تونس تدق ناقوس الخطر: الأزمة الليبية إلى مرحلة جديدة

27 فبراير 2016
تحدث السبسي عن "مرحلة جديدة" بالملف الليبي(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -


لم تقدّم الرئاسة التونسية تفاصيل كثيرة عن اجتماع مجلس الأمن القومي أول من أمس الخميس، واكتفت بالقول إنه ناقش الوضع الأمني في ليبيا، وبحث سبل دعم حكومة الوفاق الوطني. غير أن الفيديو الذي نشرته الرئاسة للجزء الأول من الاجتماع، وهي عادة دأبت عليها الرئاسة، كان كافياً للتنبيه بشكل لافت حول ما يحدث في ليبيا.

ومرّت كلمة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي القصيرة في افتتاح الاجتماع من دون أدنى اهتمام أو إشارة، على الرغم من أنها تضمّنت إشارات غاية في الأهمية، إذ تحدث السبسي عن "مرحلة جديدة ودقيقة" للملف الليبي، داعياً إلى الإعداد لـ"التضامن الوطني"، واتخاذ اجراءات عملية سريعة ينبغي تطبيقها واحترامها. ولم تتسرب معلومات عن هذه المرحلة الجديدة والدقيقة التي تحدث عنها السبسي، ولكن صرامة الكلمة، واجتماع مجلس الأمن القومي بسببها، وهو لا يجتمع إلا في الحالات الهامة، تؤشر على علم السلطات التونسية بأن الأمور مرشحة للتصعيد في ليبيا.

وتمثّل إشارة السبسي إلى ضرورة التضامن الوطني، تصريحاً بأن تونس دخلت مباشرة في جوهر الموضوع، وبدأت تستعد لتداعيات الأحداث في ليبيا. كما يدل هذا الموقف الجديد لتونس على أن المبالغات الإعلامية في التعامل مع تهديدات الحرب في ليبيا، التي تحدث عنها سفراء غربيون في تونس، غير صحيحة، وأن موعد الحسم قريب.

ويبدو أن زيارة وزيري الدفاع فرحات الحرشاني، والمالية سليم شاكر (الذي يشرف على الجمارك) إلى الجنوب التونسي أمس الجمعة، مرة أخرى، تأتي في إطار هذا الاستعداد التونسي الجديد، الذي يعبّر عن قلق متزايد من تطور الأحداث في ليبيا، ترجمته زيادة الاستعدادات الامنية المكثفة على الحدود.

وقال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الحكومة، الوزير خالد شوكات، أول من أمس الخميس، في تصريح للإذاعة الرسمية، إن الوزارات المعنية بالأزمة الليبية مستعدة لكل الاحتمالات ولكل ما قد يحصل في ليبيا. وأشار إلى أن هذه الوزارات، الخارجية والداخلية والدفاع والصحة والتجارة والنقل وغيرها، انطلقت من تجربتها في 2011، لتضع كل السيناريوهات الممكنة لتفادي ما حدث سابقاً. غير أن شوكات لفت أيضاً إلى أن تونس، تحمّلت منذ خمس سنوات كل نفقات المخيمات آنذاك، والتي قدّرت بحوالي 34 مليون دينار في حين لم تساهم المجموعة الدولية بأكثر من 2,6 مليون دينار.

اقرأ أيضاً: أحزاب تونسية تحتج ضد التدخل العسكري في ليبيا

كما أكد شوكات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تونس ستتخذ كل ما تراه صالحاً من إجراءات لحماية أمنها، حتى لو استوجب الأمر وضع مراكز لجوء مؤقتة للتثبت من الوافدين من الحدود، قبل دخولهم الى المدن التونسية، للتثبت منهم أمنياً وصحياً وغيره. وأعلن أن عدداً من الوزراء سيتوجهون نهاية الأسبوع الى محافظات الجنوب لبحث الاوضاع، معتبراً أن سير الأحداث سيتغير بعد إقرار حكومة الوفاق الليبية، وهي تسعى للاستقرار في طرابلس، وربما يحتاج دخولها إلى طرابلس إلى قرار أممي.

ولا يبدو القلق التونسي ذا منحى اقتصادي فقط، بل يسبقه الجانب الأمني، خصوصا مع تسارع الاحداث في صبراتة الليبية القريبة جداً من تونس، واكتشاف أن أغلب إرهابيي صبراتة من التونسيين.

وبعد التأكيدات الأميركية على أن الضربة الجوية في صبراتة جنّبت تونس سيناريو كارثياً، تزايد القلق التونسي بشكل كبير، وربما يخلط الأوراق في خصوص القرار التونسي بعدم إغلاق الحدود مع ليبيا في حالة اندلاع الحرب. ولا يعني هذا أن السلطات التونسية قد تتراجع عن هذا القرار، ولكن جهدها الأمني في مراقبة كل الوافدين من الحدود سيتزايد، وربما يتم وضع دوائر أمنية متعددة لغربلة الداخلين من الحدود، بما يغير خطة الاستعدادات السابقة، ويجعلها أكثر صرامة.

وعلى الرغم من تأكيدات الدول الغربية على دعم تونس في مراقبة الحدود، فإن تونس تبقى متوجسة جداً من هذه الوعود، ويبدو أنها قررت بالأساس التعويل على نفسها.

ليبيّاً، طلبت حكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس، أمس الجمعة، من "سرايا وكتائب الثوار في جميع المدن الليبية" بالالتحاق بما وصفته بـ"معارك الشرف بمدينة صبراتة". وقالت الحكومة، في بيان حول الأوضاع في مدينة صبراتة، إن "المعركة ضد تنظيم داعش هي ذاتها الدائرة ضد خليفة حفتر وأعوانه"، مؤكدة أنهما وجهان لعملة واحدة بحسب البيان. يذكر أن الاشتباكات تجدّدت أمس الجمعة، في عدة نقاط غربي مدينة ‏صبراتة ضد مسلحي تنظيم "داعش".

وقالت مصادر قريبة من حكومة طرابلس لـ"العربي الجديد" إن هناك تخوفاً كبيراً لدى الليبيين حالياً، نتج عنه غياب السيولة المالية تماماً، بسبب سحب الأموال المودعة في المصارف، وإن هناك تخوفاً من ارتفاع مستوى التضخم إذا أقدم المصرف المركزي على صكّ مبالغ جديدة وضخّها في الأسواق، لافتة إلى أن أخباراً تتردد عن اعتزام المركزي الليبي في طرابلس صكّ حوالي عشرة ملايين دينار ليبي جديد لتفادي النقص في السيولة.

وفي الجانب الشرقي من ليبيا، قال نقيب المصارف وشركات التأمين في مدينة طبرق عادل راف الله، في تصريحات صحافية، إن مصارف طبرق شبه مغلقة وفارغة من السيولة بسبب عزوف التجار في المدينة عن إيداع أموالهم فيها.

وغير بعيد عن تونس، كان وزيرا الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار، والتونسي خميس الجهيناوي، يشددان في مؤتمر صحافي في الرباط أمس، على ضرورة مصادقة برلمان طبرق على حكومة الوفاق الوطني الليبية من أجل الوصول إلى استقرار أمني وسياسي واقتصادي بالمنطقة، محذرين من خطورة التأخر في المصادقة على الحكومة الليبية من قِبل البرلمان. ولفت مزوار، إلى أن "داعش" يعمل على تحويل قيادته ومراكز تخطيطه إلى ليبيا، بسبب القصف الذي تقوم به دول التحالف في سورية، مشددا على كون "داعش يتحول الآن إلى ليبيا وسيتحول غداً إلى بؤر توتر أخرى في المنطقة". ونفى مزوار، نية بلاده بأن تشارك في أي تدخل بري في ليبيا ما دام الوضع على حاله، موضحاً أن "المغرب ضد أي تدخل إذا لم يكن هناك سلطة طلبته".

من جهته، نبه الجهيناوي، إلى "خطورة تأخر المصادقة على حكومة الوفاق من طرف البرلمان الليبي"، مؤكدا أن "أي تأخير في هذا الصدد من شأنه أن يكون له تداعيات داخل ليبيا وبالخصوص على دول الجوار بما فيها تونس".

اقرأ أيضاً: "لوموند": فرنسا تنفذ عمليات عسكرية سرية في ليبيا

المساهمون