وجاء بث البودكاست بعد أيام من نشر عدد من الحسابات الحقوقية السعودية في "تويتر" مقطع فيديو لسلمان العودة وهو يتحدث مع والدته وابنته غادة، في اتصال هاتفي داخل السجن بدا فيه صوته متعباً.
وقال عبد الله العودة إن والده، العالم الشرعي والشخصية الفكرية المعروفة، سمع في السادسة مساء رنين الهاتف، فبادر ورفع السماعة ليفاجئه شخص يلقي عليه التحية ويسأل عنه، ثم سرد عليه قصة شخصية "يا شيخ أنا مرة كنت في مطعم كذا وذهبت إلى المسجد الفلاني"، ما أثار استغراب الشيخ العودة، إذ ذكر المتصل تفاصيل المطعم الذي زاره العودة في ذات اليوم والمسجد الذي صلى فيه أيضاً، ما يعني أن المتصل كان يراقبه طوال اليوم.
ويقول عبد الله العودة إن المتصل كان يتعمد تأخير المكالمة وإشغال الشيخ سلمان العودة بقدر ما يمكنه من وقت، وفي أثناء المكالمة، رن جرس المنزل، وفي أثناء ذلك قام صاحب المكالمة بإغلاق الهاتف، وكأن المتصل، بحسب ما يقول العودة الابن، أراد إشغال سلمان العودة لحين قدوم رجال الأمن.
Twitter Post
|
وأضاف العودة: "حين فُتح الباب، كانت هناك مجموعة كبيرة من الناس بلباس مدني، عرفوا أنفسهم على أنهم من جهاز أمن الدولة، وحينما سألهم الوالد عن القصة لم يخبروه، وحينما سألهم عن إثباتاتهم لم يبرزوها، وقاموا بتفتيش البيت رغم عدم وجود إذن عدلي أو قضائي".
وروى العودة بتأثر مشهد رؤية الأطفال الصغار وهم يشاهدون والدهم يُعتقل، قبل أشهر بسيطة ماتت أمهم وشقيقهم في حادث ولا يريدون أن يفقدوا أباهم، ويسألونه إلى أين يا بابا فيلتفت وينظر لهم وهو عند الباب محاط بأمن الدولة، ويقول "قريب وراجع إن شاء الله لا تخافوا".
ويضيف العودة: "رجال أمن الدولة قالوا لأخي الآخر لا تقلق الموضوع كله ساعات أو فترة بسيطة وسيُحل ولا تخبر أحدا، حرفياً قالوا تلك الكلمة التقليدية التي تقولها كل أنظمة الاعتقال الشمولية في العالم (شوية وراجع)، انقضى الوقت والصغار لا يغلقون باب البيت أبدا لعله يدخل فجأة كما كان يفعل من قبل".
ويشرح العودة طريقة معاملة والده في السجن: "علمنا لاحقاً بعد السماح بالزيارة أنه مر بظروف سيئة جداً، تقييد اليدين والرجلين داخل الزنزانة، تغميض العينين، حرمانه من الأكل والشرب أثناء التحقيق، والتحقيق معه لأيام متواصلة من دون نوم، لدرجة أن يتناوب عليه المحققون، كانوا يقذفون له الأكل في أكياس وهو مقيد اليدين فيفتحها بفمه حتى تجرحت أسنانه، والأسوأ كانت طريقة نقله من مكان لآخر حينما يقذفون به في مؤخرة السيارة ويسرعون بها حتى يضرب السقف ثم يرتطم بالأرض، كل ذلك وهو الشيخ الستيني، حتى ارتفع ضغطه وتردت حالته، ما أوصله بالفعل للمستشفى".
وعن التهم التي وُجهت لوالده أثناء التحقيق، قال العودة: "كان المحققون يسألون عن كتاباته وعن تغريداته وعن مشاركاته المرئية والمسموعة، لأنها هي التهم في نظرهم، لم يكن هناك أسرار ولا خفايا ولا أشياء غريبة ولا جديدة". وأكد العودة أن المحققين قالوا لوالده إن "حياده في الأزمة القطرية وعدم انخراطه فيها كان خيانة".
ويحكي عبد الله العودة عن تفاصيل المحاكمة التي تعرض لها والده، إذ يقول: "فصل أكثر رعبا بدأ بمحاكمة غامضة في ظروف سرية وبمحكمة اعتقل نصف قضاتها قبلها بفترة وجيزة"
ووصف الجلسة، التي بدأت في يوم الرابع من سبتمبر/ أيلول عام 2018، باليوم الذي لا ينسى، إذ طالبت النيابة بقتل العودة تعزيراً بناء على 37 تهمة، حكى الابن لأول مرة بعض تفاصيلها فقال إن "منها الإفساد في الأرض بتأليب المجتمع ودعوته للتغيير في الحكومة السعودية، والانضمام لاتحادات وجمعيات عالمية وتأليب الرأي العام وإثارة الفتنة، وتهم سخيفة أخرى مثل حيازة كتب محظورة واستقبال رسالة في الجوال مناهضة للتوجه الحكومي".
وأوضح العودة أن من بين التهم أيضاً: "السخرية من منجزات الحكومة، ووصف الحكومة السعودية بالاستبداد، وتهمة أخرى هي وصف الحكومة السعودية بالاستئثار بالثروات".
واتهم العودة في البودكاست سعود المعجب، القاضي المتخصص في الأنكحة والزواجات، الذي قام الملك بتعيينه نائباً عاماً في النيابة العامة الجديدة، رغم محدودية خبراته ومعرفته في القانون الجنائي، بالسماح للحكومة بالسيطرة عليه، وتسليم النيابة العامة لتصبح "أداة بيد الاستبداد"، بحسب ما يقول.
وأكد العودة أنه خلال محاكمة والده تغير القضاة عدة مرات، وفي كل الجلسات رفضت السلطات حضور أي طرف مستقل من المنظمات الدولية أو المؤسسات الحقوقية المستقلة، كما أكد أن والده لا يزال في الحبس الانفرادي رغم أن حادثة اغتيال خاشقجي أدت بالحكومة إلى الارتباك في الإجراءات القضائية.
وتُعد هذه الشهادة، التي بثها عبد الله العودة، أول شهادة كاملة لحادثة اعتقال الشيخ سلمان العودة، وتحكي بالتفصيل وحشية الأجهزة الأمنية المشكلة حديثاً مثل جهاز أمن الدولة، وفساد إجراءات النيابة العامة وتدخل السلطات السعودية في عمل القضاء في البلاد وسط حالة من انعدام الشفافية.