فرضت عمليات التهجير في محافظة شمال سيناء نفسها، أمس السبت، على المشهد السياسي المصري، وسط حملة تنديد واسعة بعمليات التهجير، وتقدم عدد من أعضاء مجلس النواب المصري ببيانات عاجلة، أمس ، إلى رئيس البرلمان، علي عبد العال، لاستدعاء رئيس الوزراء، شريف إسماعيل، للرد على أسئلة النواب بشأن تقصير أجهزة الدولة ومسؤوليتها عن عمليات التهجير القسري للمسيحيين من شمال سيناء إلى محافظات أخرى، بعد الاعتداءات الأخيرة التي وقعت بحقهم.
وقال مصدر برلماني في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إن عبد العال تذرع، خلال لقائه بعدد من أعضاء اللجنة، أمس السبت، بصعوبة تأمين زيارة الوفد البرلماني إلى شمال سيناء وطلب تعليق الزيارة لدواع أمنية، بانتظار هدوء الأوضاع المتوترة في المحافظة.
وفي توجه خطير، دعت البرلمانية المصرية، منى منير، أجهزة الدولة إلى إخلاء مُدن العريش والشيخ زويد ورفح، بشمال سيناء، من السكان المدنيين بشكل مؤقت، بدعوى أنها "مناطق اشتباك"، حتى تستطيع قوات الجيش إحكام سيطرتها عليها في مواجهة الجماعات المسلحة، على غرار ما حدث خلال العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، على حد وصفها. وقالت في بيان قدمته إلى رئيس البرلمان، أمس السبت، إن تهجير المسيحيين من سيناء إلى محافظات أخرى "ليس حلاً"، وإن الحل يتمثل، في نظرها، بـ"الإجلاء المؤقت للسكان، لتعامل الجيش بشكل أفضل مع العناصر الإرهابية". دعوة رد عليها نائب شمال سيناء، حسام رفاعي، الذي اعتبر أن مطالبات إخلاء مدن سيناء من بعض زملائه "مرفوضة شكلاً وموضوعاً"، نظراً لأنها تصب في صالح دولة الاحتلال الإسرائيلي، مشيراً إلى أن عزل سيناء في السابق أدى إلى احتلالها عامي 1957 و1967، وأن حل الأزمة في سيناء "يكون بالإنماء، وليس بالإخلاء". وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن تهجير أبناء سيناء من مناطقهم هو أكبر خطر على الأمن القومي المصري، وأن الأَولى تنميتها وإعمارها من خلال جذب السكان من المحافظات الأخرى، لما تمثله التنمية من حائط صد لأي أفكار أو تنظيمات متطرفة تُخطط لإعلان ولايتها على سيناء"، وفق تعبيره.
وقررت عشرات الأسر المسيحية النزوح الجماعي من العريش، بعد الاستهداف الممنهج لها من قبل تنظيم "ولاية سيناء". وبات سكان المدينة محاصرين بين عمليات التنظيم المسلح واختطاف وقتل مواطنين بدعوى التعاون مع قوات الجيش والشرطة، فضلاً عن الحملات الأمنية التي تشنها القوات المشتركة وعمليات القصف المدفعي للجيش. وأفاد شهود عيان في سيناء بالعثور على جثة المواطن محمد العيادي، الشهير بمحمد الخراط (50 عاماً)، بعد خطفه بساعات قليلة من سوق السبت في مدينة رفح. وأكد شهود العيان أن الأهالي عثروا على جثمان المواطن وعليه آثار طلقات نارية، ويرتدي زي الإعدام "البرتقالي" الخاص بتنظيم "ولاية سيناء" في سيناء.
وتسعى الأسر في مدينة العريش للهروب من الاضطرابات التي تشهدها المدينة، وبسبب الفشل في السيطرة على الأوضاع، لا سيما مع اختراق "ولاية سيناء" للمدينة بشكل شبه كامل. وقالت مصادر قبلية إن النزوح لا يقتصر فقط على المسيحيين ولكن يشمل أيضا المسلمين، لأن الأوضاع بالنسبة لهم ليست أفضل حالاً، لا سيما مع اضطراب الأوضاع في المدينة بشكل غير مسبوق. وأضافت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن الأمن يغيب تماماً عن مدينة العريش، والكمائن والحواجز الأمنية تتركز خارج المدينة، وهذا يفسر سر تمكن العناصر المسلحة من التحرك بحرية شديدة، وفق المصادر. وتابعت أن عدداً ليس بالقليل من الأسر، خاصة تلك التي لديها إمكانات مالية، قامت بشراء عقارات ووحدات سكنية خارج سيناء سواء في محافظة الإسماعيلية، أو في القاهرة، للانتقال إليها حال تردي الأوضاع الأمنية. ولفتت إلى أن بعض الأسر انتقلت بالفعل من مدينة العريش قبل بضعة أشهر، وبعضها الآخر يتنقل بين الحين والآخر من وإلى سيناء، وهناك من انتقل إلى مدينة بئر العبد باعتبارها أكثر هدوءاً. وأشارت إلى أن هناك بعض الأسر غير القادرة مادياً على ترتيب أوضاعها والانتقال إلى مكان آخر غير سيناء، ولكن في النهاية سيضطر هؤلاء المواطنون إلى المغامرة والرحيل لأي مكان خوفاً على حياتهم، خاصة مع احتمالية تطور الأوضاع المضطربة في العريش.
وأكدت المصادر ذاتها على أن الأوضاع المتردية في العريش مرجحة للتصاعد، مع إصرار القوات المشتركة من الجيش والشرطة على التضييق على أهالي المدينة والتنكيل بهم لتعويض فشلها في مواجهة التنظيم المسلح.
وفي سياق متصل، كشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، عن أن عملية نزوح الأسر المسيحية من العريش إلى محافظة الإسماعيلية، حيث تستضيفهم الكنيسة الإنجيلية، تمت بالتنسيق التام مع الأجهزة الأمنية والسيادية في الدولة. وقالت المصادر إنه تمت اتصالات بين قيادات كنسية وقيادات بالأجهزة المعنية والجيش المصري لتسهيل خروج الأسر المسيحية بشكل عاجل في إطار خطة إجلاء سريعة خوفاً من تكرار عمليات الاستهداف من قبل التنظيم المسلح. وأضافت أنه تم الاتفاق على تأمين خروج تلك الأسر وأنها في عهدة القوات المشتركة من قوات الجيش والشرطة، وحتى الانتهاء من خروج كل المسيحيين من العريش. ولفتت إلى أن أعلى جهات في الدولة تتابع مسألة خروج كل الأسر المسيحية من العريش، مع توفير الدعم الكامل لهم من كل مؤسسات الدولة.
من جهته، رأى باحث في الحركات الإسلامية أن الوضع في العريش ينذر بفشل جديد للجيش والشرطة في مواجهة التنظيم المسلح. وأضاف لـ"العربي الجديد"، أنه خلال فترة قصيرة سيكون الوضع في العريش خارج عن السيطرة تماماً، لا سيما أن التنظيم يحاول زعزعة أي سيطرة للدولة على محافظة شمال سيناء، وهو ما يتحقق بشكل تدريجي، وفق اعتقاده. وتابع أن الجماعات المسلحة، لكي تسيطر على منطقة ما، عليها أولاً أن تجعل سيطرة الدولة مركزياً رخوة على تلك البقعة ليسهل لها تنفيذ عمليات ومحاولة السيطرة النسبية، وفق قوله. ولفت إلى أن تنظيم "ولاية سيناء" يدرك جيداً أنه لن يتمكن من مواجهة القصف الجوي، وبالتالي لا يفكر في السيطرة الظاهرية من خلال تمركزات محددة، لا سيما في ظل الحديث عن مشاركة طائرات من دون طيار إسرائيلية في عمليات القصف على التنظيم المسلح في عمق الأراضي المصرية.