توترات بحر الصين الجنوبي: بكين متخوفة من تدخل واشنطن

22 يوليو 2024
بحاران فيليبينيان بمواجهة سفينة صينية، 5 مارس 2024 (أدريان بورتوغال/رويترز)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تحذيرات الخبراء الصينيين**: حذر الخبراء من أن الصراع في بحر الصين الجنوبي ليس في مصلحة الولايات المتحدة، مشيرين إلى أن الفيليبين ليست الأداة المناسبة للتحرك ضد الصين.

- **السياسة الأمريكية**: ترغب واشنطن في رؤية التوتر دون صراع كامل، وزادت من نشاطها العسكري في المنطقة، لكنها تدرك تكلفة الدخول في صدام مباشر مع الصين.

- **معاهدة الدفاع المشترك**: تستخدم الفيليبين المعاهدة كدرع ضد التهديدات الصينية، لكن تصادم السفن لا يكفي لتفعيل التدخل العسكري الأمريكي.

أبرزت وسائل إعلام رسمية صينية، يوم الجمعة الماضي، تحذيرات خبراء صينيين من أن الصراع الشامل في بحر الصين الجنوبي ليس في مصلحة الولايات المتحدة، وذلك في أعقاب دعوة أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي الرئيس جو بايدن إلى تقديم دعم ملموس للفيليبين. وذكرت صحيفة غلوبال تايمز الحكومية الصينية الناطقة بالإنكليزية، أنه جرى ضبط بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي وهم يشجعون تدخّل واشنطن تجاه النزاعات في بحر الصين الجنوبي من خلال دعوة إدارة بايدن لتقديم إشارات واضحة لدعم مانيلا في صراعها مع بكين. ونقلت تحذيرات خبراء صينيين من أن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تقودها قوى سياسية، دافعها الوحيد هو تسميم العلاقات مع بكين وإثارة التوترات الإقليمية، وأن الصراع الكامل في بحر الصين الجنوبي لا يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة، وأن الفيليبين ليست قطعة الشطرنج المناسبة للتحرك ضد بكين.

جينغ وي: واشنطن ليست في وارد مجرد التفكير في خيار المواجهة مع بكين

وكان السيناتوران جيم ريش، العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وروجر ويكر، عضو لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، قد أرسلا، الأربعاء الماضي، رسالة إلى بايدن طالباه فيها بتقديم خيارات الرد على الفور لإظهار المزيد من الدعم لمانيلا، بدلاً من مجرد الاستجابة اللفظية. وأفادت صحيفة غلوبال تايمز بأن هناك قوى سياسية راسخة في الولايات المتحدة تنظر إلى الصين بإحساس عميق الجذور بالعداء. ونقلت عن نائب مدير معهد القانون والسياسة البحرية في المعهد الوطني لدراسات بحر الصين الجنوبي دينغ دو قوله إنهم "يعارضون (أعضاء مجلس الشيوخ) أي شيء مرتبط بالصين ويدفعون نحو زيادة الضغط على الحكومة الأميركية في ما يتعلق بالشؤون الصينية. وعلى الرغم من أنهم قد لا يمثلون الحكومة الأميركية رسمياً، يجب أن نكون حذرين من السماح لهؤلاء الأفراد بالهيمنة على المناقشة بشأن المسائل المتعلقة بالصين".

واشنطن وتوترات بحر الصين الجنوبي

وأضاف دينغ أن واشنطن راغبة في رؤية التوتر في بحر الصين الجنوبي لكن من دون وصول التصعيد إلى صراع كامل، لافتاً إلى أن هذه كانت وستظل سياسة الولايات المتحدة في المنطقة. وأضاف: "إذا تصاعد الموقف بين الصين والفيليبين بسرعة كبيرة، فإن الولايات المتحدة ستخشى فقدان السيطرة. وعلى العكس من ذلك، إذا قام الجانبان بحل مشاكلهما تماماً، فإن الإدارة الأميركية ستخاطر بفقدان مانيلا باعتبارها أداة استراتيجية لاحتواء بكين". وكانت الولايات المتحدة قد زادت خلال الأشهر الأخيرة من نشاطها العسكري في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، كما قدّمت، حسب وسائل إعلام صينية، معلومات استخبارية لمساعدة مانيلا، من أجل تعزيز حضورها في المحيط الهادئ. الأمر الذي طرح تساؤلات عن مدى استعداد واشنطن للانخراط بشكل أوضح في الصراع العسكري في بحر الصين الجنوبي والدخول في مواجهة مباشرة مع بكين؟

في رده على هذه التساؤلات، قال الباحث المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث جينغ وي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الإدارة الأميركية تدرك جيداً تكلفة الدخول في صدام مباشر مع الصين، خصوصاً مع انهماكها في ملفات شائكة مثل الأزمة الأوكرانية والحرب على غزة، واستهداف مصالحها في منطقة البحر الأحمر، إضافة إلى الوضع الداخلي المترهل، والأحداث التي شهدها السباق الرئاسي بين بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب أخيراً، وتداعيات ذلك على حالة الأمن والاستقرار داخل الأراضي الأميركية، مضيفاً أن واشنطن ليست في وارد مجرد التفكير في خيار المواجهة مع بكين في بحر الصين الجنوبي. ولفت جينغ إلى أنه حتى في الوضع الطبيعي، فإن الاستراتيجية الأميركية تدفع باتجاه محاصرة الصين بقوى معادية يعملون وكلاء لواشنطن في المنطقة عبر تحالفات إقليمية ودولية، فضلاً عن الدعم اللوجستي وتسخين الجبهات على طول خط المواجهة، من دون أن تترتب على ذلك أي تكلفة تدفعها الولايات المتحدة.

تطرقت وسائل الإعلام الرسمية في مانيلا إلى معاهدة الدفاع المشترك مع واشنطن لردع بكين

المعاهدة الفيليبينية ـ الأميركية

لطالما لمّحت الإدارة الأميركية إلى أن الهجوم على الفيليبين من شأنه أن يستدعي التزامات الدفاع المشترك للولايات المتحدة بموجب المادة الرابعة من معاهدة الدفاع المتبادل بين واشنطن ومانيلا لعام 1951. من جانبها، استخدمت الفيليبين هذه المعاهدة درعاً وقائياً ضد التهديدات الصينية، وبدا ذلك واضحاً خلال الأسابيع الأخيرة، إذ دأبت وسائل الإعلام الرسمية في مانيلا على التلويح بمعاهدة الدفاع المشترك لردع بكين في أعقاب الحادث الأخير بين خفر سواحل البلدين في منطقة بحر الصين الجنوبي في شهر يونيو/حزيران الماضي. ولكن عند أي حد يمكن تفعيل هذه المعاهدة؟ في تعليقه على ذلك، قال الباحث الصيني في العلاقات الدولية وانغ تشي بينغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه حسب بنود المعاهدة، لا يمكن اعتبار مجرد تصادم سفينتين سبباً لتدخل عسكري من جانب القوات البحرية الأميركية. وأوضح أن هناك ظروفاً أعقد وأكبر مرتبطة بحجم القتال ونوع الأسلحة المستخدمة فيه وظروف المواجهة، وكلها عوامل تشير إلى شكل من أشكال الحرب أو الانزلاق نحوها. وبالتالي، حسب المعطيات والتقدير العسكري، لا يشكل كل ما حدث في منطقة بحر الصين الجنوبي بين مانيلا وبكين غطاء لدخول أطراف ثالثة على خط المواجهة من منظور إجرائي.

وكانت بكين ومانيلا قد أعلنتا، الثلاثاء الماضي، نيتهما فتح خط اتصال مباشر بين المكتبين الرئاسيين، الصيني والفيليبيني، للمساعدة في منع أي مواجهة جديدة من الخروج عن السيطرة في بحر الصين الجنوبي، وذلك بموجب اتفاقية وُقِّعَت أخيراً. وأنشأ البلدان خطوطاً هاتفية طارئة على مستويات أدنى خلال العام الماضي لإدارة النزاعات بشكل أفضل، لكن الصدامات بينهما استمرت بوتيرة أسرع، ما أثار مخاوف من اندلاع صراع مسلح أكبر قد يشمل دخول أطراف خارجية على خط المواجهة. واعتبرت وسائل إعلام صينية أن الخط المباشر سيساعد في إدارة النزاعات في بحر الصين الجنوبي عبر القنوات الدبلوماسية، وسيضع حداً للتوتر المتصاعد بين البلدين، وأن ذلك من شأنه أن يرسل إشارة إلى الدول خارج الإقليم بأن بكين ومانيلا مستعدتان لإدارة صراعاتهما بعيداً عن التدخلات الخارجية، لكنها أشارت إلى أن مدى فعالية هذه الآلية يعتمد إلى حد كبير على صدق الفيليبين في تسوية النزاعات، فضلاً عن نتائج التنسيق بين الإدارات المختلفة.

المساهمون