فرنسا: تبرئة الشرطة بمقتل فتيَي الضواحي تهدّد بانتفاضة

20 مايو 2015
داخل قاعة المحكمة (دامين ماير/فرانس برس)
+ الخط -
بعد حوالي عشر سنوات من المحاكمات، برّأ القضاء الفرنسي في حكم نهائي، شرطيين من تهمة "عدم تقديم المساعدة لأشخاص في حالة الخطر"، في قضية مقتل المراهقين زياد (17 عاماً من أصل تونسي) وبونا (15 عاماً من أصل مالي)، اللذين لقيا حتفهما صعقاً بالكهرباء في مركز لتحويل الكهرباء عندما كانا يحاولان الفرار برفقة مجموعة من المراهقين الآخرين من دورية للشرطة في بلدة كليشي سوبوا في ضاحية باريس في 27 أكتوبر/تشرين الأول عام 2005.

ومن شأن هذا الحكم القضائي أن يثير غضب الضواحي الفرنسية، حيث يقطن المهاجرون، خصوصاً أنّ مقتل المراهقين أدى إلى اندلاع انتفاضة عارمة عمت غالبية الضواحي في أطراف المدن الكبرى ودفعت بالسلطات إلى إعلان حالة الطوارئ الشاملة لعدّة أسابيع، في سابقة كانت الأولى من نوعها منذ حرب الجزائر في الخمسينيات من القرن الماضي.

وحاول دفاع عائلتي الضحيتين إثبات تقصير أفراد دورية الشرطة، التي كانت تلاحق المراهقين وعدم التدخل بسرعة لإخراج المراهقين من مركز التحويل الكهربائي، نظراً لخطورته على حياتهما، خصوصاً أن تسجيلات هاتف الدورية بيّنت أن شرطية مشاركة في الدورية قالت ما معناه: "إذا كانا (المراهقان) داخل مبنى المحول الكهربائي فلن ينجوا بجلدهما". لكن القضاة خلصوا في النهاية وبعد سنوات من التحقيقات إلى أن الشرطيين المعنيين لم يكونا على علم بتخفي المراهقين في المركز، ولم يكونا على علم كاف بخطورة هذا المركز، وبالتالي فهما لا يتحملان مسؤولية موت الضحيتين صعقاً بالكهرباء.

وخلف هذا الحكم استياء كبيراً في أوساط عائلات الضحايا، وعدد من الجمعيات والمنظمات الحقوقية التي كانت تأمل في حكم يُدين تصرفات عناصر الشرطة ويحملهم مسؤولية الحادث. وكانت مرافعة المحاميين إيمانويل توردجمان وجون بيار مينار، تاريخية ومن النوع النادر في المحاكم الفرنسية، بحسب الحاضرين في الجلسة.

إذ تحولت إلى مرافعة سياسية ورمزية ضدّ سلوك الشرطة الفرنسية بشكل عام حيال شبان الضواحي من أصول عربية وأفريقية، وأشارت إلى التعامل العنصري الراسخ لدى قوى الأمن حيال هذه الشريحة المجتمعية. وصب المحامي بيار مينار، وهو من أشهر المحامين الفرنسيين ومعروف بصداقته الوطيدة مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، جام غضبه على المحكمة، وقال لوسائل الإعلام "إذا كان رئيس الوزراء مانويل فالس تحدث بنفسه عن وجود نظام فصل اجتماعي في فرنسا، فأنا أحذر من وجود نظام فصل قضائي ضد الشبان العرب والأفارقة الفرنسيين".

واعتبر المحامي أن القضاء الفرنسي له مشكلة بنيوية مع أبناء الضواحي، وأن أحكامه ظالمة ومجحفة بحق هؤلاء.

في المقابل، صفق حزب "الجبهة الوطنية" المتطرف، وقالت زعيمته مارين لوبان إن "الضحيتين كانا من شريحة المنحرفين والأوباش وأنهما يستحقان ما حصل لهما". فيما اعتبر النائب اليميني كريستيان استروزي والوزير السابق في حكومة الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، أن الضحيتين هما "شابان منحرفان"، وهو الأمر الذي يتناقض تماماً مع سير التحقيقات التي برهنت أنّ المراهقين كانا يعيشان حياة عادية ولم تكن لهما أي سوابق جنائية وأي مشاكل مع الشرطة".

من جهته، رأى المحلل السياسي المتخصص في شؤون الهجرة زيدان خوليف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحكم بتبرئة الشرطة في هذه القضية وعدم تجريمها هو قنبلة موقوتة في السياق الحالي في فرنسا بعد اعتداءات باريس وتصاعد موجة العداء للمسلمين من أبناء الضواحي"، بدون أن يستبعد "أن يكون لهذا الحكم تداعيات خطيرة قد تصل لحدّ اندلاع أحداث جديدة في الضواحي شبيهة بأحداث 2005، خصوصاً أن اليمين المتطرف وبعض شخصيات اليمين التقليدي تصب النار على الزيت بتصريحات فيها الكثير من التشفي".

واندلعت عدة تظاهرات أمام محكمة بوبيني في الضاحية الباريسية، ثم تمدّدت إلى ضواحي مدينتي ليون وتولوز، بعد النطق في الحكم. شارك في التظاهرات مئات الأشخاص من عائلات الضحيتين وناشطون من عدة جمعيات حقوقية، رفع فيها المتظاهرون شعارات "الشرطة قتلة والعدالة عنصرية"، منددين بالحكم الذي اعتبروه ظالماً. وقالت رئيسة ائتلاف "أورجونس" المناهض للعنصرية، أمل بن التونسي، إن "الشرطة تتمتع بحماية قضائية ولا تخضع للحساب أو العقاب منذ سنوات". واعتبرت أن "التبرئة المنظمة والدائمة لأفراد الشرطة في قضايا كهذه تخلق شرخاً بين الشرطة والمواطنين. وجرائم الشرطة الفرنسية لها نفس الطابع الذي يميز الشرطة الأميركية".

من جهته، اعتبر الناشط الحقوقي محمد جرادي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الحكم هو رسالة خاطئة وخطيرة لشبان الضواحي الذين يصيرون على قناعة راسخة بأنّ الشرطة صارت عدواً، وليست جهازاً مهمته حمايتهم كمواطنين. كما أنها رسالة تثبت بأن القضاء يقف في صف الشرطة ضدّ الشبان مهما كانت درجة براءتهم".

أما مؤسس حزب "الاتحاد الديمقراطي" للمسلمين في فرنسا السيد أزرقي نجيب، فقد دق ناقوس الخطر في تصريح لـ"العربي الجديد"، وقال "نحن لا نفهم المغزى من هذا الحكم المنافي للعدالة. هناك غضب كبير واحتقان شديد في أحياء الضواحي من تكرار الانتهاكات والتجاوزات البوليسية بحق شبان الضواحي. ونحن نعتبر أن مثل هذه الأحكام تهدد السلم الاجتماعي في فرنسا. ونحن نسجل بأن الحكم الأخير يبين بأن السلطات القضائية والسياسية لم تأخذ العبرة والدروس من أحداث صيف 2005 عندما اشتعلت الضواحي الفرنسية بعد مقتل المراهقين في كليشي سوبوا.
واعتبر أرزقي نجيب بأنه "حان الوقت لإطلاق نقاش عمومي في الساحة السياسية الفرنسية بمشاركة الجمعيات التي تمثل أبناء الضواحي حول "حالة اللاعقاب" التي يتمتع بها جهاز الشرطة وخطر هذه الظاهرة، التي تشكل انتهاكاً ليس فقط لحقوق شبان الضواحي بل لمبادئ الجمهورية الفرنسية نفسها".

اقرأ أيضاً: تبدّد وهم "شارلي إيبدو" وبيان "غياب الإجماع"