"ذي إيكونوميست": جونسون يعيد تعريف "تيار الأمة الواحدة" المحافظ في بريطانيا

09 يناير 2020
جونسون في وضع سياسي مريح (Getty)
+ الخط -

خصصت مجلة "ذي إيكونوميست" مقالاً لاستبيان توجهات حكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في السنوات الخمس المقبلة، لا سيما بعد حصول حزب المحافظين الذي يتزعمه، على أغلبية مريحة في البرلمان، وتوجه البلاد للخروج من الاتحاد الأوروبي، بعد نحو ثلاثة أسابيع.

ورأت المجلة أنّ جونسون يتجه لإعادة رسم حدود "تيار الأمة الواحدة" في حزب المحافظين، مستغلاً الظروف الاستثنائية التي منحتها إياه أزمة "بريكست" والانتخابات العامة الأخيرة التي أُجرِيت في 12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، واعتبرت أنّ جونسون يهيمن على برلمان ويستمنستر و"10 دواننغ ستريت"، حيث مقر الحكومة، من دون وجود معارضة تذكر سواء في صفوف "العمال" أو حتى في صفوف حزب المحافظين، وهو ما لم يتسنّ لأي من رؤساء الحكومات البريطانية السابقين، بمن فيهم مارغريت ثاتشر. 

وتتساءل المجلة عما سيفعله جونسون بهذه السلطة، عدا عن "تطبيق بريكست"، وترى أنّ الإجابة تكمن في إعادة تعريف "تيار الأمة الواحدة" في حزب المحافظين، مستحضرة أنّ جونسون كان قد تعهد مراراً بأن يرأس إدارة هذا التيار المحافظ خلال حملته الانتخابية، رغم أنه لم يحدد معنى هذه التعهدات.

وينقسم حزب المحافظين نظرياً إلى ثلاثة تيارات؛ وفقاً للتوجه الأيديولوجي بين اليمين واليسار والليبرالية والسلطوية. ويقبع "تيار الأمة الواحدة" المحافظ في الوسط، حيث يؤمن بالسلطوية والأبوية الاجتماعية، لكنه أكثر "يسارية" اقتصادياً، حيث يؤمن بضرورة الإنفاق الحكومي لدعم التجانس الاجتماعي، من دون التخلي عن الفوارق الطبقية. ويقبع على طرفي الحزب "الثاتشريون القوميون"، والذين يؤمنون باليمينية الاجتماعية والاقتصادية، والليبراليون المحافظون الذين يدعمون اليمين الاقتصادي والليبرالية الاجتماعية.

إلا أنّ حدود "التيار الوسطي" في حزب المحافظين، تخضع دائماً لإعادة التعريف المستمر. فقد كان التيار نقطة تجمع لمعارضي ثاتشر وداعماً لسياسات التدخل الاقتصادي والتكامل الأوروبي، بينما تجمّع معارضو "بريكست" من دون اتفاق، تحت راية التيار، العام الماضي، لمواجهة هيمنة متشددي "بريكست" على الحزب. 

كما أنّ تعريف التيار تاريخياً اختلف بين حكومة وأخرى، في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وكان السياسي البريطاني بنجامين دزرائيلي، أول من صاغ العبارة، للتعبير عن سياسات حكومته التي سعت للجمع بين الطبقة الثرية و"عموم الشعب" في وطن قومي واحد.

وترى المجلة أنّ نسخة جونسون "عبارة عن مزيج من السياسات اليسارية اقتصادياً واليمينية ثقافياً واجتماعياً، وهو نقيض الأمة الواحدة في عهد رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون". وتعتقد أنّ جونسون سيسعى للمزيد من الإنفاق الحكومي، مثل دعم الخدمات الصحية الوطنية، إضافة إلى تبني المزيد من القيم "البريطانية التقليدية".


وبرأي "ذي إيكونوميست"، إنّ إعادة رسم الخارطة السياسية في بريطانيا، بعد الانتخابات الأخيرة، هي السبب في هذا التعريف الجديد للتيار المحافظ الوسطي. فقد أسفرت انتخابات ديسمبر/ كانون الأول 2019، عن هيمنة المحافظين على دوائر انتخابية من الطبقة العاملة شمال إنكلترا، والتي عرفت بولائها التاريخي لحزب "العمال" المعارض، بينما عانى المحافظون في الحفاظ على دوائرهم في المدن الكبرى في الجنوب البريطاني.

كما تعتقد المجلة أنّ صيغة جونسون الجديدة تسعى أيضاً لمنع انقسام البلاد بين قوى العولمة والقومية المتناحرة. فخلال سنوات رئيسي الوزراء توني بلير وديفيد كاميرون، تباينت ملامح الانقسامات في إنكلترا بين مجموعتين؛ تقبع إحداهما في المدن الحضرية الكبرى، وتتبنى العولمة والهجرة والاختلاف، وأخرى تقبع في المدن الأصغر والأرياف، والتي رأت في تلك التطورات خطراً على الازدهار والتجانس الاجتماعي. 

ويأمل جونسون جسر هذه الهوة من خلال الإنفاق الحكومي على مشاريع تعزز من الإنفاق في المناطق المهمشة، والاستجابة لمخاوفها من الهجرة والبطالة.

إلا أنّ المجلة ترى في سياسة جونسون هذه "مجازفة إلى حد ما"، على اعتبار أنّ "بريكست" سيلحق الضرر الاقتصادي الأكبر بالشمال الإنكليزي الذي يعتمد اقتصاده على الصناعة، أكثر من الجنوب الذي يعتمد اقتصاده على الخدمات. كما أنه سيؤدي إلى مفاقمة التوترات القومية في كل من أيرلندا الشمالية واسكتلندا، بينما قد يؤدي سعيه لكسر هيمنة النخبة اللندنية على الثقافة البريطانية إلى المزيد من الشقاق داخل إنكلترا.

المساهمون