المعتقلون السوريون... الغائب الأبرز عن جنيف

02 مارس 2017
لقاء دي ميستورا بسوريات من أهالي المعتقلين(فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
تغيب تقريباً قضية المعتقلين في سجون النظام السوري عن أجندة مفاوضات جنيف4، على الرغم من تواصل محنة عشرات آلاف المغيبين خلف القضبان وفي أقبية فروع الاستخبارات والذين يموت منهم يومياً العشرات تحت التعذيب أو بواسطة عمليات الإعدام التي تقوم بها سلطات النظام، وفق ما كشف تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر أخيراً.

ولعل اللفتة الرمزية الوحيدة التي سبقت افتتاح المفاوضات كانت من خلال لقاء مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، بعدد من النساء السوريات من ذوي المعتقلين.


وقال دي ميستورا للصحافيين "إنهن يرسلن إلي - ومن خلالي للجميع - رسالة مفادها أنه علينا ونحن نتحدث عن مستقبل سورية ألا ننسى من لا يزالون إما معتقلين أو مفقودين"، وفق تعبيره. وأضاف، موجهاً حديثه إلى السيدات السوريات: "هناك آلاف وآلاف من الأمهات والزوجات والبنات اللواتي يأملن في أن يكون هذا الجانب على الأقل من بين فوائد أي تفاوض، يمكنكن أن تتأكدن أننا سنطرح دوماً ملف المعتقلين والمخطوفين والمفقودين"، على حد قوله. وكان دي ميستورا قد أعلن قبل أيام من بدء المفاوضات، أن قضية المعتقلين في سجون النظام ستكون محل نقاش في مفاوضات جنيف، غير أن جدول الأعمال المطروح حتى الآن لا يتضمن بنداً خاصاً بهذه القضية، ويتركز وفق دي ميستورا نفسه، على ثلاث قضايا، هي الحكومة الانتقالية والدستور والانتخابات.

ووفق بعض المصادر الحقوقية، يزيد عدد المعتقلين في سجون النظام عن 300 ألف. وتفيد وثائق بأن الذين قضوا منهم داخل السجون تجاوزوا الـ100 ألف منذ بدء الثورة السورية عام 2011 حتى الآن. وتوفي هؤلاء في ظروف بشعة قد لا يصلها خيال بشري، تشمل التعرض لصنوف من الضرب والتعذيب والتجويع وترك المرضى يعانون حتى الموت.



كما يعتبر موضوع المعتقلين وسيلة ابتزاز لذويهم ونهب أموالهم، وكثير منها يذهب هباءً بسبب الكذب وبيع الأمل لذوي المعتقلين من جانب سماسرة ومحامين مرتبطين بالنظام ويتقاسمون مع عناصره وضباطه ما يأخذونه من أموال ذوي المعتقلين. ويقول رئيس "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فضل عبد الغني، إن الاعتقال على نطاق واسع، وما يتخلله من عمليات قتل وتعذيب واغتصاب وابتزاز، هو استراتيجية متكاملة للنظام بهدف تدمير المجتمع، بحسب قوله. وأوضح أن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) يحتجز نحو ثمانية آلاف سجين (معظمهم من عناصر الجيش السوري الحر أو مدنيين من مناطق المعارضة)، فيما تحتجز المجموعات التي تقاتل تحت راية "الجيش الحر" نحو 2400 شخص، وجبهة "فتح الشام" نحو 500 شخص، وحزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي" نحو 1600 شخص.
معاناة الاعتقال في سجون النظام تفاقمت منذ انطلاق الثورة عام 2011 (جوزف عيد/فرانس برس) 

وتجاهل قضية المعتقلين في هذه المفاوضات، ليس سابقة، بل يكاد ينسحب على مجمل الجولات السابقة باستثناء مفاوضات جنيف2 مطلع عام 2014، والتي تم خلالها التداول في موضوع المعتقلين وتقديم قوائم بأعدادهم وأسمائهم لوفد النظام، لكن دون أن يؤدي ذلك إلى إطلاق سراح أي معتقل. وهناك تكهنات بأن النظام سعى للإفادة أمنياً من قوائم المعارضة دون أن يفكر جدياً في إطلاق سراح أحد. وطالبت المعارضة حينذاك بفصل موضوع النساء والأطفال عن باقي المعتقلين، وإطلاق سراحهم فوراً، إذ قدم وفدها قائمة بأسماء ألف امرأة و1300 طفل. وفي تلك المفاوضات تذرع وفد النظام بأن وفد المعارضة ليس لديه سلطة على الفصائل المسلحة التي يقول إنها تحتجز مئات من أنصاره من عسكريين ومدنيين، بينما يحضر في المفاوضات الحالية ممثلون عن تلك الفصائل، ما يسقط حجة النظام.

وتؤكد فصائل المعارضة بشكل دائم استعدادها للقيام بعمليات تبادل للأسرى والمحتجزين، لكن النظام لا يبدي أي تجاوب، ويظهر عدم اكتراث بجنوده وضباطه الأسرى، خلافاً لما يقوم به حين يتعلق الأمر بالأسرى الإيرانيين أو التابعين للمليشيات الطائفية الموالية لطهران، أو بجثث الجنود الروس الذين يسارع إلى مبادلتهم فور وقوعهم بأيدي فصائل المعارضة.

وعادة ما تشترط المعارضة حضورها لأي جلسة تفاوضية مع النظام بأن يقوم الأخير بالتفاتة إنسانية تتعلق بإطلاق سراح معتقلين ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة. لكنه لم يستجب لذلك أبداً، ما يشير إلى مدى حرص النظام على عدم التفريط بهذه "الورقة". وتفيد المعطيات بأن خوف الناس من التعرض للاعتقال، ومع ما يعنيه ذلك من مخاطر على حياة المعتقل وما يسببه من معاناة هائلة لذويه، هو أحد أسلحة النظام في ضبط المجتمع ومعاقبة ما يعتقد أنها الحواضن الشعبية لمعارضيه، على الرغم من أن الكثير من حالات الاعتقال تتم بشكل عشوائي ولأشخاص لا علاقة لهم بأي نشاط مناهض للنظام. ويكفي أن يكونوا من أقارب أحد المطلوبين للنظام أو بسبب تقديم مساعدة إنسانية لأحد المطلوبين حتى يتم اعتقالهم، مع ملاحظة تعدد الجهات المخولة بعمليات الاعتقال، والتابعة للقوات النظامية أو للمليشيات وقيامها بعمليات الاعتقال التعسفي، واحتفاظ هذه الجهات بمعتقلات خاصة بها لا تخضع لأي رقابة.

وكانت مجموعة من المنظمات السورية المختصة بشؤون توثيق الانتهاكات والمساءلة والعدالة الانتقالية في سورية قد وجهت مذكرة إلى الأطراف السورية المتفاوضة، وإلى دي ميستورا وفريقه، والدول الراعية للعملية التفاوضية، تحدد سبل حل أزمة المعتقلين في سورية. وطالبت في المذكرة بضرورة السماح بدخول مراقبين مستقلين وفتح باب الزيارات بشكل فوري للمعتقلات، مشيرةً إلى أن أياً من القوى المتفاوضة أو الأمم المتحدة والمجموعة الدولية لدعم سورية، لم تمارس أي ضغوط جدية بخصوص ملف المعتقلين، وكأنها قضية ثانوية أو أقل أهمية من وقف إطلاق النار، وفق ما ورد في المذكرة.

وطالبت المنظمات بالسماح الفوري لمراقبين مستقلين أو جهة محايدة تتمتع بمصداقية واحترام دوليين، بالوصول غير المشروط إلى جميع مراكز الاعتقال والسجون في سورية، بما فيها تلك المراكز غير الرسمية التي تديرها الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة السورية أو المليشيات المؤيدة للنظام، وتلك التي تديرها الفصائل المعارضة المسلحة. كما شددت على ضرورة إصدار قوائم رسمية تحدد الأشخاص المعتقلين لدى جميع الأطراف، تمهيداً للبدء بحصر الأشخاص المفقودين. وأكدت المنظمات ضرورة تبني مقاربة مختلفة تماماً، تعتمد على الضغط على جميع الأطراف لتسليم قوائم رسمية بأسماء المعتقلين لديها.

ولفتت المنظمات إلى عدم جدوى ما يطلبه دي ميستورا من المعارضة بشأن تقديم قوائم دقيقة للمعتقلين في سجون النظام لأن أحداً لا يعرف على وجه الدقة أعداد المعتقلين. واعتبرت في المقابل أن المطلوب من النظام يتمثل في أنْ يقدم قوائم بالمعتقلين لديه، داعية إلى تأسيس آلية واضحة للعمل على إطلاق سراح جميع المعتقلين بما في ذلك التأسيس لفريق عمل تقني خاص تابع للأمم المتحدة، يرفد فريق الموفد الخاص بسورية بخبراء وقانونيين يعملون على تقديم التوصيات والخبرات بهذا الشأن. ولفتت إلى ضرورة إشراك ممثلين عن المنظمات الحقوقية كخبراء ومراقبين بشكل دائم، ليساهموا بإغناء عمل الفريق الخاص بالمعتقلين. كما شددت على وضع موضوع المعتقلين وتحديد أماكن ومقرات الاحتجاز والاعتقال من قبل طرفي التفاوض على أعلى سلم الأولويات.

وتبقى الحقيقة الثابتة أن المجتمع الدولي والأمم المتحدة بجميع مؤسساتها، لم يتمكنوا حتى الآن من الضغط على النظام السوري للإفراج عن حالة واحدة فقط، إذ تتم معظم حالات الإفراج ضمن صفقات تبادل مع فصائل المعارضة المسلحة.