقد "التوجه الذي سيدخل البلد في صراع إقليمي لا ناقة له فيه ولا جمل".

ويردف قائلاً إن "سياسة الدولة اليوم يجب أن تنصبّ على الملف العراقي حصراً، فالعراق لا يستطيع أن يكون جزءاً من صراعٍ دولي سينعكس سلباً على البلد، لذا فعلى حكومة العبادي أن تعي مخاطر الصراع السوري، وأن تنأى بنفسها عنه، حفاظاً على وحدة شعبها ووحدة البلاد".

ويلفت إلى أنّ "العراق عانى كثيراً إبّان فترة حكم المالكي، والتي رهنت البلاد بالسياسة الإيرانية، وأصبح معها العراق عاملاً سلبياً في المنطقة، من خلال تأجيج الصراع الطائفي الذي استشرى في البلاد العربية". ويؤكّد أنّ "بقاء الحكومة رهينة لسياسات إيران ودفاعها عن نظام الأسد سيكلّف العراق الكثير، من إعادته لما كان عليه من عزلة عن محيطه العربي، ويُهدر كل ما تم ترميمه من هذه العلاقة العربية". ويدعو القيسي رئيس الحكومة العراقية، إلى "المحافظة على وحدة البلاد وسيادتها، وأن يكون عاملاً إيجابياً في المنطقة، لا عاملاً سلبياً وباباً من أبواب الشر فيها".

بدوره، يعتبر الخبير في العلاقات الدولية، باسم المعيني، أنّ "العراق ضحية الاتفاقات الدولية، وأنّ انتهاك سيادته وأجوائه من قبل الدول الأخرى تم عبر اتفاقات لا دور له فيها ولا رأي". ويوضح المعيني، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ "الاتفاق النووي الإيراني حدّد مناطق النفوذ الدولي في المنطقة، من خلال تقاسم البلدان العربية باتفاق بين واشنطن وطهران". ويبيّن أنّ "السياسات الدولية وحاجة البلدان العربية المنهكة إلى دعم خارجي، كالعراق وسورية وغيرها لتجاوز محنتها الأمنية، جعل منها دولاً مرهونة بالسياسات الخارجية التي تتحكم في المنطقة".

ويتابع قائلاً إنّ "السياسات رُسمت من قبل إيران وواشنطن، وأنّ التحكم بأجواء سورية والعراق أيضاً خُطّ بأقلامهما، ولن يستطيع العبادي أو الأسد الاعتراض على ذلك، فالأول محتاج لدعم الدولتين كما هو حال الثاني، الأمر الذي يحتم عليهما الموافقة على كل تفاصيل الاتفاق الإيراني ـ الأميركي، ولا يستطيعان حتى إبداء الرأي". ويلفت إلى أنّه "بالنتيجة سيؤثر ذلك الاتفاق على علاقات العراق مع محيطه العربي، فالعراق هو اليوم ضحية الصراع الدولي في المنطقة". ولم يقدم العبادي أي توضيح رسمي، على الرغم من حدة الانتقادات الموجهة إليه داخلياً ودولياً، وهو ما يعكس طبيعة الحرج الذي وقع فيه.

اقرأ أيضاًالعراق... تهديدات لنوّاب تؤخّر إقرار قوانين

المساهمون