وغادر السيسي يوكوهاما، أول من أمس الأحد، متوجهاً إلى الكويت لإجراء زيارة دولة وقمة مع أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، بينما توجّه أحمد إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة في التوقيت ذاته، في زيارة هي الأولى له منذ توليه المسؤولية وتهدف إلى لقاء مسؤولين إسرائيليين، وتأتي بعد ثلاث سنوات تقريباً من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أديس أبابا، في إطار سياسة الأخير المسماة "العودة إلى أفريقيا".
وأوضحت المصادر المصرية أن وزارتي الخارجية في القاهرة وأديس أبابا تواصلتا قبل قمة "تيكاد" على أمل عقد لقاء بين السيسي وأحمد، ليسهل الإجراءات التقديمية، المتوقع أن تستغرق وقتاً طويلاً وربما خلافات، قبل انعقاد اللقاء السداسي المقبل بين وزراء خارجية ومياه مصر وإثيوبيا والسودان حول سدّ النهضة، والذي دعت مصر إلى عقده منتصف سبتمبر/أيلول المقبل، لكن في النهاية تم تجاهل الاقتراح بلقاء الرئيسين بسبب "ازدحام جدول الرؤساء خلال القمة". ولم تعلن إثيوبيا أو السودان حتى الآن استجابة رسمية للدعوة المصرية للاجتماع السداسي.
وذكرت المصادر أن آخر تواصل بين السيسي وأحمد حول سدّ النهضة كان في يوليو/تموز الماضي من خلال رسائل حملها وزير الخارجية الإثيوبي غيدو أندرغاتشيو، كان مفادها أن رئيس الوزراء الإثيوبي طلب تأجيل المحادثات حول هذا الملف لحين استقرار الأوضاع في السودان، وذلك بسبب انشغاله في تقريب وجهات النظر بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى المعارضة السودانية آنذاك.
وفي فبراير/شباط الماضي، حرص الطرفان المصري والإثيوبي على إظهار التوافق بينهما خلال قمة الاتحاد الأفريقي، وأهدى أحمد السيسي لوحة تذكارية تعبّر عن وحدة مصير بلديهما، واستفادتهما المشتركة حضارياً واجتماعياً من مياه النيل. وفي يونيو/حزيران 2018 تبادل السيسي وآبي أحمد، وكلاهما عمل في الاستخبارات فترة طويلة من عمرهما، العبارات الدافئة خلال زيارة الأخير إلى القاهرة، وبدا المشهد كاريكاتورياً عندما طلب السيسي من أحمد، بصيغة أبوية لافتة ومتعالية، أن يحلف خلفه على أن إثيوبيا لن تضر بمصالح مصر المائية، وردد أحمد خلفه الحلف باللغة العربية.
وبدأت القاهرة وأديس أبابا منتصف عام 2018 مباحثات بشأن المشروع الذي سبق أن اتفق عليه السيسي مع رئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي ماريام ديسالين لإنشاء منطقة حرة صناعية مصرية في إثيوبيا، على غرار المناطق الحرة الصينية هناك، وتمّ الاتفاق على توسيع أعمال شركة المقاولين العرب الحكومية وكذلك شركة السويدي للكابلات، وكلاهما تعملان في مجال المقاولات والإنشاءات المعمارية، فضلاً عن دخول عدد من الشركات الحكومية والتابعة لجهات سيادية السوق الإثيوبية في مجالات تصنيع الأخشاب والحديد والصلب والمعادن.
إلا أن المشكلة الرئيسية بين القاهرة وأديس أبابا لا تزال قائمة حول فترة الملء الأولى لخزان سدّ النهضة، والتي كان يرغب السيسي في انتزاع وعد من آبي أحمد بألا تقل عن سبع سنوات، في بداية العام الحالي، لكن هذا لم يحدث، بينما كان المفاوضون المصريون ينصحون بألا تقل سنوات الملء الأولى عن 15 سنة، وأن يتم وضع آلية فنية مشتركة بعيداً عن الوزراء والاستخبارات في الدول الثلاث، بإشراف مكتب خبرة أجنبي متفق عليه، لتحديد حجم الملء ونسبته عاماً بعام، لضمان عدم تضرر مصر من انخفاض منسوب المياه.
وسيكون الاجتماع السداسي المقبل في حال إجرائه، هو الأول منذ فشل ما يسمى بـ"المجموعة الوطنية المستقلة للدراسات العلمية" التي شكّلت بصورة سرية من 15 عضواً، بواقع خمسة ممثلين لكل دولة، وتختص بتقديم توصيات علمية لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث حول عملية ملء الخزان، واستغلال الموارد المائية المشتركة في تنمية الدول الثلاث وفق معايير عادلة، والتأكد من عدم انعكاس عملية ملء الخزان بالضرر على أي طرف، إذ لم يتم حتى الآن البت في الملاحظات التي أبدتها الدول الثلاث على توضيحات الاستشاري الفرنسي في تقريره بشأن الآثار الاجتماعية والاقتصادية على دولتي المصب.
وتتمسك مصر بحسم مشكلة فترة الملء الأولى استناداً للمعلومات الواردة من إثيوبيا عن اقتراب نسبة البناء العامة في السد إلى 70 في المائة، وتوقعات بلوغها 75 في المائة بنهاية العام، وأن الأعمال الكهروميكانيكية تقترب من 30 في المائة بعدما كانت لم تبدأ حتى بداية العام، وذلك بعد انضمام عدد من المستثمرين الفرنسيين والصينيين إلى المشروع والاتفاق على تزويد السد بـ11 وحدة توليد طاقة ستبدأ بعضها في العمل العام المقبل، الأمر الذي يؤكد أن إهدار المزيد من الوقت ليس في مصلحة مصر.