في ظل أوضاع مناخية قاسية ووسط صحراء موحشة وباردة، يرابط آلاف الجنود العراقيين على الحدود بين العراق والأراضي السورية، في مهمة صعبة تستهدف حماية البلاد من تسلل عناصر "داعش" إليه. وفي كل يوم، يقوم الجنود العراقيون بحزم أمتعتهم وطعامهم وكل ما قد يحتاجونه لليل طويل، فالبقاء داخل الثكنات أو في مراصد المراقبة التي شيّدت حديثاً، غير مجدٍ مع انخفاض الرؤية بسبب الضباب والأتربة التي تثيرها الرياح الآتية من صوب الصحراء الغربية، والتي تربط العراق بدول عربية ثلاث، وهي الأردن والسعودية وسورية، وتشكّل هذه الصحراء غالبية مساحة محافظة الأنبار غربي بغداد.
خلال الأسبوعين الماضيين، نجحت القوات العراقية على الحدود في إحباط ثلاث محاولات تسلل إلى داخل العراق، وواحدة بالاتجاه المعاكس، إذ حاول مسلحون تهريب مليون دولار وأسلحة إلى سورية، بحسب مسؤولين في القوات العراقية تحدثوا لـ"العربي الجديد". بينما سجلت الفرقة الهندسية في الجيش العراقي التي تتولى مهمة البحث عن الأنفاق بين البلدين، نجاحاً واضحاً بالعثور على 11 نفقاً حفرها تنظيم "داعش"، وتربط بين الأراضي العراقية والسورية، أحدها بطول يبلغ نحو 3 كيلومترات ويسمح بسير رجل داخله من دون أن يضطر للزحف أو الانحناء، بحسب تعبير أحد الضباط العراقيين.
ويضيف العبيدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، "نواجه موجات من مسلحين فقدوا الرغبة بالحياة ولا يرون إلا الأبرياء أعداء لهم، لذا تجد أن 80 في المائة من التفجيرات الأخيرة داخل العراق راح ضحيتها مدنيون، بينهم أطفال، وهذا ما يشعرنا بالحزن، إذ نتخيّل أن الإرهابي مرّ من جانبنا ولم نوقفه، على الرغم من أن أغلب من ينفذ العمليات الإرهابية الآن هم في الأساس خلايا أو بقايا التنظيم المهزوم داخل العراق". ويؤكد أن القوات العراقية تستعد لفترة صعبة على الحدود قد تبدأ خلال أيام، موضحاً أن "محاصرة تنظيم داعش في آخر جيوبه في سورية لن تدع له مجالاً سوى محاولة التسلل إلى العراق بطريقة أو أخرى، وبسبب تضاريس العراق الصعبة في المنطقة الحدودية تكون هناك أطماع أو مغريات أكبر لعناصر التنظيم كي يأتوا إلينا، ففرص نجاتهم أفضل مما لو بقوا داخل الجيب السوري الأخير للتنظيم أو مناطق قريبة منه".
حماية الحدود العراقية السورية: المهمة الأصعب
وتبلغ مساحة الحدود العراقية السورية أكثر من 600 كيلومتر، تبدأ من منطقة القائم عراقياً حيث مدخل نهر الفرات إلى البلاد وتقابلها البوكمال السورية، مروراً بمناطق حصيبة والزوية ومكر الذيب ووادي الأبيض وراس الجن وبيار الحجاج ضمن الأنبار غربي العراق، وصولاً إلى جزيرة الموصل ومن ثم البعاج وربيعة وحتى مثلث فيش خابور العراقي التركي السوري على حدود محافظة نينوى شمالي العراق. وينتشر على الحدود أكثر من 100 ألف عنصر أمن عراقي من الفرق السابعة والعاشرة والثانية عشرة وقوات حرس الحدود والشرطة الاتحادية ووحدات خاصة من قوات التدخّل السريع، إضافة إلى ما لا يقل عن 30 فصيلاً مسلحاً غالبيتها مرتبطة بعلاقات وثيقة مع إيران وتعمل ضمن "الحشد الشعبي" وتنتشر في مناطق المعابر الحدودية والطرق الدولية بين بغداد ودمشق، وهو انتشار تحوم حوله علامات استفهام كبرى داخل العراق وخارجه خصوصاً مع تكرار ظاهرة عبور شاحنات وأرتال عسكرية إلى سورية أو العكس من دون تفتيش.
وتستخدم القوات العراقية حالياً القصف المدفعي بين فترة وأخرى بعد كل معلومة عن وجود تجمّع مسلحين لـ"داعش" يبعدون أقل من 25 كيلومتراً عن العراق. كما تواصل القوات العراقية، وفقاً لضباط في الجيش وقوات حرس الحدود التي تتبع وزارة الداخلية، عمليات حفر الخنادق بين البلدين، لكن من دون أن تكون متصلة ببعضها، بل يصدف أن تجد خندقاً بعرض ثلاثة أمتار وطول نحو 20 كيلومتراً، ثم ينتهي الخندق ليأتي دور الأسلاك الشائكة وكاميرات المراقبة الحرارية وأجهزة استشعار ليلية زودت بها واشنطن الجانب العراقي لحماية حدوده.
وحول ذلك، يقول المقدّم فراس علاوي، لـ"العربي الجديد"، إن الحدود مع سورية كما باقي حدود العراق الأخرى مع دول الجوار مرسومة، ولكن لا يوجد الكثير لمعرفة إن كانت هذه الأرض عراقية أو سورية، فكلها قطعة واحدة باستثناء تضاريس معينة وقليلة كالجبال، أو وادٍ بتلال متباعدة، أو علامات مكتوبة أو أسلاك شائكة أو سواتر ترابية بالعادة تحتاج كل فترة وأخرى لإعادة رفعها بسبب العوامل الطبيعية. ويضيف علاوي "بتنا قادرين على صدّ أغلب محاولات التسلل، فنشتبك مع المسلحين بشكل بسيط ثم يضطرون للتراجع، أما من يصر على مواصلة إطلاق النار على جنودنا معتقداً أنه سيهرب إلى داخل العراق، فيتوصل لقناعة أنه لن يستطيع ذلك، فيُقتل أو يلوذ بالفرار".
وعن وضع القوات العسكرية المنتشرة على الحدود، يقول الجندي في قوات حرس الحدود، سلام الفتلاوي، لـ"العربي الجديد"، إنه لم ينزل منذ شهرين إلى أهله. ويستخدم العسكر مصطلح النزول كتعبير عن الإجازة الدورية التي يحصل عليها الجنود، وهي سبعة أيام كل شهر. ويعلل الفتلاوي ذلك بحاجته لضبط نفقاته، فأجور النقل مرتفعة من أقصى غرب العراق إلى أقصى الجنوب حيث يسكن في مدينة البصرة. ويقول "نحو 100 ألف دينار (90 دولاراً) كي أذهب وأعود إلى المنزل، وهذا المبلغ كبير بالنسبة لي". ويتقاضى الفتلاوي وزملاؤه نحو 800 دولار شهرياً.
أما بالنسبة للوضع على الحدود مع سورية، فيرى الفتلاوي أن "المراقبة بالعين هي الأفضل، فالأجهزة والكاميرات خذلتنا كثيراً، إضافة إلى وجود كلاب تنبح فور سماعها أي حركة باتجاهنا، لكن الحذر سيبقينا أحياء، وأي غفلة ستنهي حياتنا وتهدد حياة آخرين داخل العراق، لذا علينا أن نبقى حذرين فالحدود غير آمنة"، معبراً عن اعتقاده بأن "الأراضي السورية ستبقى مصدر تهديد أمني لسنوات ليس للعراق فقط بل لكل جوارها".