ميشال تامر...بطل شبهات الفساد واليميني المهادِن للعسكر للرئاسة البرازيلية

19 ابريل 2016
يتحدّر تامر من بتعبورة شمالي لبنان (أندريسا أنهوليتي/فرانس برس)
+ الخط -
بدأت البرازيل تطوي صفحة الرئيسة "المحبوبة" ديلما روسيف، بعد قرار مجلس النواب، نهاية الأسبوع الماضي، الشروع بإجراءات عزلها من منصبها الرئاسي، عبر رفع الاقتراح إلى مجلس الشيوخ. ومن المتوقع أن تكتمل الإجراءات الشهر المقبل، على ألا يتمّ عزل روسيف فقط، بل محاكمتها أيضاً. بالتالي باتت الطريق معبّدة أمام نائبها، ذي الأصول اللبنانية، ميشال تامر للوصول إلى السلطة.

تامر، اللبناني المتحدر من بلدة بتعبورة (الكورة، شمال لبنان)، شكّل "نموذجاً" لبنانوياً في النجاح في عالم الاغتراب، في الشكل، لا في المضمون. الرجل غير محبوب لدى البرازيليين، فهو "متورّط" بالنسبة إليهم في الفساد، خصوصاً أنه في آخر استطلاع للرأي أجري الأسبوع الماضي، طالب 60 في المائة من البرازيليين بإقالة روسيف وتامر معاً، فهم لا يريدون "استبدال فاسد بآخر".

مسيرة تامر (75 عاماً) بدأت منذ أكثر من 30 عاماً، مع انتخابه نائباً فدرالياً عن ولاية ساو باولو لـ6 دورات متتالية، فضلاً عن رئاسته لمجلس النواب البرازيلي، لـ3 دورات متقطعة بين عامي 1997 و2010. كان عضواً في الجمعية التأسيسية الوطنية عام 1988، التي أصدرت الدستور الحالي في البرازيل. ويرأس تامر حزب "الحركة الديمقراطية البرازيلية"، وهو حزب يصنف نفسه كوسط، لكنه عملياً أقرب إلى اليمين.
تأسس عام 1965 وعرف عنه قربه من رجال الأعمال والأهم من حكم العسكر في مرحلة ديكتاتورية الجنرالات. اعتاد تامر، وفقاً للمعلومات، على "شراء الصحافيين لتبييض صورته". حلم تامر دوماً بالرئاسة، وبدأ تحالفه مع روسيف، العمالية، بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2010، سعياً لهذا الهدف. بات نائباً لها، ومشاركاً في معظم القرارات التي صدرت عنها.

في العام 2014، بدأت تتبدّل الأحوال في البرازيل، لم يعد هناك من "خط أحمر" بالنسبة للشرطة الفدرالية، التي بدأت حملتها الخاصة تحت اسم "عملية غسل السيارات"، والتي طاولت فضائح الفساد في شركة "بتروبراس" النفطية الوطنية.
ارتبطت أسماء كثيرة بالفضيحة، مباشرة أو غير مباشرة، منها روسيف ومنها الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا "لولا". لم تتوقف الشرطة الفدرالية، بل تابعت تحقيقاتها. باتت روسيف، منتصف العام الماضي، تحت الضغط. وحاولت الحفاظ على دعم تامر، ووعدته بتبنّي ترشيحه للرئاسة في انتخابات 2018. حاول تامر السير على حبلين، لاختيار أحدهما: إما دعم روسيف في محنتها لكسب ترشيح رئاسي طال أمده، وإما التخلّي عنها لكسب الترشيح عينه. الرجل يريد قصر الرئاسة في برازيليا فقط.

أدى ذلك إلى تعالي الأصوات داخل حزبه ضده، فاتُهم بالعمل وفقاً لمصالحه الشخصية على حساب المصالح الوطنية. الحرب ضده داخل "الحركة الديمقراطية البرازيلية"، أفضت إلى توجيهه رسالة لروسيف في أواخر العام الماضي، مشيراً فيها إلى أنه "ابتعد عن دائرة القرار الرسمي".
ظهرت انتهازيته في أبهى حللها، ليضعه جزء من الشعب البرازيلي في مصاف فرناندو حداد، وباولو معلوف، لبنانيي الأصل أيضاً، اللذين اشتهرا بفسادهما. مع العلم أن معلوف مشهور بإهدائه سيارة لكل فرد من أفراد البعثة البرازيلية التي فازت بكأس العالم لكرة القدم 1994، في سياق عملية تبييض الأموال.

ينتظر تامر الآن فرصته الشهر المقبل، فمجلس الشيوخ يرجح أن يوافق على قرار مجلس النواب، وسيُطيح روسيف. ووفقاً للدستور فإن تامر سيُصبح رئيساً حتى انتهاء ولاية روسيف الأصلية في عام 2018. مع ذلك، فإن الترجيحات الكثيرة تُفيد بعدم استمراره لترشيحه، فتاريخه الحافل بمهادنة الحكم العسكري في البرازيل، ثم الانقلاب عليه، وتصنيف نفسه "يمينياً محافظاً" لكسب الكنيسة وكبار الرأسماليين، فركوبه موجة اليسار الصاعد مع نهاية عام 2009، لم تكن سوى محطات لتأكيد عدم مصداقيته حتى الآن.

تامر، رجل القانون، بات أكثر الأشخاص قرباً من قصر الرئاسة في برازيليا، لكنه أيضاً أحد أكثر الأشخاص رفضاً من الشعب البرازيلي. سيحاول وفقاً ليمينية مستعادة ومستمدة من عودة المدّ اليميني إلى أميركا الجنوبية، من بوابة الأرجنتين، أن يحقق طموحاً رئاسياً يترقبه منذ 30 عاماً، بشكلٍ أقرب إلى شكل سيلفيو برلوسكوني أو آل كابون. دستورياً سيحقق حلمه ولو موقتاً، أما فعلياً فإن كلمات روسيف تُلخّص قصة الرئيس البرازيلي العتيد: "لقد غدرتني يا ميشال".
المساهمون