لا يمكن للمار في شوارع خان شيخون الواقعة في ريف محافظة إدلب الجنوبي، أن يرى أي مؤشرات على حياة يومية طبيعية كما في أي منطقة أخرى، فلا صوت في المدينة يعلو على صوت إطلاق القذيفة، ثم صفيرها في الهواء، وسقوطها في مكان قريب، والارتجاج العنيف الذي يخلّفه سقوط تلك القذيفة أو ذاك الصاروخ الذي يستهدف المدينة. وخلال أيام من القصف المتواصل على خان شيخون، تغيّرت ملامح المدينة وفَقَدت مظاهر الحياة فيها، فشهدت المدينة المشمولة باتفاق سوتشي والواقعة ضمن "المناطق منزوعة السلاح" في محافظة إدلب، خلال الأيام الأخيرة، تصعيداً جديداً من قبل النظام السوري، تمثّل بالعودة لقصفها مدفعياً وصاروخياً بشكلٍ عنيف، ما أسفر عن سقوط 18 قتيلاً، جميعهم من المدنيين، بينهم عدّة أطفال، وفقاً لما وثّقت "العربي الجديد" بالأسماء، إضافة إلى 80 جريحاً من المدنيين. ولم يستخدم النظام الطيران الحربي في استهداف المدينة، إذ يبدو أن اتفاق سوتشي لا يعطيه الضوء الأخضر لخرق الاتفاق بالطيران، ولكن الأطراف الضامنة لهذا الاتفاق لم تحرّك ساكناً إزاء معاناة المدنيين، الذين أُجبروا تحت وطأة الهجمة الشرسة الحالية التي تشنّها قوات النظام إلى النزوح، ليبقى في المدينة نحو ثلث سكانها الذين كان يقدر عددهم بنحو 120 ألفاً بين سكّانها الأصليين والنازحين إليها.
وفيما تتفاوت درجة الخطورة بين أحياء المدينة، على اعتبار أن الجزء الغربي منها لم يتعرض للقصف بشكلٍ كثيف، قرر بعض المدنيين الذين يقيمون في الأجزاء الأخرى من المدينة النزوح إلى الأحياء الغربية. وتفرض القذائف والصواريخ المتساقطة على المدينة، ما يشبه حظر التجوّل، إذ يسقط كل ساعة حوالي 25 صاروخاً وقذيفة هاون، في ظل غياب الطيران كلياً عن المشهد الميداني، وفقاً للناشط عبدالله الكريم. كما أن الأسواق والمحال التجارية أغلقت أبوابها منذ أيام بشكلٍ نهائي، إذ يلزم المدنيون منازلهم معتمدين في طعامهم على ما تبقى لديهم من مؤونة، فيما يستمر فرن واحد في المدينة بإنتاج الخبز، ليكون الرغيف الوجه الوحيد للحياة في مدينة خلت شوارعها من المدنيين، إلى جانب محل وحيد لا يزال يفتح أبوابه ولكن بشكلٍ جزئي.
ولا يملك المدنيون الذين بقوا داخل خان شيخون سوى خيار الاختباء في منازلهم على أمل أن يسلموا من القذائف التي قد تودي بحياتهم، على غرار ما جرى مع عائلة مازن العنداني الذي بترت ساقه وفَقَد أولاده الثلاثة وزوجته في القصف، إذ لم يستطع النزوح مع أسرته بسبب إصابته السابقة بالشلل. وكانت لخان شيخون الحصة الأكبر من ضحايا القصف المستمر على ريف إدلب الجنوبي، إذ سقط فيها 18 قتيلاً و80 جريحاً خلال الأيام الأخيرة، حالات بعضهم حرجة، بالإضافة إلى حالات فقدان أطراف وحروق، لأن بعض الصواريخ التي يقصف النظام المدينة بها لم يسبق للمدنيين رؤيتها، فهي تُستخدم لأول مرة، ويصفها المدنيون بالصواريخ المضيئة الحارقة المنفجرة، وقد تسبّبت بمقتل شابة وتفحّم جثتها.
من الناحية الصحية، تغلق مستشفيات خان شيخون أبوابها منذ بدء القصف، إذ استهدفها النظام أولاً، ما أدى إلى خروجها عن الخدمة وهرب الأطباء منها، فيما بقي الدفاع المدني في حالة استنفار لإنقاذ ومساعدة المدنيين، بينما يتم نقل الجرحى إلى مستشفيات المناطق المجاورة، مثل كفريا والفوعة وكفرنبل وجبل الزاوية ومدينة إدلب.